Site icon IMLebanon

أرستقراطية الشركات تصمد أمام ثورة المالية العامة

CorporateTax

جون بلندر

في فرنسا ما قبل الثورة كان الأرستقراطيون يتمتعون بالإعفاء من الضريبة المباشرة. بحسب الاتجاهات الحالية، شركات النخبة في العالم ربما تجد نفسها قريباً وهي تحصل على الامتياز نفسه. في البلدان المتقدّمة الأكبر، قاعدة ضريبة الشركات تتآكل جزئياً، لأن فرص التجنّب التي ألقتها العولمة تسمح للشركات العالمية بتخصيص الأرباح لمناطق الاختصاص ذات الضرائب المنخفضة. لا يوجد مكان فيه هذا الأمر صحيح أكثر من الولايات المتحدة، حيث يسعى الرئيس باراك أوباما لفرض ضريبة على ما يزيد على تريليوني دولار من الأرباح المحتجزة، التي تحتفظ بها الشركات الأمريكية في الخارج، التي لا يمكن إعادتها إلى أمريكا بدون تكبّد غرامة ضريبية.

في أوائل الخمسينيات وصلت حصة ضريبة دخل الشركات في الولايات المتحدة إلى 5.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. بعد ذلك، سلسلة من التفكير الاقتصادي المعروف باسم “نظرية الخيار العام” جادلت بأن الدولة الجشعة كانت تستغل سلطتها في تحصيل الضرائب لتحقيق أقصى قدر من الإيرادات لخدمة المصالح الذاتية للسياسيين والبيروقراطيين.

وبحلول عام 2013 انخفضت حصة ضرائب الشركات إلى 1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من ارتفاع معدل الضريبة الرئيسي، إلا أن العدد الكبير من الإعفاءات الضريبة الناتج عن ضغط الشركات، جنباً إلى جنب مع برامج التهرّب في الخارج، أديا إلى أن تُغبَن الدولة التي يُفترض أنها جشعة.

في الاتحاد الأوروبي، التراجع كان أقل وضوحاً. انخفضت إيرادات ضريبة دخل الشركات من أكثر من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2000 إلى نحو 2.5 في المائة عام 2012، وكان الانخفاض في المملكة المتحدة أكثر حدّة مما هو في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. لكن الضغط من المنافسة الضريبية الدولية واضح في الانخفاض في متوسط معدل الضريبة الأعلى على دخل الشركات في الاتحاد الأوروبي؛ من 35 في المائة عام 1995 إلى 22.9 في المائة عام 2014.

من الواضح أن هذا ليس مفيداً عندما تكون ديون القطاع العام في كثير من بلدان العالم المُتقدّم قد ارتفعت منذ الأزمة المالية إلى مستويات غير قابلة للاستمرار. الشركات الأصغر، التي تبتكر وتستحدث فرص العمل، تحمل حصة غير عادلة من عبء الضرائب لأنها أقل عالمية، وربما تفتقر إلى قوة التسعير لتحميل تكلفة ضرائب الشركات على زبائنها.

هناك ميزة غير معروفة إلى حد ما لمثل هذا التجنّب الضريبي، وهي أنها تتزامن مع احتفاظ الشركات بالنقود وتسهم في زيادتها. إضافة إلى الولايات المتحدة، بما لديها من أكوام من المال في الخارج، قطاعات الشركات في اليابان والصين وكوريا الجنوبية تدخر أكثر مما تستثمر، الأمر الذي يُسهم في تخمة مدّخرات عالمية.

لقد كان قطاع الشركات تقليدياً بمثابة مُقترض صاف من قطاع الأُسر. لكن في كثير من الاقتصادات الكبيرة يُعتبر الآن بمثابة مُقرض صاف للحكومات. ويُجادل تشارلز دوماس، من لومبارد ستريت للأبحاث، بأنه في عالم يعاني نقص الطلب، فإن الخطر هو أن الأُسر ستُحرَم من فرص الاستهلاك، الأمر الذي يُسبب عائقاً كبيراً أمام تحقيق نمو أقوى. وهذا ليس مسألة حوافز ضريبية بشكل حصري. في اليابان ربما كانت غريزة احتفاظ الشركات بالنقود علامة على توقعات انكماشية. بالتأكيد حوكمة الشركات كانت عاملاً، لأن هناك قليلا من المُساءلة من قِبل المساهمين وبالتالي قليل من الضغط لتوزيع الأرباح.

كذلك الأمر مع المجموعات الكبيرة المملوكة للعائلات في كوريا الجنوبية التي لا يحب مديروها المالكون دفع أرباح الأسهم إلى مساهمين من الخارج. في الصين، في الوقت نفسه، كانت بكين تاريخياً تعمل على تثبيط الشركات المملوكة للدولة عن توزيع النقود. وبشكل عام أكثر، تم تخفيف المشاعر النشطة والرغبة في الاستثمار منذ الأزمة المالية.

في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية، الحوكمة هي أيضاً بمثابة مشكلة منذ أن قامت هياكل الحوافز في مجالس الإدارات على نحو متزايد بإحباط الاستثمار. وأظهرت مسوحات أكاديمية شملت كبار المسؤولين الماليين في الولايات المتحدة، أن الشركات العامة المدرجة في البورصة كثيراً ما تتخلى عن فرص الاستثمار المُربحة من أجل زيادة الأرباح على المدى القصير. الاستثمار القليل يؤدي إلى ادخار أعلى من الشركات على شكل أرباح مستبقاة.

جميع الحكومات ترغب في تضييق الخناق على التهرّب الضريبي. لكن حتى الولايات المتحدة القوية كانت ناجحة في معالجة المتهربين الأفراد من الضرائب بهجومها، مثلا، على السرية المصرفية السويسرية، أكثر من معالجة أمر الشركات التي تتهرب من الضرائب. وفي حين إن الإصلاح الضريبي متوقع، مع حماسة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا أن توسيع القاعدة الضريبية سيكون أمرا صعبا.

لإحداث انتعاش اقتصادي أكثر قوة، فإن نقل الدخل من الشركات إلى الأُسر بهدف تشجيع مزيد من الاستهلاك سيكون منطقياً في كثير من البلدان. لكن بعض البلدان الأكبر التي تحتفظ بالنقود تفعل العكس. مثلا، تعمل اليابان على تحويل الدخل إلى قطاع الشركات من خلال تخفيض قيمة العملة والارتفاع الأخير في الضريبة الاستهلاكية. والصين تعيد التوازن إلى اقتصادها ونقله من الاستثمار المُفرط نحو الاستهلاك، لكن بالحركة البطيئة. وحدها كوريا الجنوبية أدخلت غرامة ضريبية على الذين يحتفظون بالنقود.

لا بد أن تكون النتيجة التي نخلص إليها هي أن أرستقراطية الشركات العالمية ستعمل على الترويج لتخفيض الاستثمار في مختلف أنحاء العالم لفترة زمنية لا بأس بها – دون أن تضطر إلى الخوف من المعادل المالي للمقصلة.