فراس أبو مصلح
بعد سنين من السبات، قرر وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم، «إحياء» المجلس الوطني لسياسة الأسعار، فترأس يوم أمس اجتماعاً للمجلس المذكور ضم ممثلين عن مختلف الإدارات العامة، ورئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة محمد شقير والأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر، وممثل جمعية الصناعيين اللبنانيين جورج نصراوي، وممثلين عن الاتحاد العمالي العام. بحسب مصدر مطلع على أجواء الاجتماع، كان الهدف الحقيقي كما قيل حرفياً «تهدئة الرأي العام» والإيحاء بأن «الأمور مش فالتة»، بعد موجة الانتقادات الموجهة إلى الدولة والتجار بسبب «ارتفاع الأسعار»، بالرغم من انخفاض أسعار النفط!
«تم الاتفاق في المجلس المؤلف من الهيئات الاقتصادية والعمالية على مراقبة الأسعار ومتابعتها، وهي من مهمات المجلس وصلاحياته، وعلى التعاون بين الجميع للتوصل إلى مساعدة المواطن عبر اعتماد الشفافية في الأسعار والتشدد في المراقبة، لأننا لن نتردد في ملاحقة من يحتكر السلع ومن يتلاعب بالأسعار وكل من يضر بالمستهلك»، قال حكيم، مشيراً إلى أنّ «مجرد التنسيق بين الهيئات المعنية في المجتمع المدني سيؤدي إلى تثبيت الأسعار كما حصل خلال شهر رمضان العام الفائت»، مضيفاً أن «المنافسة تبقى هي الأساس في تجارة السلع بالتجزئة»! أعلن حكيم أن وزارته «لن تتهاون في موضوع حماية المستهلك، وهي ستراقب تطور الأسعار وتطبيق الانخفاض، وستضع كل إمكاناتها لضبط الأسعار، ضمن سياسة واضحة تحمي المستهلك اللبناني»! لكن الحقيقة أن سياسة وزارة الاقتصاد هي أبعد ما تكون عن الوضوح، فحكيم نفسه الذي صرح في غير مناسبة في الأيام الماضية بأن وزارته «ستضرب بيد من حديد» الاحتكارات والمتلاعبين بالأسعار وتوافر السلع في الأسواق، «عقلن» خطابه يوم أمس، قائلاً: «لسنا هنا لملاحقة أحد، بقدر ما نعمل على ضبط المخالفين للقوانين والمحتكرين من خلال التوعية والإرشاد والتواصل»!
الاطلاع على كواليس نقاشات المجلس «المعاد إحياؤه» يزيل العجب من الكلام، الذي «تخالف نهاياته بداياته». بحسب المصدر نفسه، طرح حكيم تحديد آلية لمراقبة وضبط الأسعار، مستنداً إلى مرسوم إنشاء المجلس الصادر عام 1974، الذي ينص على منع تخطي أسعار السلع ضعفي كلفتها. «لم يعجب الطرح ممثلي الهيئات، خصوصاً محمد شقير»، فقال بعضهم إننا «نعيش في اقتصاد حر»، وإن وضع سقوف للأسعار «بات من التاريخ»، بحسب المصدر! أما ردود الأفعال على موقف التجار والمصرفيين، فكانت أن طرح أحدهم رفع توصية لتغيير القانون، أي مرسوم إنشاء المجلس، وأن طمأن حكيم إلى أن وزارته «ما عندها شرطة، وما بدها تسكّر (مؤسسات)»، وأن الهدف هو «تهدئة الرأي العام»، يقول المصدر! «لن يمارس المجلس القمع بحق المخالفين»، يؤكد المصدر، شارحاً أن جل ما جرى التوافق عليه كخطوة عملية هو إعادة إصدار نشرة الأسعار، وتضمينها الأسعار «الطبيعية» للسلع وأماكن بيعها، وتحديد ماركاتها التجارية أيضاً.
من جهته، يقول رئيس جمعية المستهلك، زهير برو، إن «الجهاز المعني أساساً بالأسعار هو المجلس الوطني لحماية المستهلك (يتألف من ممثلين عن 9 وزارات، وممثلين عن الصناعيين والتجار وجمعية المستهلك، ويرأسه وزير الاقتصاد) الذي لم يجتمع ولو لمرة واحدة بعد تأليف الحكومة»، مستنكراً استبعاد جمعية المستهلك عن نقاش سياسة الأسعار. ما صدر عن المجلس الوطني لسياسة الأسعار «لا يقدم شيئاً للمستهلكين»، إذ لم يُعلن أي إجراءات عملية محددة تعطي دوراً للمجلس بضبط حركة الأسعار، يقول برو، مسجلاً اعتراضه على رفع «الهيئات الاقتصادية» لشعار «الاقتصاد الحر»، مذكراً بأن جمعيته «مع الاقتصاد الحر، وشرطه الرئيسي المنافسة»، بينما يعيش اللبنانيون فعلاً «نظام الاحتكارات، ما يفسر ارتفاع المعدل العام للأسعار بأكثر من 2% (دون احتساب انخفاض أسعار المشتقات النفطية؛ أو انخفاض معدل الأسعار بما لا يتجاوز 0.02% مع احتساب انخفاض أسعار المشتقات النفطية)، رغم التراجع الهائل لأسعار النفط العالمية».
يستنتج برو، باسم جمعية المستهلك، أن «إعلان الوزير (حكيم) يتوخى فقط إطلاق تصريحات عمومية لن تفيد المستهلكين بشيء»، مكرراً دعوته لعقد اجتماع فوري للمجلس الوطني لحماية المستهلك، مقترحاً اتخاذ إجراءات «على رأسها صدور قانون المنافسة المجمد منذ 12 سنة، ومهمته الأولى إلغاء الوكالات الحصرية وكافة أشكال الاحتكارات المعلنة وغير المعلنة التي تكبل الاقتصاد».
يصف الوزير السابق الياس سابا الحديث عن «إحياء» المجلس الوطني لسياسة الأسعار بـ«النكتة السمجة»، داعياً المسؤولين «للكف عن الكذب وخداع الناس». يعرف المسؤولون أنهم «غير قادرين على المساس بالاحتكارات»، فليجأوون إلى مسرحيات دعائية من هذا النوع، يقول سابا. صدر أول قانون لمنع الاحتكار في الولايات المتحدة الأميركية، «أمّ الاقتصاد الحر»، في عام 1894، أي منذ 121 سنة، يشير سابا، قائلاً إن على المسؤولين اللبنانيين بالتالي العمل بالحديث النبوي الشهير القائل، «إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا»!