IMLebanon

أزمة الوظائف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

unemployment
نايجل تووز
في الفترة بين 14 – 24 يناير/كانون الثاني، زرت كلا من لبنان والأراضي الفلسطينية وتونس. إنها منطقة بها بعض أكبر التحديات عندما يتعلق الأمر بخلق الوظائف. ويمثل إيجاد حلول لأزمة الوظائف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المفتاح لحل الكثير من القضايا الأخرى التي تعوق التنمية في المنطقة.

A furniture factory near Gaza City. Photo: Arne Hoel / World Bank في بيروت، التقيت عددا من المسؤولين من مصرف لبنان، والوزارات، ومؤسسات الأعمال المعروفة، وأصحاب المشاريع الجدد، والنقابات التجارية. وكنت في مدينة تونس عند الإعلان عن ولادة الحكومة الجديدة. كان الشعور العام يسوده مزيج من الترقب وبعض التشكك. التقيت بمجموعة متنوعة من كبار المسؤولين بالوزارات، ومنظمة أرباب العمل، والأمين العام للاتحاد التونسي للصِّناعة والتجارة والصِّناعات التقليدية. وفي الأراضي الفلسطينية، التقيت ثانية بمؤسسات أعمال معروفة، وأصحاب مشاريع من الشباب، والنقابات التجارية، ووزير العمل، فضلا عن عدد من المنظمات والمؤسسات الدولية. وتواجه البلدان الثلاثة تحديات مماثلة في خلق الوظائف من خلال تشجيعها لروح الابتكار وريادة الأعمال، والحد من الاعتماد على القطاع العام، وزيادة إنتاجية الوظائف، والربط بين الأفراد وفرص العمل – وخاصة النساء والشباب.

معدلات النمو الاقتصادي غير كافية لتحسين نواتج أسواق العمل

حتى عام 2010 كان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، يعتبران تونس نموذجا يحتذى به للبلدان النامية. فالأداء الاقتصادي الجيد للبلاد – الذي بلغ متوسطه 4.4 % سنويا في نمو إجمالي الناتج المحلي خلال العقد السابق – أسفر عن خفض سريع في أعداد الفقراء وعن زيادة مستوى الرخاء. وشهد أفقر 40 % من السكان تحسنا سريعا في مستويات دخلهم. لكن فرص العمل التي خلقها الاقتصاد كانت في حدود 2.5 % سنويا فقط، وهو معدل لم يكن كافيا لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.

وفي لبنان، لم يتحول معدل نمو إجمالي الناتج المحلي البالغ في المتوسط 3.7 % خلال العقد الأخير إلا إلى زيادة قدرها 1 % سنويا في فرص العمل الجديدة. وكانت الشركات اللبنانية الأحدث عهدا والأكثر إنتاجية القاطرة لخلق الوظائف، لكن نمو العمالة بها كان أدنى بكثير من إمكاناتها عند مقارنتها بالبلدان الأخرى بالمنطقة.

وفي الأراضي الفلسطينية، فإن الأمور سارت على المنوال نفسه: إذ سجل معدل البطالة ارتفاعا حادا إلى 27 %. وتشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن معدل البطالة بين الفلسطينيين في الشريحة العمرية 20 – 24 عاما يبلغ 43 %؛ وفي قطاع غزة، فإن هذا الرقم يرتفع إلى 63 %. أما مشاركة المرأة في القوى العاملة فلا تزيد على 19 %.

تردي نوعية الوظائف رغم قلتها

في تونس، تُعتبر غالبية الوظائف الجديدة منخفضة المهارات ومتدنية الإنتاجية: 77 % من الأيدي العاملة في تونس تعمل حاليا في قطاعات متدنية الإنتاجية. واليوم، فإن نسبة العاملين بالقطاع الرسمي لا تزيد على الثلث، أكثر من نصفها في القطاع العام. ويواجه الشباب الذين يتمتعون بمهارات أفضل تحديات مطردة، ولا تزيد مشاركة النساء في الأيدي العاملة على 27 %. وبعد مرور أربع سنوات على اندلاع الثورة، فإن نسبة كبيرة من السكان في سن العمل مازالت عاطلة، أو بدون عمل، أو تعمل في وظائف متردية النوعية. ولا يختلف الأمر في لبنان: فالوظائف الجديدة توجد بشكل رئيسي في القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة أو لا تتطلب مهارات عالية. والشباب والنساء هم الأكثر تأثرا، ويوجد نصف إجمالي القوى العاملة في القطاع غير الرسمي.

قلة الوظائف الجيدة هي سبب ونتيجة لعدم الاستقرار السياسي

تواجه أجندة خلق الوظائف تحديات في أي مكان، لكن هذه التحديات تزداد صعوبة عندما تؤدي قوى تقع خارج نطاق سيطرة السلطات إلى عرقلة المكونات الأساسية لإستراتيجية التشغيل المتكاملة. فنسبة 85 % من واردات السلع والخدمات التي يحتاج إليها الفلسطينيون تأتي من إسرائيل، في حين يبيعون أكثر من 80 % من صادراتهم إليها. ويؤثر التوتر السياسي بين الاثنين مباشرة على فرص التشغيل للكثير من الفلسطينيين.

وفي لبنان، تتفاقم مشكلة خلق وظائف متدنية النوعية اليوم نتيجة لتدفق اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة – حيث يوجد 1.5 مليون لاجئ مسجل في بلد لا يزيد عدد سكانه على 4.5 مليون نسمة؛ وازدادت القوى العاملة النشطة بالفعل حوالي 30 %، وربما أكثر.

الاعتماد المفرط على القطاع العام للحصول على الوظائف والخدمات

من بين أهم المحطات في زيارتي حضور إحدى الفعاليات في رأس الجبل، التي تقع على بعد ساعة أو نحو ذلك خارج مدينة تونس، حيث قدم المواطنون والمجتمع المدني تعليقاتهم وآرائهم باستخدام بطاقات قياس الأداء إلى القائمين على مكتب التشغيل الحكومي المحلي. كانت التعليقات على أداء الموظفين والمعدات ومدى توفر فرص العمل سلبية، لكن المأساة هي ادعاء هؤلاء الشباب الذين يعانون في الأغلب من البطالة أنه إذا حدث وتحسن أداء موظفي القطاع العام بمكتب العمل، فسيكون بوسعهم جميعا الحصول على فرص عمل. والواقع أنه لا توجد فرص عمل حاليا، وأن توقع قيام الحكومة بتوفيرها هو جزء أساسي من المشكلة التي تعاني منها تونس (والمنطقة).

وعلى صعيد الاقتصاد الفلسطيني، فقد شهد العقدان الماضيان اتجاهات مطردة ومحبطة: ضعف أداء القطاع الخاص، وارتفاع الاعتماد على المعونات الخارجية، وازدياد حجم القطاع العام، والزيادة السكانية، وتراجع أعداد العمالة الفلسطينية في الاقتصاد الإسرائيلي. وقد ساندت المستويات المرتفعة للمعونات الخارجية استهلاك الخدمات العامة كالتعليم والرعاية الصحية وأعمال الشرطة؛ وبحلول عام 2012، تضخمت أعداد العاملين بالقطاع العام لتصل إلى 177 ألفا – وهو أكثر بواقع 60 في المائة عنه في عام 2004، وهو اتجاه لا يمكن استمراره.

الشركات المتنفذة سياسيا

قبل اندلاع الثورة في تونس، عانى النموذج الاقتصادي التونسي من عيوب جسيمة نستطيع الآن إدراكها وفهم طبيعتها . ومن هذه العيوب الدور الذي لعبته عائلة بن علي في الاقتصاد التونسي. فمن المعروف أن وجود الشركات ذات العلاقات السياسية في المنطقة يمثل عقبة رئيسية أمام خلق الوظائف بشكل عام. وقد أجمل البنك الدولي نتائجه بشأن هذه الشركات في تقريره الصادر بعنوان “وظائف أم امتيازات: إطلاق الإمكانات لخلق فرص العمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”. ويرى البنك أن وجود الشركات المتنفذة سياسيا في المنطقة من شأنه مزاحمة الشركات التي تتمتع بأعلى قدرة على خلق الوظائف. علاوة على ذلك، فإن وجود هذه الشركات يدفع في العادة غالبية الشركات غير المتنفذة إلى الأنشطة غير الرسمية وغير المنتجة الصغيرة الحجم.

ارتفاع مستوى التعليم ليس ضمانة للنجاح

وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، هناك 49 مؤسسة تعليم عال ويواصل هذا العدد الارتفاع. وتضطر العائلات الفقيرة أحيانا إلى بيع أراضيها لسداد مصروفات التعليم العالي لأبنائها وبناتها، على أمل أن ذلك سيتيح لهم مستقبلا أفضل. ولا يوجد نظام رسمي لتتبع الخريجين، ولكن يبدو أن أكثر من 50% من خريجي التعليم العالي لا يحصلون على وظائف، ويرتفع هذا الرقم كثيرا بالنسبة لخريجي الكليات النظرية (الآداب والعلوم الاجتماعية). وفي لبنان، فإن العواقب المترتبة على بيئة فرص العمل الرديئة هذه لا مفر منها: إذ يضطر نصف خريجي الجامعات إلى الهجرة إلى الخارج بحثا عن العمل.

حلول لأزمة الوظائف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

حلول لأزمة الوظائف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقياتواجه بيئة التشغيل في الشرق الأوسط مشكلات تشترك فيها كافة بلدان المنطقة. ومع ذلك، فإننا نعمل عن كثب مع زملائنا والمؤسسات الشريكة على الأرض لتطوير حلول تلائم ظروف كل بلد على حدة. ففي لبنان، نساعد حاليا الحكومة على تبني إستراتيجية متكاملة لمساندة خلق الوظائف. وهذه الإستراتيجية لابد أن تدعم الإصلاحات التي من شأنها تحسين سياسات الاقتصاد الكلي والاستثمار، لكننا نعمل أيضا على تحديد ومعالجة القيود الخاصة بكل قطاع التي تؤثر في الاستثمارات وفرص الحصول على الوظائف. ويتضمن ذلك تحليلا قطاعيا متعمقا للقطاعات الفرعية وسلاسل القيم المرتبطة بها، مع تركيز على خلق الوظائف. وفي تونس، ننظر أيضا إلى أقطاب النمو الجهوية، وإلى داخل كل منها، وأنواع الأنشطة الاقتصادية التي يمكن أن تحدث أكبر أثر ممكن على النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

منذ عام 2005، شجع صندوق تطوير الجودة التابع للبنك الدولي، مؤسسات التعليم العالي في الأراضي الفلسطينية على السعي للحصول على تمويل للمشاريع التي تعمل على تبني روابط عملية أفضل مع مؤسسات الأعمال، وربط المناهج الدراسية باحتياجات الأسواق، وزيادة صلاحية الطلاب لسوق العمل. وقد زرت نموذجين ملهمين في كلية دار الكلمة الجامعية للفنون والثقافة في بيت لحم – برنامج إنتاج الأفلام الوثائقية، وفي جامعة بوليتكنك فلسطين، لاستطلاع مجموعة متنوعة من نماذج الشراكة مع القطاع الخاص. ولدينا أيضا مشروع قيد الإعداد لتعبئة التمويل من القطاع الخاص في قطاعات ذات إمكانات عالية، ونتطلع للمشاركة في مرحلة مبكرة من دورة الاستثمار على جانبي العرض والطلب، وهو أمر من شأنه أن يساعد في توليد فرص العمل. وقد قامت مجموعة من قادة الأعمال الفلسطينيين بالفعل بتأسيس صندوق للمخاطر والابتكار يوجه الاستثمارات لمنظمي الأعمال وأصحاب المشاريع في قطاعات فرعية محددة، ويقدم الدعم الفني لحاضنات ومسرّعات الأعمال.

كما ينظر أحد فرق البنك حاليا في طرح سندات للتأثير على التنمية في هذه البيئة: يمكن للمستثمرين الفلسطينيين شراء هذه السندات؛ وستتوقف توزيعات الأرباح على مدى تحقق أهداف إنمائية محددة، تمولها مجموعة من المانحين. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى حل مشكلتين اثنتين: أولا، ستتيح هذه السندات رأس المال العامل الذي لا توفره نُهُج التمويل الأخرى القائمة على النتائج حتى تحقيق النتائج المتوخاة؛ ثانيا، على المانحين فقط التركيز على تحقيق النتائج الإنمائية، مما يترك تصميم البرنامج وتكييف المدخلات للمستثمرين وفرق إدارة المشاريع. وسيصاحب الأنشطةَ المختارةَ تقديم دعم فني، وكذلك بناء المهارات اللازمة لمعالجة القيود التي يواجهها رواد الأعمال وأصحاب المشاريع.

وبالرغم من تجذر هذه المشكلات، ثمة إمكانات ضخمة أمامنا وأمام الشركاء للبحث بمزيد من العمق في هذه القطاعات والمنتجات لإيجاد حلول خاصة بهذه التحديات. ونحن متفائلون أن بمقدورنا تحقيق نتائج ملموسة.