نقلت مصادر دبلوماسية فرنسية عن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تأكيده أن طهران “تريد السيطرة على باب المندب من خلال الحوثيين”، وأنها لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الهام حيث تمر ثلث التجارة العالمية “لا تحتاج لحيازة القنبلة النووية”.
وإذا تحقق لطهران هذا الهدف، فإنها بذلك تكون قادرة على تهديد أهم منفذين بحريين في العالم وهما مضيق هرمز الذي يفتح الباب على مياه الخليج وباب المندب الذي يفضي إلى البحر الأحمر ومنها إلى قناة السويس فالبحر المتوسط. وبعكس ما تدعيه إيران من أنه لا علاقة لها بما يجري في اليمن ونفيها أن تكون تمد الحوثيين بالمدربين والخبراء والسلاح، تشير المصادر نفسها لصحيفة “الشرق الأوسط” إلى وجود دلائل على “انغماس عسكري إيراني مباشر” فيما يجري في اليمن، كما أنها تنبه من تنامي ظاهرة “جديدة” على المجتمع اليمني وهي أن الزيديين أخذوا يحتفلون بالأعياد الشيعية، وهي ترى بالتالي أنه إذا استمر تصاعد هذه الظاهرة فإنها ستكون “مصدر قلق عميق للمستقبل” وستكون “رافدا” لـ”القاعدة في شبه الجزيرة العربية” التي تستفيد من تصاعد النزاعات المذهبية.
ولكن المصادر الفرنسية ترى أن وراء ذلك كله، ثمة تحديات تتخطى اليمن وليس أقلها: أمن البحر الأحمر والتجارة الدولية، وتهديدات “القاعدة”، والتمدد الإيراني، وتنافس نفوذ طهران مع النفوذ الخليجي التقليدي في اليمن، ومستقبل هذا البلد ومسألة بقائه بلدا موحدا أم تقسيمه الفعلي إن لم يكن الرسمي بين شمال وجنوب وتنافس شرعيتين: الأولى شرعية دستورية ممثلة بالرئيس هادي في عدن وشرعية ثورية في صنعاء. ويضاف إلى ذلك كله الطابع التنافسي المذهبي بين الحوثيين الزيديين الذين يمثلون نحو ثلث السكان في اليمن وبين بقية السكان.
ورغم تعدد الاجتماعات على المستوى الأوروبي في الأيام والأسابيع الأخيرة، لم يحزم الفرنسيون ومعهم الأوروبيون رأيهم لجهة نقل سفاراتهم إلى عدن أم الاستمرار في الوضع الحالي “السفارات المغلقة في صنعاء” والانتظار.
وتقول المصادر الدبلوماسية الفرنسية إن الرحيل من العاصمة اليمنية سببه بالدرجة الأولى أمني، وأن الانتقال إلى صنعاء مربوط بثلاثة معايير على الأقل: أولها توفر العنصر الأمني في ثاني المدن اليمنية التي كانت في زمن الانفصال عاصمة جمهورية جنوب اليمن. وثاني المعايير أن يكون للانتقال إلى عدن “معنى ما” أي بكلام آخر أن تكون السفارات قادرة على العمل والتواصل مع المسؤولين الرسميين ومع الأطراف السياسية المختلفة وإمكانية الوصول والخروج السهل جويا. أما المعيار الثالث وهو الأهم فيتمثل في “الرسالة السياسية” التي يمكن أن يحملها قرار من هذا العيار، إذ إنه من الواضح أن باريس والعواصم الأوروبية لا تريد أن يفهم قرارها على أنه تحبيذ لتقسيم اليمن أو تشجيع لبقاء الأمور على ما هي في الوقت الحاضر.
وترسم المصادر الفرنسية لـ”الشرق الأوسط” صورة سوداوية للوضع في اليمن، وهي تبدو “يائسة” من الوساطة التي يقوم بها جمال بنعمر رغم الدعم الرسمي الذي تقدمه فرنسا لدور الأمم المتحدة. وكمحصلة لهذا التقويم، تعتبر باريس أنه يتعين تغيير القواعد التي قامت عليها الوساطة الدولية لجهة “المرجعية” أي أهداف الحوار والمبتغى منه وتغيير المتفاوضين، بحيث يوجد حول الطاولة أشخاص لهم حيثية جديدة لجهة الأطراف التي يمثلونها فضلا عن تغيير مكان الحوار.
وترجح المصادر الفرنسية أن ينقل الحوار إلى إثيوبيا باعتبار أن كل طرف له تحفظات على طرح الطرف الآخر. فلا الحوثيون قابلون بنقل الحوار إلى الرياض التي هي مقر مجلس التعاون الخليجي، ولا الأطراف الأخرى قابلة بالبقاء في صنعاء تحت رحمة الحوثيين… ولذا، فإن اختيار جهة “محايدة” يمكن أن يكون الحل في الظروف الراهنة.
وتعتبر المصادر الفرنسية أن الحوثيين “غير قادرين بمفردهم على إدارة شؤون البلاد”، رغم تفوقهم العسكري وهيمنتهم على مناطق واسعة في الشمال والوسط ومحاولتهم التمدد جنوبا. ولذا، يتعين على الحوثيين أن يجدوا حلفاء سياسيين لهم. وحتى الآن، استفاد الحوثيون بحسب باريس من التحالف مع حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومن تعاون الموالين له في الألوية والقطاعات العسكرية. بيد أنها ترى أن هذا التحالف يمكن أن يتغير عندما تتغير المصالح. وتعتبر باريس أن ثمة “تباينا” داخل الحوثيين بين الجناح السياسي الذي يفهم هذا الوضع وتعقيداته، وبين الجناح العسكري الذي يفضل لغة الفرض والقوة، الأمر الذي يجعل التفاهم مع الأطراف الأخرى أكثر صعوبة.