Site icon IMLebanon

مغانم ومخاطر عالمية: عصر الوقود في الميزان

OilWorld
مارتن وولف

عاش آباؤنا وأجدادنا في عصور نصفها بالحجري والبرونزي والحديدي. أما عصرنا فنسميه “عصر الوقود الأحفوري”. الطاقة التي استخرجناها من احتياطيات أشعة الشمس المتحجرة في الأرض، انتشرت بوفرة مُشتركة (بشكل غير متساو) في جميع أنحاء المعمورة. هل يستمر ذلك؟ هل يمكننا أن نتمكن من إدارة تأثيرها في بيئتنا؟ إن من شأن الإجابة عن السؤالين، تحديد مستقبل حضارتنا العالمية المعقدة.

كما هو الحال دائما، يقدم لنا تقرير “آفاق الطاقة” من شركة بريتيش بتروليوم لمحة عن المستقبل المحتمل. لا شك في أن توقعاتها ستكون خاطئة، ولكنها تخبرنا عما يراه الناس المطلعون في قلب صناعة النفط والغاز حول “المسار المحتمل لأسواق الطاقة العالمية حتى عام 2035”. التقرير يعرض خمسة مقترحات مهمة حول مستقبل معقول للطاقة:

أولا: من المتوقع للناتج الاقتصادي العالمي أن يرتفع بنسبة 115 في المائة بحلول عام 2035. الاقتصادات الناشئة الآسيوية – خصوصا الصين والهند – من المتوقع لها أن تولد أكثر من 60 في المائة من هذه الزيادة.

من المتوقع كذلك، للمحرك الرئيسي لارتفاع الناتج العالمي أن يقفز بنسبة 75 في المائة في متوسط الإنتاج العالمي الحقيقي للفرد الواحد، في الوقت الذي يلحق فيه ازدهار الاقتصادات الناشئة بالبلدان ذات الدخل المرتفع. النمو السكاني يلعب دورا فرعيا مميزا. لا يتعلق الأمر بعدد السكان، بل يتعلق بازدهارهم، الذي يدفع الطلب على الطاقة التجارية.

ثانياً: نتيجة للارتفاع السريع في كفاءة الطاقة، من المتوقع لاستهلاك الطاقة أن ينمو بنسبة 37 في المائة فحسب، وهذا أقل بكثير من الارتفاع في إنتاج السلع والخدمات الحقيقية.

ثالثاً: من المتوقع لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون أن تنمو بنسبة 25 في المائة، وهو ما يعادل معدل نمو بنحو 1 في المائة سنويا. من حيث الصلة بين الناتج والانبعاثات، يعد هذا إنجازا كبيرا.

غير أنه – نظرا للحاجة إلى خفض الانبعاثات بصورة صريحة ومباشرة، من أجل أن تكون هناك فرصة جيدة للحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى أقل من 2C – يعتبر هذا غير كاف بالمرة.

بالتالي، من المتوقع لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في عام 2035 أن تزيد بمقدار 18 مليار طن فوق مستويات مقترحة من قبل وكالة الطاقة الدولية “سيناريو 450”.

هذا السيناريو يسعى إلى الحد من تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي إلى ما يعادل نحو 450 جزءا في المليون من ثاني أكسيد الكربون. إذا ما تم تحقيق هذه الأهداف، لا بد من حدوث أمور أكثر راديكالية بكثير.

رابعاً: التحسينات في كفاءة استخدام الطاقة محرك مهم بكثير للنمو المنخفض نسبيا ضمن الانبعاثات من التحولات في مزيج الوقود. وهذا على الرغم من الارتفاع الكبير في استخدام مصادر الطاقة المتجددة.

لذلك، بين عامي 2013 و2035، من المتوقع لإنتاج الطاقة المتجددة أن ينمو بنسبة 320 في المائة. وحتى مع ذلك، من المتوقع لحصتها في إنتاج الطاقة الأولية أن تنمو فقط من 2.6 في المائة إلى 6.7 في المائة.

الحصة المجتمعة من مصادر الطاقة المتجددة والكهرومائية والنووية ستنمو من 9 في المائة إلى 19 في المائة، فحسب من إجمالي الطاقة العالمية. معنى ذلك أن من المتوقع لعصرنا أن يظل عصر الوقود الأحفوري.

خامساً: من المتوقع للثورة في إنتاج الغاز الصخري والنفط الصخري أن تستمر، مع ارتفاع حصتها في إنتاج الطاقة الأولية إلى نحو 10 في المائة. النتيجة المهمة لذلك هي تحولات كبيرة في أنماط التجارة.

لذلك من المتوقع للولايات المتحدة أن تتحول من كونها مستوردا صافيا لـ 12 مليون برميل يوميا من النفط في عام 2005 إلى مصدّر صافٍ بحلول عام 2035.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تتحول الصين إلى مستورد صافٍ لأكثر من 13 مليون برميل يوميا بحلول عام 2035 (من الاكتفاء الذاتي في بداية العقد الأول من القرن الحالي)؛ والهند إلى مستورد صافٍ لنحو سبعة ملايين برميل يوميا. هذه التحولات ستكون لها آثار جيوسياسية ضخمة.

سيكون من الخطأ وصف هذه التوقعات بأنها مجرد “بقاء الأمور على حالها”، فهي تنطوي في الواقع على ارتفاع أسرع في كفاءة استخدام الطاقة بين عامي 2000

و2013، لكنه ليس جذريّاً. قد يستمر العالم في الاعتماد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، وقد تنبعث منه غازات مسببة للاحتباس الحراري بكميات أكبر من أي وقت مضى. هل يمكننا أن نفعل ما هو أفضل من ذلك؟

أبدأ من افتراض أن البشرية سوف تطمح لذلك وغالبا ما تتمكن من تحقيق الازدهار المسلَّم به الآن في البلدان الغنية. لذلك نحن بحاجة إلى ثورة تكنولوجية متسارعة.

في منتدى الطاقة “أوسلو” الشهر الماضي، سمعت أَموري لوفينز من معهد روكي ماونتن يتحدث عن ثورة من هذا القبيل.

وجادل، على سبيل المثال، بأن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2050 يمكن أن يكون 2.5 مرة ضعف ما هو عليه اليوم، حتى لو توقفت البلاد عن استخدام النفط والفحم والطاقة النووية كلياً وخفضت من استخدامها للغاز الطبيعي بنسبة الثلث. هذا يعني انبعاثات كربون تبلغ خُمس مستواها الحالي، فقط. وعلاوة على ذلك، جادل بأنه يمكن لهذه الثورة أيضا أن تكون مدفوعة من قبل قوى السوق وحدها، نظرا للتفوق الاقتصادي المتنامي للتكنولوجيات الجديدة. وقد تكون هناك، كما قال، حاجة إلى اتخاذ إجراءات سياسية مباشرة ضد ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

معنى تقرير “بريتيش بتروليوم” (وهو أمر ليس بالمستغرب، ربما بالنظر إلى أن الشركة منتجة الوقود الأحفوري) هو أن هذه الثورة الجذرية والسريعة التي تحركها السوق، ليست مرجحة.

العقبات المزعومة كثيرة: التكاليف، والحدود التكنولوجية، والتداول البطيء لحجم حقوق الملكية، وعدم القدرة على تنفيذ السياسات على الصعيد العالمي، والخمول الطبيعي. باختصار، أخشى من أن تكون “بريتيش بتروليوم” محقة حول العقبات، لكن لوفينز قد يكون على حق حول الفرص، على الرغم من أنها قد تتوافر فقط، إذا منحها صناع السياسة دفعة كبيرة.

إذا كان من الممكن للحكومات أن توافق على تنفيذ ضريبة على الكربون، فإنها ستعطي دفعة كبيرة نحو مستقبل طاقة أكثر كفاءة وأقل تلويثا للبيئة. وينبغي للحكومات أن تستثمر بقوة في العلوم الأساسية والتكنولوجيات الجديدة.

وأخيرا، يمكن للحكومات أن تساعد على انتشار التكنولوجيات الجديدة في الخارج، والمساعدة في تمويل استخدامها في الداخل. من خلال هذه الجهود، يجب على قوى السوق العادية سحب الاقتصاد العالمي نحو مستقبل أكثر استدامة.

الفقر الجماعي ليس خيارا. وليس كذلك أيضا اتخاذ المراهنات الكبيرة على المناخ. المسار الصحيح يجب أن يكون بين هذا وذلك. لنضع أنفسنا على ذلك المسار، نحن بحاجة إلى فطم أنفسنا عن تجاوزات عصر الوقود الأحفوري. إنه تحدٍ شاق وعسير، ولكن لا بد من الوفاء به، من أجل أطفالنا.