تتزايد التكهنات عن قرب اندلاع معركة حاسمة في منطقة الجرود المشتركة، بين لبنان وسورية على التماس مع بلدة عرسال، امتداداً إلى منطقة رأس بعلبك. وتتحدث السيناريوهات عن احتمال قيام التنظيمات الإرهابية بهجوم باتجاه الأراضي اللبنانية، كما تتحدث سيناريوهات أخرى عن هجوم سينفذه الجيش السوري النظامي و”حزب الله”، لاقتلاع الوجود العسكري لهذه التنظيمات من تلك البقعة. في المعطيات المتوافرة لخبراء متابعين، أن الاحتمال الأول، أي هجوم الإرهابيين على لبنان، ممكن في حسابات تنظيم “داعش” الإرهابي الذي يطمح إلى تحقيق اختراق ما على الجبهة اللبنانية يعوضه الخسائر المتتالية على جبهتي العراق وسورية، وهو منذ البداية يخطط للوصول إلى البحر، عبر شمال لبنان.
أما جبهة “النصرة” فحساباتها مختلفة وإنما تلتقي مع “داعش”، على ضرورة فك الحصار المضروب عليهما، من الجهتين السورية واللبنانية، وهذا لن يتم، إلا باحتلال شريط حدودي داخل الأراضي اللبنانية. في الجهة المقابلة، يروج مناصرون للنظام السوري، أن الأخير وحلفاءه سيبادرون إلى الهجوم، لإزالة ما يسمونها “إمارة القلمون” السورية التي تبلغ مساحتها نحو ألف كيلومتر مربع، من الأراضي السورية واللبنانية، حيث يتمركز ثلاثة آلاف مقاتل من “النصرة” و”داعش”، متحصنين في المناطق الوعرة والجبال والمغاور. وتروج الأوساط السورية، أن المعركة آتية لا محالة، وساعة الصفر تنتظر ذوبان الثلج الذي يغطي المنطقة لتسهيل الهجوم.
وبرأي الخبراء، فإن هذا الكلام غير دقيق ويحتمل النقض، بسبب نوايا النظام السوري. وهو الذي روج قبل سنتين الكلام نفسه عن القضاء على هذه “الإمارة”، لكنه عقد اتفاقات ميدانية مع “النصرة” و”داعش”، لسحب مسلحيهما من يبرود وسائر قرى وبلدات جبل القلمون السوري، ليتمركزوا في جرود تلك المنطقة. ومن ثم روج معلومات عن إعداد هجوم جديد ضدهم، فور ذوبان الثلج الشتاء الماضي إلا أن ذلك لم يحصل، ليظهر لاحقاً أن كل ما فعله هذا النظام، ومعه “حزب الله”، هو استجلاب كل المسلحين إلى حدود لبنان، ما أدى إلى توريط الجيش اللبناني، في جبهة عرسال وفتح جبهة جديدة في منطقة رأس بعلبك.
وإذا كان الجيش يقوم بواجبه هناك فقط في الدفاع عن الأراضي اللبنانية، فإن للجهات الأخرى أهدافاً أخرى، تندرج في سياق أجندة النظام السوري في إدارة الحرب في بلاده.
في سياق متصل، أكد مصدر سياسي متابع لما يجري في دمشق لصحيفة “السياسة”، أن النظام السوري لا يضع تطهير منطقة الحدود مع لبنان في أولوياته، لذلك فإن كل وعوده بهجوم وشيك هي مجرد أكاذيب، لسببين عسكري وسياسي.
عسكرياً فإن أولوية النظام، بالإضافة إلى الدفاع عن دمشق، هي على جبهتين الأولى في حلب (العاصمة الثانية) وقد خسر جولتها الأخيرة، عندما شن هجوماً كبيراً أخفق في تحقيق أهدافه. والثانية في درعا وعلى مثلث الحدود السورية – الأردنية – الإسرائيلية، وتحديداً في محيط القنيطرة. أما سياسياً، فإن النظام السوري يستخدم ورقة جرود القلمون، للتهديد بمصير اللبنانيين في المناطق الحدودية، خصوصاً المسيحيين منهم، للضغط على الغرب واستدراجه إلى إعادة فتح خطوط التواصل، وإعادة اكتساب مشروعيته كشريك مزعوم في مكافحة الإرهاب، وهو الذي رحب بقيام التحالف الدولي وأراد الانضمام إليه، بحثاً عن هذه المشروعية الضائعة.
فإذا لم يتحقق له ما يريد، فإنه سيترك لبنان معرضاً بالفعل لخطر اختراق “داعش” لأراضيه. ومن جهة ثانية، فرضت التطورات العسكرية على الحدود مع إسرائيل أمراً واقعاً سياسياً، تريد دمشق التخلص منه، يتمثل في محاولة إسرائيلية لإقامة نوع من الحزام الحدودي، يمنع النظام السوري من الاقتراب منها. وبالفعل فإن الجيش السوري ابتعد عن المنطقة، خوفاً من مواجهة الجيش الإسرائيلي. ودمشق تريد ضمانات أميركية بعدم تدخل الجيش الإسرائيلي، إذا قررت طرد جبهة “النصرة” من تلك المنطقة، وستقدم ثمناً لذلك إراحة لبنان من خطر “داعش”، بضرب إمارته في القلمون وجرود عرسال. ومن دون ذلك، فإن الجبهة هناك ستبقى ساحة استنزاف، لا أكثر ولا أقل.
من جهته، لا يتوقف الجيش اللبناني كثيراً عند كل هذه التحليلات، وهو يقوم بواجبه في حماية الحدود اللبنانية، وسجل في الأسابيع الماضية تقدماً نوعياً في أدائه، عندما أمسك بزمام المبادرة وشن هجوماً استباقياً، استعاد خلاله بعض التلال الستراتيجية، لمنع المسلحين من استخدامها في أي هجوم محتمل، كما أنه يمنع يومياً عبر القصف المدفعي، الإرهابيين من حشد أي قوات كبيرة، لإجهاض أي إمكانية لديهم لهجوم جديد. وهكذا فإن الجيش ينفذ قرارات السلطة السياسية اللبنانية، فيخوض معركته ويواصل استعداداته لكل الاحتمالات، بعيداً عن حسابات أي طرف إقليمي أو محلي.