كتبت رولا حداد
هذا الأسبوع يحتفل اللبنانيون في المقلبين بالذكرى العاشرة لـ8 آذار ولـ14 آذار على التوالي. 10 أعوام بقيت فيها المواجهة نفسها. لم يتغيّر شيء كثير عمليا.
عملياً انتقلنا خلال هذه السنوات من الوصاية السورية الى الوصاية الإيرانية. ما كان يبتّ به الوصي السوري في عنجر، بات رهناً بإرادة الإيراني عبر وكيله في حارة حريك.
نجاح قوى 14 آذار في مواجهة الوصاية السورية انقلب فشلا في التعاطي مع “حزب الله”. في زمن “ترتيب الذاكرة” لا بدّ من إنعاش ذاكرة قادة قوى 14 آذار حول بعض الملفات:
ـ إن كل محاولات لبننة “حزب الله” بدءًا بالتحالف الرباعي في انتخابات الـ2005 وصولا الى حوار “المستقبل”- “حزب الله” حالياً باءت بالفشل الذريع. وليس من دليل على ذلك أكبر من مفاخرة المسؤولين الإيرانيين السياسيين والعسكريين بأن حدود إيران باتت على ضفاف المتوسط وفي جنوب لبنان. وبالتالي فإن إصرار بعض الأطراف اللبنانيين على التعاطي مع “حزب الله” على أنه فريق لبناني بات بمثابة اتباع سياسة النعامة ودفن الرؤوس في الرمال. فالسياسة تقوم على التعاطي مع الوقائع وليس مع الأحلام أو التمنيات.
ـ إن تفتت قوى 14 آذار وابتعادها عن العمل الجماعي في اتجاه البحث عن المصالح الحزبية والفئوية الداخلية أدت الى تراجع مخيّب للآمال في أداء هذه القوى. فرغم سقوط الشهداء من قادة القوى الاستقلالية، شهيداً تلو شهيد، بدءًا بالرئيس رفيق الحريري وصولا الى الوزير محمد شطح، إلا أن التخاذل بقي السمة الطاغية للأداء الجماعي لهذه القوى، وإن بقي الرهان قائماً على بعض قادتها.
ـ بقي الصراع على السلطة طاغياً ضمن صفوف قوى 14 آذار. وآخر تجليات هذا الصراع برز في الترشيحات إلى رئاسة الجمهورية. فرغم الإجماع النظري على تبني ترشيح الدكتور سمير جعجع إلا أن الرئيس أمين الجميّل بقي مصرّاً على ترشحه، كما ان جزءًا من تيار المستقبل ومن اللحظة الأولى يصرّ على إعلان تبني ترشيح الوزير السابق جان عبيد، وقد كان وزير الداخلية نهاد المشنوق الأبرز في إعلان هذا التبني.
ـ فشلت قوى 14 آذار في تفعيل العمل الجماعي خارج الأطر الحزبية. كل محاولات استيلاد مجلس وطني وتفعيل دور المجتمع المدني فيها، كما ودور الشخصيات الفاعلة ضمن مجتمعها باءت بالفشل الذريع وثمة من يوجه اتهامات واضحة ومباشرة الى القوى الحزبية داخل 14 آذار بالعمل لمنع أي دور للناشطين غير الحزبيين.
ـ استمرار غياب الرئيس سعد الحريري عن لبنان، مع خرقين محدودين في زيارتين سريعتين، أدى الى تراجع كبير في مستوى التنسيق ما بين أركان القوى الاستقلالية. ورغم كل التبريرات التي تُعطى لوجود الحريري خارج لبنان إلا ان الانعكاسات السلبية له بقيت أكبر من أي إيجابية.
ـ مشاركة 14 آذار في الحكومة الحالية تحت عنوان “ربط النزاع” أثبتت فشلها، وخصوصا أن “حزب الله” استعمل قوى 14 آذار كغطاء لكل ارتكاباته في سوريا، وكمتراس داخلي يقيه من ارتدادات مشاركته في الحرب السورية. هكذا قطف الحزب من مشاركة تيار المستقبل تحديدا في الحكومة اكثر بكثير مما قطف المستقبل، والأخير تراجع طموحه من بيروت منزوعة السلاح الى بيروت منزوعة الشعارات. ولم يستطع أن ينال أي مكسب من “حزب الله”!
ـ بعد فشل طاولة الحوار الوطني في بعبدا حتى في إلزام “حزب الله” بالبقاء على توقيعه على “إعلان بعبدا”، ظهرت مشاركته في حوار ثنائي مع الحزب تحت شعار “تنفيس الاحتقان” بمثابة رضوخ للحزب الذي وضع الفيتوات على كل المواضيع التي تزعجه من بند سلاحه الى بند مشاركته في القتال في سوريا وصولا حتى الى بند “سرايا المقاومة”.
ـ أما مشاركة “القوات اللبنانية” في حوار مفاجئ مع “التيار الوطني الحر” لم يتضح مساره بعد، فظهرت وكأنها محاولة لمواكبة الحوار السني- الشيعي رغم إجماع المتابعين على اعتبار الحوار المسيحي- المسيحي بمثابة مناورات متبادلة لتقطيع الوقت في انتظار بلورة الصورة الإقليمية.
في الخلاصة فشلت قوى 14 آذار بعد 10 سنوات في العمل الجماعي، وظهر اطرافها بمستويات متفاوتة جعلت “حزب الله” في موقع المتفوق نسبياً من خلال قدرته على فرض الفيتو على كل ما لا يعجبه. ويبقى الجميع في انتظار نتائج المفاوضات النووية الإيرانية- الأميركية، وسط عجز داخلي فاقع كرّسه عملياً عجز 14 آذار عن المبادرة على مختلف المستويات لكل الأسباب التي ذكرناها آنفاً. فهل سينفع “ترتيب الذاكرة” مع الذكرى العاشرة؟