حربان في كل من العراق وسورية. واحدة تشنها الوية “الحرس الثوري الإيراني” المتنوعة بإشراف ضباط منه، وثانية موازية لها تشنها القوات المحلية الحليفة مثل قوات الحكومة العراقية وقوات الرئيس السوري بشار الأسد. لكل من الحربين اهدافها، رغم ان التنسيق بين المهاجمين قد يصل حد الاندماج.
هذا هو التقييم لمجريات العمليات الحربية المندلعة في البلدين المجاورين حيث تحاول إيران، حسب مصادر أميركية مطلعة، “قضم” أكبر مساحة منهما قبل ان يؤدي
التوصل الى اتفاقية نووية مع الولايات المتحدة الى “تهدئة” ما، قد تفرض تجميدا للعمليات القتالية.
في العراق، تسعى القوات الموالية لإيران، وخصوصا “ميليشيات الحشد الشعبي”، الى “تنظيف والسيطرة على” محافظتي ديالى، المحاذية للحدود الإيرانية، وصلاح الدين، غرب ديالى. صلاح الدين بدورها تحاذي كل من محافظتي نينوى، حيث يتمركز “تنظيم الدولة الإسلامية”(داعش)، والانبار.
وتشرح المصادر الأميركية لصحيفة “الراي” ان”ميليشيات الحشد الشعبي”تتحول رويدا رويدا الى قوة شبه نظامية، شبيهة بتنظيم”حزب الله”اللبناني، مع شعار مأخوذ من شعار الباسدران الإيرانية”ذو الكلاشنيكوف”. ومنذ تكوينها قبل أقل من عام، اتخذت ميليشيا الحشد العراقية المذكورة هيكلية أكثر تنظيما، وصار فيها هيئة قيادية وأخرى مالية. حتى انها أنشأت وحدة للتدريب العقائدي، تقول المصادر نفسها، التي تتساءل:”ماذا يحدث للحشد الشعبي عندما تنتهي الحرب على داعش؟ وهل تلقي هذه الميليشيا سلاحها؟ ام تجد حكومة العراق نفسها امام معضلة شبيهة بالتي تواجهها نظيرتها اللبنانية”.
ويقول أحد المسؤولين الاميركيين ممن عادوا من العراق أخيراً انه في وزارة الداخلية العراقية، يصعب تحديد من هم قوات نظامية عراقية ومن هم الحشد، ومن الممكن ان يكون كبار ضباط الداخلية مسؤولين أيضا في الحشد.
لكن التماهي بين الداخلية العراقية و”ميليشيا الحشد الشعبي”الموالية لإيران لا يعني بالضرورة تطابق في الأهداف النهائية بين الاثنين، يقول المسؤول الأميركي العائد أخيراً، مضيفا ان ما يهم إيران هو ابعاد خطر”داعش”عن حدودها فقط، فيما تسعى الحكومة العراقية الى اكتساح”داعش”بالكامل وتدميرها لإعادة السيادة العراقية الى مناطق خسرتها امام الميليشيا المتطرفة منذ كانون الثاني الماضي.
وفي الهجوم الأخير على تكريت، نجحت قوات الحشد، مدعومة من القوات النظامية، في تحقيق اختراقات كبيرة وتكاد تطبق على المدينة بأكملها.
ويحتار مسؤولو الولايات المتحدة حول كيفية الحديث عن معركة تكريت، فالقوة الجوية الدولية المتحالفة في حربها ضد”داعش”شنت سلسلة من الهجمات ضد اهداف التنظيم قبل قيام الميليشيات الموالية لإيران بهجومها الأرضي، وهو ما يجعل من المقاتلات الأميركية القوة الجوية للميليشيات الموالية لإيران. ولتفادي هذا الموقف، تضاربت تصريحات المسؤولين الاميركيين، فقال بعضهم ان الهجوم على تكريت كان مفاجئا لهم، لكن الهجوم الذي يفترض ان الحكومة العراقية صديقة واشنطن تشنه لا يفترض ان يفاجئ واشنطن، ما دفع مسؤولين آخرين الى القول انهم”توقعوا”حدوثه.
وكما في العراق، كذلك في سورية، تشترك الالوية الموالية لإيران مع قوات الأسد النظامية. ويقول المسؤولون الاميركيون المتابعون لمجريات الاعمال الحربية ان الأسد يقدم الغطاء الناري الكثيف جوا وعبر مدفعيته الثقيلة، فيما قوة مشاة”حزب الله هي أقوى القوات المقاتلة على الأرض وتلعب دور المطرقة القادرة على اقتحام ما تعجز عنه القوات النظامية وغير النظامية المتحالفة معها”.
ومنذ 7 شباط الماضي، أطلق الأسد وحلفاؤه ما أطلقوا عليه اسم”عملية شهداء القنيطرة”، نسبة لضحايا الغارة الإسرائيلية والتي راح ضحيتها خمسة قياديين في”حزب الله”وجنرالا إيرانيا. وبدأت قوات الأسد وحلفائها بالهجوم جنوبا.
وفي الفترة نفسه، شنت قوات الأسد شمال حلب هجوما باتجاه الغرب في محاولة لتطويق المدينة وقطع خط امداد المعارضة الى تركيا. وتشارك قوات متحالفة موالية لإيران في هجوم حلب، خصوصا لناحية محاولتها فك الحصار عن بلدتي نبل وزهراء، ذات الغالبية السكانية الشيعية.
وتقول المصادر الأميركية ان قوات الأسد تكبدت خسائر كبيرة كانت جلية في كمية التعزيزات التي استقدمتها بعد أيام على الاندلاع المعارك. بيد ان التعزيزات تشير أيضا الى جدية الأسد وتصميمه على الخوض في حرب استنزاف، واستعداده على الصبر من دون الحسم بسرعة. وترصد المصادر الأميركية دفع الأسد بضابطه صاحب النجم الصاعد العقيد سهيل الحسن، الذي ذاع صيته بعد تحقيقه عدد من الانتصارات الصعبة على مدى السنوات الأربعة الماضية.
في جنوب سورية، تضيف المصادر، حققت قوات إيران – الأسد مكاسب أولية، لكن هجومها ما لبث ان تعثر بسبب مشاكل عديدة، أولها نقص في عدد المقاتلين في صفوف تحالف الأسد – إيران، وهي مشكلة لا تعاني منها المعارضة، ما يعدل ميزان القوى بينها وبين قوات الأسد الاحسن تسليحا وتدريبا وتنظيما.
وتتابع المصادر نفسها ان لعملية الجبهة الجنوبية اهداف مختلفة، فالأسد يحاول ابعاد تنظيمات المعارضة التي اقتربت من جنوب دمشق وتهدد بقطع الطريق الوحيدة الى مدينة درعا، حيث يحتفظ النظام بوجود هناك، وهو صار يرى انه لا بد من جب استنزاف طويلة تعيد سيطرته على المناطق التي خسرتها قواته في الجنوب.
اما”حزب الله” والقوات الموالية لإيران، فتهدف الى انتزاع خط التماس مع إسرائيل بسرعة، للسيطرة عليه وإقامة بنية تحتية عسكرية تعطي إيران والحزب اللبناني المقدرة على شن هجمات ضد الدولة العبرية في مرحلة لاحقة.
إذا، تباين في بعض الأهداف والجداول الزمنية، القصيرة إيرانيا والمفتوحة الأمد للحكومتين العراقية والسورية. ورغم ان كل من الحكومتين تقاتل جنبا الى جنب مع الميليشيات الموالية لإيران، الا ان هذا القتال، ان انتهى يوما، قد يطرح مشاكل حول كيفية تعايش القوات النظامية وغير النظامية، تختم المصادر الأميركية.