جون أوثرز ومايكل ماكنزي ولورا نونان
بعد نحو ست سنوات على بداية السوق الصاعدة، وصلت الأسهم الآن إلى عنفوانها وحققت الأسبوع الماضي أرقاما قياسية جديدة في جميع أنحاء العالم. في الولايات المتحدة، سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفاعا جديدا لم يبلغه على الإطلاق، ما دفع بعوائده منذ أعماق الأزمة المالية العالمية إلى ما يقارب 250 في المائة. واستفادت الأسواق الأوروبية من ذلك التحرك، فارتفع مؤشر فاينانشيال تايمز لعموم الأسهم العالمية مسجلا رقما قياسيا. الأمر المثير للإعجاب إلى حد كبير هو بلوغ مؤشر فاينانشيال تايمز 100 في المملكة المتحدة رقما عاليا جديدا للمرة الأولى منذ عام 1999.
لكن التقابل مع حركة الاندفاع القوية في أواخر التسعينيات، عندما كان يتم استقبال كل علامة جديدة بقمصان احتفالية، لا يمكن أن يكون أكبر.
في وول ستريت أصبح من الشائع أن نسمي هذه السوق الصاعدة “الارتفاع الأكثر بغضا في التاريخ”. وفي الحي المالي في لندن، يقول المصرفيون الذين لديهم ذكريات طويلة، إن المزاج في غرف التداول لا يشبه بتاتا التفاؤل ونشوة الارتفاعات الماضية.
ويقول مصرفي أسهم كبير في الحي المالي: “إنها ليست سوقا مندفعة”، لافتا إلى أن إصدار أسهم جديدة من الشركات لا يزال بعيدا إلى حد كبير عن أعلى مستوياته.
الخبر الجيد في أسواق الأسهم عادة ما يعني وقتا جيدا للمصرفيين. لكن تألقه جاء في خضم موسم مكافآت آخر مخيبا للآمال بالنسبة للمصرفيين الاستثماريين، وهو ما عمل على تهدئة المزاج وعكس التغيرات الكبيرة التي أبقت المصارف الكبيرة بعيدة عن التمتع بمزايا سوق أسهم قوية.
لقد حددت القوانين التنظيمية لمرحلة ما بعد الأزمة الحد الأقصى للرسوم التي يمكن أن تفرضها المصارف مقابل تداول الأسهم. وتقلصت أرباحها بسبب القوانين التنظيمية التي تتطلب منها الاحتفاظ بمزيد من رأس المال في شكل منطقة عازلة ضد أزمة مالية أخرى. وأدت سنوات من التقشف ما بعد الأزمة، جنبا إلى جنب مع التغيرات الهيكلية لشركات التداول، إلى تحويل المشهد. ويقول نيك لوسون، العضو المنتدب في دويتشه بانك: “منذ عام 1999 إلى الآن كان هناك تغيير هائل”. ويضيف: “عندما حدث الارتفاع الأخير (…) كانت قاعات التداول لا تزال تطن بالشبان الذين يرتدون الجينز، العازمين على ترك بصماتهم في العالم والتقاعد في سن الأربعين”.
ويتذكر لوسون عندما كان في غرفة التداول في اليوم الذي سبق الارتفاع الذي بلغه مؤشر فاينانشيال تايمز 100 يوم 30 كانون الأول (ديسمبر) 1999. “كان الناس يدركون تماما ذلك”، مضيفا أن 20 شخصا كانوا يتداولون الأسهم في المملكة المتحدة لمصلحة دويتشه بانك في ذلك الحين.
اليوم، تم تخفيض عددهم إلى اثنين فقط “وغرف التداول أماكن أكثر واقعية”.
وبحسب ألان جونسون، المدير الإداري لشركة جونسون أسوشييتس، وهي مجموعة استشارات حول الأجور، كان مجموع مكافآت وول ستريت هذا العام نحو 5 في المائة أقل من عام 2014. وتقلص المكافآت قد يدفع كبار المصرفيين بشكل أكبر نحو تجربة حظهم في صناديق الأسهم، أو صناديق التحوط الخاصة. ويقول: “بعد مرور ست، أو سبع سنوات على الأزمة، لم تعد الأعمال إلى أوضاعها ‘الجيدة’، ناهيك عن نشوة عام 2007”.فريد بونزو، مؤسس جري سبارك بارتنرز، وهي شركة استشارية لأسواق رأس المال، يقول إن الصناعة المصرفية “تتم إدارتها إلى حد كبير الآن كأنها إحدى شركات المنافع”.ويضيف: “وبمجرد أن يكون الهيكل لديك في مكانه الصحيح لا تحتاج إلى إنفاق كبير على الأشخاص الذين يديرونه. ذاك هو التحول الكبير”. ويتابع: “لا يحصل الناس على مكافآت كبيرة لأنهم لا يقومون بعمل أي شيء يستحقون عليه تلك المكافأة. الآلة تتولى المهمة”.
كذلك تراجعت مكافآت المصرفيين في أوروبا بسبب تكيف المصارف مع قواعد جديدة تضع سقفا للمكافآت يبلغ ضعف مرتبات كبار المصرفيين. ويقول مدير إداري في إحدى الشركات: “من الصعب [إخبار الناس] بذلك، لكن إذا قمت بإنجاز عمل معقول في إدارة التوقعات، لكان الناس مستعدين إلى حد كبير”.
الأجور الكبيرة
لعل الأمر الأهم بالنسبة لمصرفيي الاستثمار هو وجود تحول أساسي في القدرة على الكسب، ابتداء من المصارف الكبرى، مثل HSBC وبنك جيه بي مورجان تشيس، إلى مديري الأصول الكبيرة، مثل بلاك روك. ومن المقرر لأجورهم أن تتفوق أجور مصرفيي الاستثمار في العام المقبل، وهي علامة مذهلة على كيفية تغير ميزان القوى في قطاع الخدمات المالية.
ووفقا لمؤسسة “المالية الجديدة” البحثية في لندن، فقد انخفض أجر كل موظف في المصارف الاستثمارية بنسبة تبلغ أكثر من الربع منذ ما قبل الأزمة المالية وبنسبة أكثر من 40 في المائة من حيث القيمة الحقيقية. وفي الوقت نفسه تعافى أجر مديري الأصول تماما بعد انتهاء الأزمة، بمعدل 263 ألف جنيه استرليني للشخص الواحد، وهو في طريقه لتجاوز أجر المصرفيين الاستثماريين البالغ 288 ألف جنيه استرليني.
ويقول متداول ائتمان سابق في بنك أمريكي كبير: “إنهم يتمتعون بالمذاق الطيب الآن”، حسب لغة وول ستريت، للإشارة إلى أن مديري الأصول الآن يهيمنون على الأعمال التجارية لشراء السندات.
لكن هيمنة مديري الأصول تخفي مشكلة كبيرة في القطاع: كان هذا اندفاعا صعبا على المستثمرين المحترفين أيضا. مديرو الصناديق الذين يتاجرون بنشاط في الأسهم تعرضوا لإحباط شديد من الطبيعة المنتظمة للاندفاع. وكلها مدعومة بسبب إجراءات الاحتياطي الفيدرالي، والعائد على الأسهم بالكاد اختلف. وفي الوقت نفسه، القطاعات الآن أقل ارتباطا بكثير مما كانت عليه – وبذلك لن تكون هناك أي مكافأة للمستثمرين الذين يشترون ويبيعون الأسهم في مجموعات محددة من خلال مسار دورة السوق.
ويقول نيكولاس كولاس، كبير استراتيجيي السوق في كونفيرجكس، وهي مزود الوساطة والخدمات: “لم ينجح هذا الأنموذج الكلاسيكي، وقد تخلفت الشركات المالية مثلا”. ويضيف: “ذلك جعل المديرين النشطين الذين يمثلون صوت السوق، محبطين للغاية”.
ووفقا لستاندرد آند بورز، التشتت – وهو مقياس لمقدار الاختلاف في تحركات الأسهم في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 – بلغ أدنى مستوياته التاريخية، البالغة 4.2 في المائة العام الماضي. وكان يصل إلى مستويات عالية بحدود 15 في المائة في السابق. وهذا يعني أنه أيضا لم تكن هناك أي مكاسب للناس الذين يحاولون تحديد الأسهم الرخيصة.
لقد كفلت الطبيعة الغريبة لهذا الاندفاع أن عددا قليلا جدا من الصناديق المدارة بنشاط تمكنت من التطابق مع هذا المعيار، ناهيك عن التغلب عليه. لقد لاحظ العملاء هذا، وبدأوا في سحب الأموال من الصناديق النشطة والانتقال إلى صناديق المؤشرات المنافسة – التي تتقاضى رسوما أقل، وبشكل عام توظف عددا أقل من الناس بأجور أقل إثارة.
هذه الظاهرة تمتد إلى صناديق التحوط، التي خلفت أيضا فشلا ذريعا خلال هذا الاندفاع، وغيرها من فئات الأصول البديلة، مثل شركات الأسهم الخاصة. بريكن، وهي شركة استشارية، وجدت أن المستثمرين في جميع فئات الأصول البديلة الكبرى كانوا يشعرون بالقلق إزاء الرسوم ويحاولون دفعها نحو الهبوط. وأثارت البنية التحتية، وهي فئة أصول شعبية في الوقت الحاضر لأنها توفر دخلا، ردود فعل قوية بشكل خاص من المستثمرين الذين زعموا أن مؤيديها كانوا يحاولون استخلاص رسوم تشبه العوائد على صناديق التحوط.
وتتعرض رسوم إدارة الأصول إلى ضغوط على جانبي المحيط الأطلسي. صناديق التقاعد الكبيرة على وجه الخصوص تطالب مديري الصناديق بتخفيض الرسوم قبل أن تعهد إليهم بالأعمال.
في الوقت نفسه تواجه الرسوم زيادة التدقيق التنظيمي. وقالت سلطة السلوك المالي في المملكة المتحدة الشهر الماضي إنها تدرس إجراء تحقيق في رسوم إدارة الأصول – وصفق كثير من منظمات الأعمال لهذه الأخبار. وفي الولايات المتحدة بدأ البيت الأبيض مسعى جديدا لتضييق الخناق على عمولات المستشارين الذين يبيعون البرامج التقاعدية.
المشكلة النهائية هي أن كثيرا من المستثمرين ببساطة لا يؤمنون باندفاع الأسعار في سوق الأسهم الذي تغذيه سياسات المال السهل من المصارف المركزية.
كينيث بولكاري، مدير تداولات شركة أونيل للأوراق المالية في بورصة نيويورك، يقول: ”ليس هناك انفصال بين ما تقوله السوق لنا، ومعدل ما يشعر به الشخص العادي حيال الاقتصاد. مع ارتفاع السوق لأعلى المستويات، فإن هذا يشير إلى أن الاقتصاد ينطلق بكامل قوته”.
ويضيف: “في عام 2000، كان الاقتصاد وسوق العمل في أماكن مختلفة وكان هناك شعور بالنشوة التي تعتبر مفقودة اليوم”.
ويقول كثيرون من الذين اشتروا الأسهم إنهم فعلوا ذلك فقط لأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى لم تعطهم أي خيار. والخوف الذي ينتشر على نطاق واسع يتعلق بكون السوق – والاقتصاد – لن يكونا قادرين على ضمان عودة أسعار الفائدة إلى الوضع الطبيعي.
ويقول كولاس إن الأزمة المشتركة بين عملائهم هي أن السوق الصاعدة تبدو مصطنعة بفضل سياسة البنك المركزي. ويقول كولاس: “هناك اعتقاد بأن ارتفاع الأسعار في السوق يتم تحريكه من قبل البنوك المركزية وليس عن طريق النمو العضوي وارتفاع الإيرادات”.
تعززت الأرباح القياسية في الشركات المسجلة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بسبب خفض التكاليف النشط، في حين لا يزال نمو الإيرادات ضعيفا. ودفعت عمليات إعادة شراء الأسهم النشطة أيضا إلى ارتفاع أسعار الأسهم، مع إصدار شركات مثل أبل سندات بعوائد منخفضة قياسية واستخدام العائدات لتمويل توزيعات الأرباح وإعادة الأموال إلى المساهمين. هذه الاستراتيجيات تعني استمرار انعدام الاستثمارات الرأسمالية، وتشير إلى أن العائدات القوية تستند إلى الهندسة المالية أكثر من أي شيء آخر.
وكان مصدر القلق الآخر هو الانخفاض في عائدات السندات، التي تعتبر الآن سلبية في عديد من البلدان الأوروبية. وهذا يعني أن التدفقات النقدية المستقبلية يتم خصمها بمعدلات أقل، إضافة إلى الشعور بالافتعال حول التقييمات، كما يقول كولاس.
المستثمرون الأفراد
المخاوف بشأن برامج التشغيل الأساسية لارتفاع السوق نفرت المستثمرين الأفراد، الذين فوتوا الآن مكاسب كبيرة. وربما يكون آخرون غير قادرين على الاستثمار لأنهم يركزون على إصلاح أوضاعهم المالية بعد الركود. ويقول بولكاري إن الانخفاض الشرس في الأسهم خلال الأزمة المالية أضر أيضا بجيل من المستثمرين، والآلام الناتجة عن ذلك سوف تستغرق وقتا طويلا قبل أن تتلاشى.
وإذا كان هناك سبب آخر لإعادة الحماس، فإنه سيأتي من الولايات المتحدة. فقد كانت في طليعة التقدم أمام أسواق الأسهم الرئيسة الأخرى في جميع العالم خلال هذا الاندفاع، لكن في الأسابيع القليلة الماضية نمت المخاوف من أن هذا لا يمكن أن يستمر. وهذا بشكل رئيسي بسبب الاحتياطي الفيدرالي، ولكن أيضا لأن البيانات الاقتصادية – بصرف النظر عن أرقام سوق العمل – كانت ضعيفة. وانهارت توقعات أرباح الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز.
ومن المفارقات، ربما يكون كل هذا التشاؤم بشرى سارة لسوق الأسهم. المسح الشهري لمديري صناديق الاستثمار العالمية في بانك أوف أميركا ميريل ليتنش يظهر أن صناديق الأسهم لديها أكثر من 4.5 في المائة نقدا – وهو رقم عمل في الماضي مثل إشارة معاكسة. عندما تحتفظ الصناديق بهذا النقد الكثير، فإن هذا يعتبر عموما علامة على أن الأسواق تتجه نحو الصعود.
ندرة المستثمرين الأفراد هي أيضا علامة على أن السوق لم تبلغ الذروة بعد. وهؤلاء عادة يحتاجون إلى أن يتم سحبهم قبل أن تبدأ السوق في الانخفاض.
أخيرا، يبدو أن أوروبا تأخذ الزمام من الولايات المتحدة. ويقول محللون إن الأرباح سوف ترتفع هذا العام، وإن السوق تفادت لتوها رصاصة من خلال الحل المؤقت للأزمة حول الديون اليونانية. وما يساعد على ذلك أيضا هو مشتريات السندات التي سيقوم بها البنك المركزي الأوروبي. ويقول كورس: “هذه سوق من الواضح أنها لم تنته حتى الآن من الارتفاع. ففي حين أن السوق الأمريكية كانت مرتفعة وتسحب الأسواق الأخرى خلفها في السنوات الأخيرة، يبدو الآن أن أوروبا هي التي تسحب الأسهم الأمريكية إلى الأعلى”.
بالتالي حتى لو كانت أمام الاندفاع مسافة أخرى سوف يقطعها، يبدو أنه لا مجال للعودة إلى النشوة على طريقة عام 1999. يقول رئيس الفرع البريطاني لأحد المصارف الاستثمارية: “كان الوضع مختلفا تماما في عام 1999. هناك الآن قوانين تنظيمية أقوى بكثير، وهناك حتى عدد أكبر من المنافسين، وهناك عدد أقل من الناس العاملين في المصارف، وهذا يعني أننا جميعا نقوم بمزيد من الأعمال”.
“الإطار التنظيمي الخانق يعني أن الناس الأذكياء لم يعودوا يذهبون إلى العمل في المصارف. لن أنصح أولادي بالدخول في هذا المجال”.