جون أوثرز
لا يمكننا أن نتجنب هذا الأمر. باعتبارنا بشرا، نحن بحاجة إلى معالم لترشدنا. نحن نحب الأرقام الصحيحة التقريبية. وبمجرد اعتيادنا عليها، لا يمكننا أن نعرف متى تقودنا إلى الضلال.
ضع هذا في الحسبان عند النظر في أحدث المعالم المهمة في السوق. يوم الإثنين، أغلق مؤشر ناسداك المركب فوق مستوى 5000 نقطة. وكان هذا فقط اليوم الثالث الذي وصل فيه لهذا المستوى على الإطلاق. وقع اليومان الأولان في آذار (مارس) 2000، في أوج ما يمكن القول إنها أكبر فقاعة مضاربات في تاريخ سوق الأسهم.
وكان “ناسداك” قد مر بصعوبة ليصل إلى ذلك المعلم ويعود الفضل في جزء كبير منه إلى شركة أبل. الشركة كانت في كسوف خلال فقاعة الدوت كوم. الآن، تعتبر بسهولة أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، مدعومة بارتفاع مذهل في الإيرادات. إنها ظاهرة العصر.
هذا يقودنا إلى مؤشر مهم آخر. بالأمس، أُعلِن أن “أبل” ستنضم إلى مؤشر داو جونز الصناعي، بعد إخراج شركة AT&T. ولا يزال “داو جونز” مؤشر سوق الأسهم الذي يحظى بأكبر قدر من الاهتمام في أي مكان في العالم. عندما يقول شخص ما إن السوق “أعلى 100 نقطة” فإنه يعني أن مؤشر داو جونز اكتسب 100 نقطة.
في السوق الصاعدة أواخر التسعينيات، كان اثنان من المؤشرات التي يستشهد بها على نطاق واسع هما ناسداك وداو. لكن ماذا تعني هذه المؤشرات في الواقع؟
يتكون مؤشر ناسداك من كل سهم يحدث أن يكون مدرجا في سوق الأوراق المالية في بورصة ناسداك. ومع زيادة التداول الإلكتروني باتت الاختلافات بين “ناسداك” وبورصة نيويورك، الأكبر عمرا، أقل مما كانت عليه. ويغلب على الشركات التي يتم تداولها في “ناسداك” أن تكون من شركات التكنولوجيا، لكنها تشمل عديدا من الشركات الأخرى، وتتجه أيضا نحو الأسهم الصغيرة ـ لكن تشمل “أبل”. العامل المشترك الوحيد هو القرار الفني الذي تتخذه الدوائر المالية لهذه الشركات بخصوص البورصة التي تضع فيها إدراجها الرئيسي. ومن غير الواضح لماذا يجب أن يثير مؤشر ناسداك المركب اهتمام أي شخص.
في الوقت نفسه، مشكلات داو تذهب إلى ما هو أعمق من هذا بكثير. يقاس الوزن النسبي للشركات في المؤشر من خلال سعر السهم بدلا من القيمة السوقية، ما يؤدي إلى عديد من الآثار الغريبة والمضحكة. صدور قرار فني من قبل شركة تابعة له بتقسيم أسهمها، وهو ما يقلل بالتالي من سعر سهمها، يقلل أيضا من وزنها النسبي في مؤشر داو جونز. هذا كلام فارغ. مثل “ناسداك”، ما يحرك عضويته هو قرارات فنية يتخذها أمناء صناديق الشركات المساهمة. مؤشر ستاندرد آند بورز 500 “إس آند بي 500″، الذي يغطي 500 شركة أمريكية كبيرة، هو أكثر تماسكا بكثير.
يعزى صعود “أبل” إلى تجزئة سهم من قبل فيزا، الموجودة أصلا في مؤشر داو جونز، الذي ترك التكنولوجيا ذات تمثيل غير مناسب. ولإفساح الطريق لذلك كان لا بد من إزالة AT&T، وهي إحدى شركتين اثنتين للاتصالات. ولا تزال الأسهم الـ 30 في مؤشر داو جونز خليطا مشوشا من الشركات، من مختلف القطاعات والأحجام. هذا متوسط لا معنى له. لا يجب لأحد أن يهتم بتأثير “أبل” في مؤشر داو جونز. لكن ماذا سيكون التأثير في “أبل”؟ من غير المرجح أن يكون جيدا. عضوية “داو” يغلب عليها أن تُمنح عندما تكون الشركة قد أثبتت جدارتها أصلا وحققت أكبر نمو لها من قبل. ذهب معظم الداخلين الجدد في “داو” منذ عام 1999 إلى تسجيل أداء ضعيف في مؤشر ستاندرد آند بورز – على الرغم من أن “فايزر”، المدعومة من “فياجرا”، كانت استثناء مهما جدا. وفي الوقت نفسه، بما أن آخر مستوى لـ “ناسداك” كان عند 5000 نقطة، فقد استمتعت “أبل” بأطول نجاح لها في التاريخ، وسجلت ارتفاعا يبلغ 2750 في المائة، بينما ارتفع مؤشر داو جونز 80 في المائة. ومن غير المرجح لـ “أبل” مواصلة مثل هذه الوتيرة.
وبذلك، على الرغم من المظاهر الأولى، إلا أن هذين المعْلَمين لا يقولان لنا إلا القليل، أو لا شيء على الإطلاق.
المعالم الأخرى للأسبوع الماضي أكثر أهمية. الإحصاءات وراء أرقام العمل في الولايات المتحدة، مشكوك فيها حتى أكثر من مؤشر داو جونز، لكن عندما يبلغ معدل البطالة 5.5 في المائة، فإن هذا يعني شيئا ما. عند هذا المستوى يتحرك الاقتصاد بالقرب من العمالة الكاملة وتتراجع الحجة الداعية إلى اتخاذ تدابير أزمة، مثل تخفيض أسعار الفائدة.
وقفزت عائدات سندات الخزانة إلى ما يصل إلى الاعتراف باحتمال رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الرئيسي في حزيران (يونيو).
جاءت تلك البيانات بعد يوم واحد من إعطاء البنك المركزي الأوروبي تفاصيل شراء سندات التسهيل الكمي التي تبدأ هذا الأسبوع. وجاءت أيضا بعد إعلان البنكين المركزيين في كل من الصين والهند تخفيض أسعار الفائدة، والانضمام إلى قائمة طويلة من الدول التي تعمل على تخفيف سياستها النقدية.
إن التباعد بين الولايات المتحدة وبقية العالم آخذ في التعمق. ونتيجة لذلك، الدولار في أقوى وضع له منذ أكثر من عقد. وصعوده في حالة تسارُع الآن. وهذا يعد بشرى سارة للذين يصدرون إلى الولايات المتحدة، ولا يعد كارثيا بالنسبة للولايات المتحدة نفسها، التي تعتمد على الصادرات على نحو أقل بكثير من اعتماد بلدان مثل ألمانيا أو الصين.
لكن هذا يعد نبأ سيئا للشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أو داو جونز. نسبة متزايدة من إيراداتها تأتي من الخارج، وهذه الإيرادات تتقلص من حيث قيمتها بالدولار. في مطلع هذا العام أشارت تقديرات الأرباح للشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى أن الأرباح ستنمو بنسبة 8 في المائة هذا العام. انخفض هذا الرقم الآن إلى 1.7 في المائة. وتراجعت أسواق الأسهم الأمريكية كرد فعل على أرقام التوظيف القوية.
الأمر الذي يجري الآن هو ما يمكن أن يعتبر إلى حد كبير تعديلا صحيا للاقتصاد العالمي. لكن ماذا سيكون رد فعل السوق أمام واقع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، أو تراجع أرباح الشركات الأمريكية؟ من الأفضل أن نتوقف عن البحلقة في العلامات المهمة والأرقام الصحيحة، ونحاول الإجابة عن هذه الأسئلة الصعبة.