Site icon IMLebanon

فرنسوا باسيل: حياء في الاقتصاد وتراجع في التدفقات المالية واستقرار في تحويلات اللبنانيين


عقد رئيس جمعية المصارف الدكتور فرنسوا باسيل مؤتمرا صحافيا في مقر الجمعية في الصيفي ظهر اليوم، شارك فيه نائب الرئيس سعد الازهري والامين العام للجمعية الدكتور مكرم صادر في حضور الوزير السابق مروان خير الدين ومسؤولين في الجمعية.

وعرض باسيل موقف الجميعة من القضايا الوطنية والاقتصادية شارحا أن اللقاء هو دوري مع الصحافة الإقتصادية في نهاية كل فصل، لعرض “تطور أهم المؤشرات المالية والإقتصادية، وموقف الجمعية من أبرز القضايا والشؤون الوطنية والإقتصادية والمهنية المطروحة في البلاد”.

وقال: “معلوم أن لبنان يمر حاليا في فترة حرجة ودقيقة لعلها الأسوأ والأخطر في تاريخه الحديث، إذ تتعطل المؤسسات الدستورية مع فراغ في الرئاسة الأولى وشلل في عمل الحكومة والمجلس النيابي. ونحمد الله أن الجيش والقوى الأمنية تؤدي مهماتها بما يحفظ الأمن على الحدود وفي الداخل. وإن الحد الأدنى من التفاهم ومن لقاءات الحوار بين المكونات الطائفية يحصنان البلاد والعباد من الانفلات والفوضى التي تضرب معظم الدول في جوارنا. أما الاقتصاد فيسجل “حياء”. معدل نمو بحدود الـ 1,5%، يقابله استقرار في بنية الأسعار على صعيد السلع والخدمات، والأجور، ومعدلات الصرف والفوائد. ويعود هذا الاستقرار، من جهة، إلى السياسة النقدية التي يتبعها المصرف المركزي منذ عقدين ونيف، ومن جهة ثانية، الى ركود النشاط الاقتصادي بوجه عام خلال السنة الحالية والسنوات القليلة الماضية. وتترافق الأوضاع الأمنية والاقتصادية الموصوفة أعلاه مع اختلالات متكررة في المدفوعات الخارجية التي سجلت موازينها عجزا فاق في أربع سنوات الـ 6 مليارات دولار لفترة 2011 – 2014. علما أن الحسابات الأساسية التي تعود بمعظمها الى حركة السلع والخدمات مع الخارج لم تشهد تغيرا جوهريا، وكذلك ظلت تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج متماسكة الى حد كبير وبحدود 7,5 مليار دولار أميركي استنادا الى معطيات البنك الدولي، فيما تراجعت التدفقات المالية وبخاصة الإستثمارات الأجنبية المباشرة التي انخفضت من 3,7 الى 2,8 مليار دولار بين عامي 2012 و2013، ومن المرجح أن يكون هذا المنحى قد تواصل عام 2014 رغم عدم توافر معطيات نهائية في هذا الصدد”.

أضاف: “تنعكس المعطيات المتمثلة بالنمو الاقتصادي وعجز المدفوعات الخارجية تباطؤا في نمو الودائع لدى القطاع المصرفي بحيث تراجع معدل نمو إجمالي الودائع من 9% عام 2013 مقارنة مع العام 2012 إلى معدل 6% عام 2014 مقارنة مع عام 2013. لكن ازدياد الودائع بما مقداره 8,5 مليارات دولار بقي كافيا لتغطية الاحتياجات التمويلية للإقتصاد الوطني بقطاعيه العام والخاص، والتي زادت في مجملها بما يقارب 3,5 مليارات دولار خلال العام 2014.
ولدى إضافة ما يزيد عن 1,5 مليار دولار عام 2014 إلى الرساميل والأموال الخاصة، تكون الأخيرة قد قاربت 16 مليار دولار، علما أنها ذات أهمية كبرى لجهة تعزيز ثقة المودع المحلي والأجنبي بالقطاع المصرفي اللبناني. إن هذه الإضافة إلى موارد المصارف، أي إلى ودائعها، تتصف بكونها موارد طويلة الأجل يمكن استعمالها في عمليات الإقراض المتوسط والطويل، كما أنها تقوي المراكز المالية للمصارف بحيث وصل معدل الملاءة في القطاع الى 10% حسب معايير بازل 3.
وفي ما يتعلق بإقراض القطاع الخاص، أود أن أشير إلى أن إدارات المصارف تتعامل مع الزبائن المدينين، أفرادا وشركات، آخذة في الاعتبار الظروف الصعبة وغير الاعتيادية التي يعيشها بلدنا. بمعنى آخر، إذا تعثر مقترض بسبب الأزمة، فإننا نتساهل حتى يكون قد عدل وضعه أو تأقلم. طبعا، هذه سياسة نتبعها مع حسني النية دون سواهم”.

وتابع: “عليه، فإن إجمالي قروضنا للقطاع الخاص، المقيم وغير المقيم، من دون احتساب قروض مصارف الأعمال والاستثمار، قاربت 51 مليار دولار في نهاية العام 2014، أي بزيادة قدرها 3,5 مليارات دولار ونسبتها 7,42%. ومع تراجع الاستثمارات الخاصة المحلية الوافدة، يصبح التسليف المصرفي السبب الأول والأهم للنمو الاقتصادي في لبنان.
وعلى سبيل الذكر، زادت القروض الشخصية الممنوحة من المصارف في العام المنصرم بنسبة 11,6%، وهي تشمل بخاصة القروض التعليمية (+15,2%) والقروض السكنية (+4‚14%). وقد أمن القطاع المصرفي من خلال آليات الإقراض السكني مسكنا لحوالى 107 آلاف أسرة لبنانية في مختلف المناطق، ما رفع حجم محفظة القروض السكنية الى نحو 10 مليارات دولار في نهاية العام 2014. وهي بمعظمها لصالح ذوي الدخل المحدود وبفوائد متدنية ومدعومة، علما أننا أضفنا الى هذه المحفظة خلال العام المنصرم وحده 19800 قرض سكني جديد، كدليل إضافي على أن الإستقرار الإجتماعي هو من أولويات المصارف اللبنانية.
وتظهر الإحصاءات أن إجمالي التسليفات المدعومة الفوائد، الموافق عليها في فترة 1997- نهاية حزيران 2014 وصل الى 8773 مليار ليرة (ما يعادل 5,8 مليارات دولار). وكانت التسليفات ازدادت بنسبة 10,0% في العام 2013 و15,8% في العام 2012. وقد شكلت حصة الصناعة من إجمالي هذه التسليفات 59% مقابل 30% للسياحة و11% للزراعة.
وفي السياق ذاته، وصل مجموع القروض الممنوحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بضمانة شركة “كفالات” الى ما يوازي 110 ملايين دولار في العام 2014 استفادت منها 838 مؤسسة”.

ولفت الى ان “زيادة التسليفات المصرفية لم ترافق مع تدهور نوعية محفظة الإقراض للقطاع الخاص، إذ بقيت نسبة الديون المشكوك بتحصيلها إلى إجمالي المحفظة في مستوى متدن هو 3,6%، علما أن نسبة المؤونات إلى الديون المشكوك بتحصيلها تخطت 75%”.

نتائج 2014
وتوقف عند نتائج العام 2014 “الأولية”، لافتا الى أنها أولية لأنها “ما زالت غير مدققة وغير موافق عليها من قبل السلطات الرقابية”. وقال: “النتائج الأولية تظهر معدل ربحية على متوسط الأموال الخاصة أدنى من 12% وبحدود 0,97% على متوسط الموجودات. وتعتبر هذه المعدلات متراجعة قياسا على كامل السنوات الأربع الماضية حيث تدرجت على التوالي من 18,8% و1,29% عام 2010 إلى 15,4% و1,12% عام 2011 وإلى 13,2% و1,04% عام 2012 إلى 12,2% و1,01% لعام 2013. ويعود تراجع الربحية في السنوات الأربع الماضية، من جهة أولى، إلى استمرار السيولة المصرفية عند مستوى عال جدا (بحدود 60%) فرضته التطورات المحيطة بعملنا داخليا وإقليميا، ومن جهة ثانية، إلى انخفاض الفوائد على محافظ سندات الخزينة الحكومية وبقاء الفوائد الدائنة على الودائع مرتفعة؛ وكل ذلك من ضرورات الحفاظ على الاستقرار النقدي. كما يعود تراجع الربحية أخيرا إلى تقلص الهوامش بين الفوائد الدائنة والمدينة على امتداد العام 2014. مع الأسف، ينظر بعض الإعلام والرأي العام إلى الأرقام المطلقة لأرباح المصارف دون تنسيبها إلى حجم رساميلها التي قاربت حاليا 16 مليار دولار، ودون مقارنتها مع المردود المجني في القطاعات والأنشطة الأخرى”.

وأشار الى أن “جمعية المصارف تعاونت مع معالي وزير المالية بالتنسيق مع مصرف لبنان لإنجاح الإصدار الأخير بالعملات الأجنبية بمقدار 2200 مليون دولار وبمتوسط سعر فائدة لا يتجاوز 6,45%، وهو أدنى من المعدلات السائدة للآجال ذاتها بالليرة اللبنانية”. وقال: “هذا المتوسط يوازي كلفة إجمالي محفظة اليوروبوندز البالغ 6,41%، مع فارق أن الأخير هو لمتوسط فترات استحقاق قدره خمس سنوات وثلاثة أشهر (مقارنة مع 10 سنوات و15 سنة للإصدار الجديد). كما أن كلفة الإصدار الأخير هي أدنى بكثير من المعدلات التي تدفعها الدول ذات التصنيف المماثل أي B-، هذا إذا قبلت الأسواق المالية العالمية إقراضها. ويعود الفضل في ذلك إلى إدارات المصارف في لبنان التي تلبي حاجة الدولة إلى التمويل بالعملات الأجنبية، فتجعلها قادرة على الوفاء بالتزاماتها وقادرة على تغطية نفقاتها بالعملات الأجنبية في ظل استمرار العجز في المدفوعات الخارجية للعام الرابع على التوالي”.

وتابع باسيل: “تثبت هذه المعطيات أن القطاع المصرفي اللبناني استطاع أن يبرهن مرة أخرى عن مناعة كبيرة في وجه التحديات الداخلية والخارجية، وعن قدرة واضحة وأكيدة على التكيف مع أصعب الظروف السياسية والأمنية والإقتصادية وأكثرها تعقيدا. فالنتائج التي حققها قطاعنا، وإن لم تكن على مستوى تطلعات القيمين عليه، تبقى مقبولة وجيدة في ظل الأحداث التي شهدتها البلاد، من اضطرابات أمنية متنقلة ومن فراغ في سدة الرئاسة الأولى وتعثر كبير في عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية. يضاف الى ذلك تلبد الأجواء الإقليمية المنعكسة سلبا على مختلف مجالات الإستثمار في لبنان، بما فيه الإستثمار المالي.
فالقطاع المصرفي، المؤلف من 70 مصرفا في نهاية العام 2014 يساهم بحوالى 6% في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، وهو يستخدم حوالى 24 ألف موظف، بينهم 46% من الإناث و73% من حملة الشهادات الجامعية. كما أنه يقدم منحا تعليمية لزهاء 17 ألف طالب من أولاد الموظفين العاملين فيه.
على صعيد آخر، تساهم المصارف بموجب البروتوكول الموقع بينها وبين وزارة المالية في تسهيل جباية الرسوم والضرائب على المكلفين لصالح الوزارة، ما يساعد على دخول الأموال المتوجبة بسرعة وفعالية إلى حسابات الخزينة. كما يساعد هذا الأمر المواطن المكلف في تسهيل إجراءاته مع الوزارة وتوفير جزء من الوقت والمعاناة”.

وإذ أكد أن “القطاع المصرفي هو الركيزة الأساسية للاستقرار الإقتصادي والمالي والإجتماعي في البلاد، وهو أيضا دعامة دائمة للاستقرار الأمني الذي يضمنه ويظلله الجيش اللبناني وسائر المؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية”، ذكر بأن المصارف اتخذت مبادرات عدة “لتعزيز دور الدولة” وكان آخرها “تقديم هبة مالية بقيمة 6 ملايين دولار أميركي في حزيران 2014 لبرنامج إعادة تأهيل السجون، الأمر الذي ساعد وزارة الداخلية على تنفيذ الخطة الأمنية الأخيرة في سجن رومية”.

وختم بالإشارة الى أن “المعطيات التي قدمها، تدل في جوهرها على أن الإقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي يعملان بأقل من طاقتهما الحقيقية، وأنهما يختزنان إمكانات نمو كامنة تفوق بكثير معدلات النمو الفعلية المسجلة في كليهما، وذلك لاعتبارات وأسباب ذات صلة بالأوضاع السياسية والأمنية العامة، محليا وإقليميا”.

ودعا الى “ملء الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية في أقرب وقت، حرصا على انتظام وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية كافة، وعلى تنشيط حركة الاقتصاد وتعزيز نمو مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية”.