Site icon IMLebanon

ربيع الأسواق الشعبية والبسطات بقاعاً


أحمد كموني

ليس وحده الربيع الذي يبسط فراشه الأخضر بعد موسم شتاء قاس، إذ ثمة بسطات من صنع البشر تفترش هي الاخرى الطرقات مشكلة حياة وحيوية لأناس ربما يلجأون اليها أكثر من فرحهم بالربيع الوردي. فالزهرة حلوة في أوانها، لكن أيضاً قطعة ثياب بأقل من ربع الثمن، أو ضمة نعناع أو خسة بمئة ليرة، لها فعل الرائحة نفسها لدى فئة تنتظر أوان تلك البسطات من أجل أن تقطف مونتها. وبين الجيبة والزهرة، الأولى تكسب في مواسم النزوح والفقر والمواعيد المؤجلة.

وببشائر الربيع الاولى، تستعيد الاسواق الشعبية البقاعية بعضا من عافيتها التي افتقدتها شتاء، كنتيجة طبيعية لاستقرار الطقس والاقتراب من انطلاقة فصل الربيع في النصف الثاني من الشهر الجاري.

والامر عينه ينسحب على الباعة الجوالين الذين يجدون في الاسواق الشعبية مصدر رزق يعرضون فيها بضاعتهم طيلة اشهر الربيع والصيف والخريف، بتكلفة رمزية تتناسب وتجارتهم المتواضعة.

ولعل ابرز المواقع التي تحتضن هذه الظاهرة المتنامية تتركز في بلدات: المرج، جب جنين، غزة، تعلبايا، الصويري مجدل عنجر، وضهر الاحمر، ويعود تاريخ انشاء بعضها الى بدايات القرن الماضي كالمرج وجب جنين وضهر الاحمر، فيما البعض الآخر فرضته ظروف تراجع القدرة الشرائية للمستهلك اللبناني من جهة، وتدفق آلاف النازحين السوريين الى البقاع منذ سنوات اربع، الامر الذي ادى الى تطوير اسواق ناشئة حديثا كتعلبايا ودير زنون والصويرة وغيرها.

وبحسب زوار الاسواق من مستهلكين بقاعيين وسوريين، فإن الوفر في المشتريات يلامس الخمسين في المئة مقارنة مع أسعار المحال والمؤسسات التجارية. ويلفت عبدالله الاحمد الى انه ينتظر موعد انعقاد سوق المرج نهار كل اثنين من الاسبوع، ليبتاع ما يحتاجه من خضر ومواد غذائية تكفيه لمدة اسبوع كامل، ويعطي مثالا ان تكلفة حاجته من خضر وفواكة تصل الى 30 الف ليرة اسبوعيا، بينما تكلفته تصل الى خمسة وسبعين الف ليرة اسبوعيا اذا ما اراد ابتياعه من خارج السوق.

ولا يختلف راي محمد عبد العظيم الذي ينتظر موعد انعقاد سوق السبت في جب جنين لابتياع حاجته من المواد الغذائية على اختلاف انواعها تكفيه مدة شهر واحيانا «مونة« فصل بكامله بتكلفة تتناسب ودخله المحدود.

ولا تقتصر اهمية الاسواق على توفير المواد الغذائية والخضر، بل انها اصبحت مركزا مهما لتسويق الملبوسات وقطع الاثات باسعار مشجعة تناسب العمال والمزارعين والفقراء وذوي الدخل المحدود. وفي هذا الجانب تؤكد سلمى العبدالله، بأنها تكسي عائلتها المؤلفة من تسعة افراد من السوق الشعبي في تعلبايا، بما يعادل قيمة جاكيت واحد.

أما تجار الماشية والابقار والعاملين في مجال الزراعة، فانهم يجدون متنفسا اقتصاديا مهما عبر السوق الشعبي في المرج الذي يوفر هذه الخدمة للتجار منذ ما يقارب الخمسين سنة واكثر. ويشهد القسم المخصص للمواشي اقبالا من كافة انحاء لبنان لتبادل او ابتياع الاغنام والابقار والحمير والبغال وغيرها باسعار مشجعة ايضا.

وترى المجالس البلدية المعنية في السوق الشعبي الذي يدخل ضمن نطاقها العقاري، مصدرا اقتصاديا مهما لتمويل صناديقها، وهي تجهد في المحافظة على استمرارية هذه الاسواق من خلال القيام باعمال النظافة والصيانة ومراقبة التجار واصحاب البسطات كي تأتي الخدمة متكاملة للمستهلكين. فالمجالس المذكورة تتقاضى رسما ماديا على كل صاحب (بسطة)، وقد بلغت قيمة استثمار بعض الاسواق ما يقارب المئة وخمسين مليون ليرة سنويا (المرج) فيما تراوح استثمار الاسواق الباقية بين 30 و80 مليون ليرة سنويا، وهذه ارقام مهمة جدا بالنسبة للبلديات والمستثمرين على السواء.

والى ايجابية مثل تلك البسطات، يبقى هاجس واحد يتمثل بضرورة قيام الوزارات المعنية برقابة اكثر على كل مرافق اي سوق شعبي، سواء بالنسبة للبنى التحتية او المراقبة الصحية والاجتماعية، وبطبيعة الحال الاسعار والمواد المعروضة.