Site icon IMLebanon

البيانات المالية الكبيرة تقلص بوليصة تأمين السيارة حول العالم

CarInsurance
أليستير جراي وجيمس كينج وأندريس شيباني

مثل كثير من السائقين البريطانيين الشباب، دينيس سميث كانت تدفع ثمن شبابها. من خلال اعتبارها خطرة من قِبل شركة تأمينها، الفتاة البالغة من العمر 27 عاماً من بلدة كورنيش هايل كانت تدفع 700 جنيه سنوياً مقابل تأمين سيارتها، وهو مبلغ يشكل أحد أكبر بنود إنفاقها. بعد ذلك حمّلت تطبيق تكنولوجيا المعلومات “تيليماتيكس” على هاتفها الخلوي، الذي يسمح لشركة التأمين، أفيفا، بمراقبة عاداتها في القيادة. وعلى الرغم من أنها الآن تملك سيارة أكبر، إلا أن التكنولوجيا قلصت فاتورة التأمين 300 جنيه. تقول سميث “لقد زدت حجم المحرك – وتكاليف التأمين أصبحت أقل”.

التأمين على السيارات واحد من عديد من أنواع التغطية التي شهدت تحولات كبيرة بسبب التطورات التكنولوجية. إن إمكانية الوصول إلى بيانات جديدة تعمل على تغيير الطريقة التي تقوم بها الصناعة بتقييم الزبائن وسياسات التسعير يعد تحوّلا يمكن أن يستفيد منه بعض المستهلكين مثل سميث، لكنه قد يُعيق آخرين.

محال السوبرماركت التي لديها فروع تأمين تتعقب عادات التسوق تمنح خصومات مميزة للزبائن الذين يعتبرون أقل اشتمالا على المخاطر. كذلك بدأت شركات التأمين الصحي في الولايات المتحدة تقديم أساور لمعرفة حجم الوقت الذي يمارس فيه حاملو بوالص التأمين التمارين الرياضية. بل بلغ الأمر بصناعة التأمين أن تتفحص تكنولوجيا المعلومات في المنازل، لمعرفة وضع أجهزة الاستشعار في معدات التدفئة للتحقق مما إذا كان ساكنو المنزل يُبقون منازلهم ضمن درجة حرارة كافية لمنع انفجار الأنابيب.

وبحسب ويندي سيجو، مديرة التسعير والتحليلات في “أفيفا”، “الوصول إلى البيانات يتغير كثيراً – ليس هذا فقط، لكن هناك الأدوات المُتاحة والتكنولوجيا لاستغلالها”. أحجام الإحصاءات التي بإمكان الصناعة جمعها الآن حول كيفية سلوك المستهلكين – والتكنولوجيا المتطورة أكثر لتحليلها – ينبغي أن تعني أن شركات التأمين يمكن أن تعتمد أقل على “عوامل التقييم” البسيطة، مثل العمر أو الحالة الاجتماعية.
هذه الشركات قادرة على إجراء تقييمات أكثر ذكاء لمخاطر كل صاحب بوليصة. يقول بول إيفانز، الرئيس التنفيذي لشركة التأمين البريطانية، أكسا “لقد أصبحنا قادرين على نحو متزايد على إزالة البيانات الوسيطة والتخمينات التي في بعض الأحيان قد تكون خاطئة”.
الشركات التي تستطيع الوصول إلى مجموعات البيانات الصغيرة فقط، أو تلك التي تملك تكنولوجيا تحليل رديئة، ستجد نفسها بشكل متزايد في وضع غير مناسب. مع ذلك، ينبغي أن تكون التطورات التكنولوجية، بشكل عام إيجابية بالنسبة للصناعة – من المحتمل أن تحد من المطالبات الاحتيالية والحقيقية على حد سواء. لذلك تضخ شركات التأمين استثمارات كثيرة لاكتساب ميزة.
في كندا، تقدم شركة التأمين أولستيت خصومات لأصحاب البوليصة تصل إلى 25 في المائة، إذا قاموا بتثبيت المعدات التي تُسيطر على الحرارة، وأجهزة مراقبة الدخان، وأول أوكسيد الكربون، وتسرب المياه.
السوق العالمية الأكبر لتكنولوجيا المعلومات هي إيطاليا، حيث ساعدت التكنولوجيا شركات التأمين على معالجة المستويات العالية نسبياً للاحتيال. تقريباً ثُلث البوالص التي تبيعها شركة التأمين الأكبر في البلاد، جينرالي، قائمة على تكنولوجيا المعلومات.
لقد كان تطبيق هذه التكنولوجيا محدوداً أكثر في أماكن أخرى، على الرغم من أنه ينمو بثبات. ففي جميع أنحاء أوروبا، باعت شركات التأمين 4.65 مليون بوليصة لتكنولوجيا المعلومات العام الماضي، مقارنة بـ 1.9 مليون قبل عامين، بحسب شركة بتوليموس الاستشارية.

قد يكون لهذا الاتجاه منافع اجتماعية ثانوية، مثل تحسين الصحة. فقد بدأت شركات التأمين الصحي بمراقبة عادات ممارسة التمارين الرياضية من خلال الأجهزة التي يمكن ارتداؤها، ما يمنح أصحاب البوالص حافزا ماليا ليصبحوا أكثر نشاطاً.
يعمل التحوّل أيضاً، إلى حد ما، على إعادة السلطة إلى المستهلكين الذين أصبحوا الآن قادرين على التأثير في السعر الذي يدفعونه، من خلال تغيير الطريقة التي يتصرفون بها.
في السابق، كانت مخاطر الزبائن المتوقعة تعتمد إلى حد كبير على أقرانهم. مثلا، السائقون الذين يعيشون في المناطق التي تتلقى منها شركات التأمين أعداداً كبيرة من المطالبات كانت تُفرض عليها تاريخياً أقساطا أكثر تكلفة. لكن من خلال تكنولوجيا المعلومات، ينبغي لسائقي السيارات المسؤولين الحصول على فرصة لإثبات أنهم لا يشكّلون الخطر نفسه مثل جيرانهم. وشركات التأمين، المُسلحة ببيانات أكثر، قد تكون أكثر استعداداً لكتابة بوالص من أجل أولئك الذين تجاهلتهم في السابق.
يقول ماريو جريكو، الرئيس التنفيذي لشركة جينرالي، التي تنوي نشر تكنولوجيا المعلومات في مزيد من الأسواق خارج إيطاليا، بما في ذلك ألمانيا هذا العام “إن هذا جيد جداً. إذا كنت تريد أن تدفع أقل باعتبارك سائقا جيدا، فعليك أن تُظهر أنك سائق جيد”.
لكن اتجاه البيانات الكبير يملك جانبا آخر، إذ يواجه المستهلكون الذين يشكلون “مخاطر سيئة” أن تُفرض عليهم رسوم أكبر، أو أن يُتركوا بدون أي تغطية بأسعار معقولة.
ويمكن اعتبار مشتري التأمين غير جذابين تجارياً بسبب القيادة بشكل سيئ، أو تعاطي الكحول، أو إهمال ممارسة التمارين الرياضية. لكن الأمر الأكثر إشكالية أنهم قد يجدون أنفسهم مرفوضين من قِبل شركات التأمين بسبب عوامل ليس بإمكانهم السيطرة عليها، مثل حمضهم النووي.
وبموجب حظر ينتهي في عام 2017، وافقت شركات التأمين في المملكة المتحدة على عدم استخدام نتائج الاختبارات الوراثية التنبؤية لتسعير بوالصها. لكن في مناطق أخرى هناك بالفعل مؤشرات على أن الاستخدام الأكثر تطوراً للبيانات يعمل ضد بعض مشتري التأمين.
تغطية الفيضانات، مثلا، تعتبر مُكلفة على نحو متزايد بحيث لا يستطيع تحمّلها بعض مالكي المنازل. لذلك تجمع شركات التأمين بين الخرائط الرقمية المُفصّلة وبيانات المناخ من أجل تقييم أفضل لخطر الفيضانات.
وهناك حدود لاستخدام شركات التأمين للبيانات، لأن تكاليف التكنولوجيا تبقى بمثابة حاجز، ويمكن أن يكون المستهلكون مترددين في تسليم معلومات شخصية حساسة، إلا إذا كانت لديهم حوافز واضحة.
وفي حين إن بإمكان السائقين الشباب، مثل سميث تخفيض، مئات الجنيهات من تأمينهم على السيارات عن طريق تثبيت تطبيق تكنولوجيا المعلومات، إلا أن التوفير القياسي لأقرانهم الذين في متوسط العمر في بريطانيا يُقدّر أن يصل إلى عشرات الجنيهات فقط. يقول موراي ريزبيك، الشريك في مجموعة KPMG “بالنسبة لهم، هذا الأمر بالذات ليس مُقنعاً بشكل كاف”.
وفي أنحاء أوروبا كافة، كانت تكنولوجيا المعلومات تشكّل 1.6 في المائة فقط من سوق التأمين الشخصي والتجاري العام الماضي، وهو مستوى أمريكا الشمالية نفسه، وفقاً لشركة بتوليموس. وتقدّر الشركة الاستشارية أن النسب سترتفع إلى نحو 5 في المائة في أوروبا وما يُقارب 7 في المائة في أمريكا الشمالية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

وحتى لو تقبّل المستهلكون إعطاء شركات التأمين مزيدا من البيانات لتخفيض أقساطهم، فهناك حد معين فقط لما تستطيع أن تفعله الصناعة بهذه البيانات. يقول إيفانز “إنها تسمح لنا باستخدام متوسط أقل وتوفير دقة أكبر، لكن لا يزال هناك كثير من استخدامات المتوسط. فهناك كثير من العوامل التي لا يمكننا تشكيلها”. وبحسب تعبير سيجو، من شركة أفيفا “لا يمكننا أبداً معرفة كل شيء”.
ويمكن لاختبارات القياس النفسية في الأسواق الناشئة أن توفر بديلاً لطالبي القروض الذين لا يملكون سجلات الائتمان التقليدية. وتساعد شركات مثل فيجيوال دي إن آيه، وهي شركة للاختبارات النفسية في لندن، ومختبرات التمويل الريادية EFL، وهي شركة أمريكية، على جلب الخدمات المصرفية إلى “الذين ليست لديهم حسابات في المصارف”. ويتم العمل بخطط من هذا القبيل في بيرو والهند وبلدان أخرى في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا.
يقول بايلي كلينجر، الرئيس التنفيذي لمختبرات التمويل الريادية “نحن نقوم بشيء مختلف تماماً. إنه في الواقع وسيلة معقولة لتقييم المخاطر”. وتقول شركة المختبرات “إن المصارف التي تستخدم أداة الفحص الخاصة بها أظهرت انخفاضاً بنسبة 50 في المائة في العجز عن السداد”.وتهدف الاختبارات إلى تقييم الجدارة الائتمانية لطالبي القروض عن طريق الكشف عن السمات الشخصية من خلال أسئلة ليس لها جواب صحيح واضح.

تخيّل لو أن المصرف الذي تتعامل معه يرسل تقييم الصحة المالية الخاص بك كل صباح، والتنبؤ بمدى احتمال أن تسحب على المكشوف في ذلك الشهر، أو تعقّب المتاجر التي تنفق أموالك فيها ويُرسل لك بعض عروض الخصومات. في الوقت الذي بدأت فيه المصارف تسخير قوة البيانات الكبيرة، فإن هذه الأفكار قريبة من أن تصبح حقيقة واقعة بالنسبة لكثير من المستهلكين.
يقول كريج باكستر، رئيس القسم العالمي للاستراتيجية الرقمية في “سيتي جروب”، “البيانات الكبيرة هي فرصة كبيرة، لكن علينا تنظيم كثير من الأشياء على طول الطريق”.
وتأخرت المصارف بسبب المخاوف بشأن الخصوصية والتحدّيات الفنية. ومثالا على قضية الخصوصية، يقول باكستر “إن المصارف يمكنها استخدام البيانات عن الناس من وسائل الإعلام الاجتماعية – مثل الأشخاص الذين في دائرة اتصالهم – لتحديد ما إذا كان ينبغي منحهم القروض”.
في بريطانيا، يتعاون مصرف سانتاندر ومجموعة لويدز المصرفية مع شركات التجزئة من أجل عرض حسميات بحسب كل شخص إلى الزبائن من خلال تطبيقات هواتفهم الذكية، استنادا إلى أنماط الإنفاق الفردية. ويدرسان الإمكانيات في مجالات مثل إدارة الثروات والعمليات المصرفية للشركات.