Site icon IMLebanon

بيل غيتس: دول الخليج في الصدارة لتحسين حياة الشعوب الفقيرة


بيل غيتس
أصدرت أنا وزوجتي ميليندا، مؤخرا، رسالتنا السنوية لعام 2015، والتي ركزنا فيها على ما سميناه «التوقعات الكبيرة للمستقبل»؛ فنحن نتوقع أن حياة الأفراد في الدول الفقيرة ستتحسن بوتيرة متسارعة وغير مسبوقة، خلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة.
وقد ارتكزنا في توقّعنا هذا على إيماننا الراسخ بأننا سنرى عمّا قريب تقدمات هائلة في بعض المجالات المهمة، من ضمنها مجال الرعاية الصحية. وعلى وجه التحديد فإننا نؤمن بأن معدل الوفيات بين الأطفال سينخفض إلى النصف، كما سيتم القضاء على المزيد من الأمراض المُعدية على نحو غير مسبوق.
ومما لا شك فيه أن شعوب وحكومات منطقة الشرق الأوسط قد لعبت دورًا محوريًا في ترجيح كفة هذه الآمال والتوقعات إلى الأفضل. وقد رأيت بنفسي الدور الذي تلعبه منطقة الشرق الأوسط في أواخر شهر يناير (كانون الثاني) المنصرم، خلال مؤتمر تجديد الموارد المالية للتحالف العالمي للقاحات والتحصين (Gavi)، والذي عُقد في العاصمة الألمانية برلين بهدف جمع الموارد المالية من أجل توفير اللقاحات الضرورية لإنقاذ حياة الملايين من الأطفال الذين يعيشون في أكثر بلدان العالم فقرا. ويعمل التحالف العالمي للقاحات والتحصين، وهو مبادرة مشتركة بين القطاعين العام والخاص والمنظمات التابعة للأمم المتحدة والهيئات المدنية، على إنقاذ حياة الأطفال والحفاظ على صحة الأفراد من خلال زيادة تغطية اللقاحات في البلدان الفقيرة. وجدير بالذكر أن التحالف نجح في توفير لقاحات للأطفال لتحصينهم ضد الأمراض المسببة للالتهابات الرئوية وحالات الإسهال الحادة، والتي تعتبر من أبرز العوامل المسببة للوفاة في الأطفال دون سن الخامسة.
وقد ساعد التحالف العالمي للقاحات والتحصين منذ تأسيسه في عام 2000 على تحصين نحو 440 مليون طفل في البلدان الفقيرة، لينقذ حياة نحو سبعة ملايين طفل. ونجح مؤتمر تجديد التمويل اللازم للتحالف العالمي للقاحات والتحصين في جمع ما يزيد على 7.5 مليار دولار أميركي، بما يكفي لتحصين 300 مليون طفل إضافي خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وبالتالي إنقاذ حياة ما بين 5 إلى 6 ملايين طفل آخرين.
ولا شك أن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق دون مساهمة دول مجلس التعاون الخليجي، والتي خصصت نحو 40 مليون دولار لدعم مؤتمر تجديد الموارد المالية للتحالف العالمي للقاحات والتحصين. وقد تعهدت مؤسستنا بدورها بأن تتبرع بمبلغ مماثل، ليتضاعف بذلك تأثير تبرعات الحكومات والأفراد من هذه الدول.
وكانت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي قد تقدمت بتبرعات سخية خلال مؤتمر برلين، حيث تبرعت المملكة العربية السعودية بـ25 مليون دولار، ودولة قطر بعشرة ملايين دولار، وسلطنة عُمان بثلاثة ملايين دولار. ومن جهة أخرى، تجلّى مستوى التنوع الثقافي الذي تزخر به هذه المنطقة، من خلال المساهمة الشخصية للأمير الوليد بن طلال، والتي بلغت مليون دولار، والتبرع السخي الذي تقدمت به مجموعة من طلاب الجامعات الكويتية، حيث نجحت لجنة «الشباب يسهم» في جمع تبرعات قيمتها 160 ألف دولار لصالح التحالف العالمي للقاحات والتحصين.
وتجدر الإشارة هنا إلى التبرع السخي الذي تقدمت به دولة الإمارات العربية المتحدة للتحالف العالمي للقاحات والتحصين في عام 2012، حيث خصصت 33 مليون دولار لتحصين الأطفال في أفغانستان وباكستان.
نحن ممتنون للغاية لهذه التبرعات المقدّمة من الحكومات والأفراد في دول مجلس التعاون الخليجي إلى التحالف العالمي للقاحات والتحصين، حيث ستسهم في إنقاذ حياة الكثير من الأطفال، وستحول دون معاناة عدد أكبر منهم في المستقبل. وفيما تُوسّع مؤسستنا مجالات التعاون مع دول منطقة الشرق الأوسط، فقد أصبحتُ الآن أكثر اقتناعا بأن هذه المنطقة المهمة من العالم يمكنها أن تلعب دورا أكبر في المساعي الرامية للقضاء على الأمراض ومنع انتشارها، والارتقاء بمستوى الصحة العامة لشعوب العالم الأكثر فقرا.
وقد سنحت لنا الفرصة للعمل مع العديد من الشركاء المتميزين في المنطقة، مثل «دبي العطاء» وصندوق الشفاء ومؤسسة قطر وبنك التنمية الإسلامي، وغيرها من المؤسسات المعطاء، مما أظهر لنا دون أدنى شك أن حكومات ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي باتوا مستعدين للمساهمة بشكل أكبر في الارتقاء بمستوى الصحة العامة دوليا.
وخير مثال على هذا هو التقدم الذي شهدته مؤسسات العون الدولي في دول مجلس التعاون خلال السنوات القليلة الماضية، ولا شك أن حجم ومدى تطور المنظمات الخيرية الحكومية والخاصة هو خير دليل على قدرة المنطقة على تخصيص المزيد من الموارد الإضافية لدعم تلك المساعي.
وستلعب هذه الموارد – ولا أقصد التمويلات الخليجية فحسب، بل وتشمل هذه الموارد القدرات الإبداعية لحكومات ومؤسسات وشعوب هذه الدول، وتأثيرها الثقافي – دورًا مهمًا في مساعدتنا على تحقيق تقدمات غير مسبوقة في مجال الارتقاء بمستوى الصحة العامة للبشرية. ولكي نتمكن من إحراز هذه التقدمات فإنه يتوجب علينا العمل معا لتحسين الصحة العامة للأفراد في كل من منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية ومنطقة جنوب آسيا، واللتين يشكّل فيهما المسلمون نسبة كبيرة من التعداد السكاني. ولا شك أن المتبرعين الخليجيين يتمتعون بمكانة متميزة تؤهلهم لمساعدة تلك المجتمعات بفضل هباتهم السخية ومصداقيتهم العالية وتفهّمهم لأوضاع تلك المجتمعات.
فعلى سبيل المثال، قدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة، بتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، تبرعات سخية للقضاء على مرض شلل الأطفال في باكستان وسائر دول العالم، كما عملت بشكل دؤوب لمحاربة الأفكار الخاطئة التي تحد من نجاح حملات التحصين والتلقيح. وقد نجحت جهود قيادة دولة الإمارات في شمال باكستان بفضل العلاقات الوطيدة والطويلة التي تربط شعبي هاتين الدولتين.
لا شك أن المساعي الرامية لإنقاذ حياة الأفراد تعتمد على خبرات وجهود المؤسسات والأفراد في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الهبات السخية التي تقدموا بها لدعم مؤتمر التحالف العالمي للقاحات والتحصين، والتي تدل على أن هذه المنطقة قادرة على لعب دور متميز ومهم في محاربة الفقر المدقع والأمراض، ويمكنكم القول بأنني متأكد من ذلك.