نقلت صحيفة “الديار” عن أوساط متابعة أن ما يجري في منطقة الشمال ينذر بعواقب وخيمة ما لم تتحمل جميع القوى السياسية مسؤولياتها على صعيد التعاطي بمسؤولية مع الخطر التكفيري الذي لا يزال ناشطا عبر خلاياه الإرهابية في أكثر من منطقة لبنانية بفعل البيئة الحاضنة والمتفاعلة مع النهج التكفيري المتنامي في المحيط والجوار، خصوصا ان هناك مخاوف أمنية مبنية على تقارير أمنية ميدانية تحذر من الإرهاب التكفيري الذي لا يزال يهدد امن واستقرار منطقة الشمال سيما أن مشروع إقامة الإمارة الإرهابية في شمال لبنان وأن أصيب بنكسات كبيرة بفعل الضربات الإستباقية الفاعلة التي وجهها الجيش اللبناني إلى هذا المشروع الذي يتحين أصحابه الفرصة المؤاتية والوقت المناسب لإعادة إحيائه وتنفيذه على أرض لبنان.
ولفتت الأوساط الى أن الخطر الداهم شمالا يمكن قراءة معالمه بوضوح من خلال الجريمة النكراء التي أدت إلى اغتيال بدر عيد شقيق شقيق زعيم الحزب الديموقراطي “العلوي” في لبنان علي عيد، في بلدة الكويخات في منطقة عكار في الشمال بعد تنفيذ الخطة الامنية التي انهت جولات القتال العنيفة والدموية في مدينة طرابلس بين محاور جبل محسن وباب التبانة، خصوصا أن جريمة الكويخات كما جريمة التفجيرين اللذين وقعا في جبل محسن في بداية العام قد أتيا ضمن خلفيات وأبعاد مذهبية صرفة. ما يعني بأن مخطط أشعال فتيل الفتنة المذهبية في عاصمة الشمال لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل تنفيذ الخطة الأمنية لا يزال قائما، سيما أن ما يجري على أرض الواقع يهدف بشكل واضح إلى إعادة التوتر السني – العلوي بين منطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية وبين منطقة باب التبانة ذات الغالبية السنية، وما جرى على صعيد تنفيذ جريمة اغتيال بدر عيد في هذه المرحلة يخفي وراءه رسائل واضحة من قبل القوى الإقليمية المحركة والحاضنة والداعمة لقوى التطرف والتكفير في لبنان ومحيطه مفادها ابقاء مدينة طرابلس رهينة التطورات الإقليمية التي تشهد احتداما غير مسبوق على أكثر من ساحة عربية وإقليمية خصوصا على خط المواجهة بين المحور السعودي والمحور الإيراني في المنطقة.
الأوساط أشارت بحسب “السفير” الى أنه فيما أعداء لبنان يتربصون بأمنه واستقراره وسلمه الأهلي شرا من خلال السعي بكل الوسائل إلى جر لبنان نحو براثن الفوضى والفتنة المذهبية التي تضعف مناعته وتجعله لقمة سائغة للتنظيمات الإرهابية وسلوكياتها الإرهابية التكفيرية المروعة والمقوضة لفلسفة قيام لبنان ورسالته الإنسانية والحضارية، لا تزال الحوارات المحلية الداخلية على اطلاقها تراوح مكانها من دون احراز أي تقدم على صعيد تقريب وجهات النظر التي لا تزال متباعدة جداً حول كافة القضايا الأساسية. مضيفة بأن ما تمخض عن فحوى هذه الحوارات حتى هذه اللحظة وان كان قد خفف بشكل آني ومحدود بعض التوترات والعصبيات المذهبية المحتقنة في بعض المناطق، إلا أن ما تحقق حتى الآن لا يزال هزيلا جدا ولا يرتقي إلى مستوى ما يتهدد لبنان من أهوال كبيرة ومخاطر داهمة.
وبالتالي فإن ما تحقق في هذه الحوارات بعد كل الجلسات واللقاءات التي عقدت لا يبشر أبدا بالخير على صعيد قرب إيجاد المخارج والحلول السياسية لا بل يؤشر بأن البلاد ذاهبة نحو المزيد من التعقيدات في ظل ارتباطات معظم القوى المحلية لا سيما القوى الأساسية التي تتحاور فيما بينها برهانات وحسابات تتجاوز الحدود اللبنانية لتصل إلى تعقيدات الأوضاع الخطيرة في المنطقة وصراعاتها الدامية لا سيما على صعيد ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا والبحرين وغيرها من الساحات الملتهبة.
وأضافت المصادر بأن الأوضاع المتردية في لبنان ومحيطه لا تحتمل ارجاء وتأجيل جلسات الحوار لملفين أساسيين، الأول يتعلق بضرورة التوصل إلى اقرار استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة ومواجهة الإرهاب التكفيري بكل أشكاله وأنواعه سواء في الداخل اللبناني أو على الحدود، وبطبيعة الحال أن اقرار مثل هذه الإستراتيجية لا بد أن تكون مربوطة ببرنامج وطني واضح يؤدي إلى الإسراع بتسليح وتجهيز الجيش اللبناني بشتى العتاد والسلاح الإستراتيجي الحديث والمتطور وذلك على قاعدة أساسية وهي أن تكون آلية تسليح الجيش مفتوحة وغير مقيدة بأي فيتو يمنع قبول أو شراء السلاح من أي جهة دولية أو إقليمية صديقة مستعدة وحاضرة دون قيود أو شروط لتزويد الجيش اللبناني بشتى أنواع السلاح التي يحتاجها في حربه على الإرهاب. وتتابع بأن الملف الثاني المطلوب من الحوار هو إيجاد الحل السريع بشأن الملف الرئاسي الذي يجب انجازه بأسرع وقت ممكن على قاعدة وحيدة ثابتة وهي وصول رئيس مسيحي جديد للجمهورية بعيدا عن أي ذريعة أو حجة تحول دون عودة الإعتبار إلى الحضور والدورالمسيحي الفاعل في الحياة السياسية اللبنانية انطلاقا من نقطة ملء الفراغ الرئاسي بانتخاب رئيس قوي بتمثيل المسيحي والوطني على حد سواء، وذلك على غرار الرئاسة الثانية والثالثة التي يشغلها رؤساء مسلمون يتمتعون بالتمثيل والتأييد الشعبي الواسع في طوائفهم بالإضافة إلى حضورهم الوطني الفاعل ضمن تركيبة موازين القوى السياسية في لبنان.
ولفتت المصادر الى أن منع أو عجز الحوارات الداخلية في بت الإستحقاق الرئاسي يعني بكل صراحة ووضوح ان المشاورات والإتصالات المحلية الجارية حول هذا الإستحقاق قد وصلت إلى حائط مسدود، وبأن الإستحقاق الرئاسي قد أصبح مرتبطاً عضويا بمسار الصراع الإقليمي والدولي بكل تأزمه وتعقيداته في سوريا وفي الساحات العربية والإقليمية الأخرى، خصوصا أن الدوائر الديبلوماسية في بيروت تتحدث في كواليس محادثاتها مع القيادات اللبنانية بأن المظلة الإقليمية الدولية التي كانت تحيّد الساحة اللبنانية عن براكين المنطقة الملتهبة تكاد تسقط وهذا ما يعني بأن الأيام القادمة ستحمل المزيد من التحديات والمخاطر التي تهدد أمن واستقرار لبنان وهذا ما يتطلب من القوى اللبنانية بحسب النصائح الديبلوماسية التمسك بالحوارات الجارية ليس من أجل انجاز اي ملف من الملفات العالقة بل الحوار فقط من أجل الحفاظ على استمرار الحكومة السلامية ولتخفيف بقدر الإمكان ما يمكن تخفيفه عن لبنان وشعبه من أضرار ومأساة ومعاناة جارية من حوله وفي محيطه القريب والبعيد.