يراقب محللون اقتصاديون في الجزائر اليوم عن كثب، انعكاسات تدهور أسعار النفط على مكونات اقتصاد بلدهم وماليته، والقوة الشرائية للمواطن، خصوصاً لذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى. لكن هؤلاء يجدون عملياً صعوبة في التوصل إلى تشخيص الوضع بدقة نظراً الى تضارب المعلومات المتوافرة والتصريحات المتناقضة الصادرة عن مختلف المعنيين بهذا الشأن من المسؤولين والمؤسسات المالية المحلية من جهة، ومن جهة أخرى من المؤسسات المالية العالمية ومصارف الأعمال المتعاملة مع هذا البلد. على أي حال فعلى رغم الجهود المبذولة للتخفيف من وطأة انهيار النفط، إلا أن الأرقام وما يحدث على أرض الواقع تفرض نفسها.
في الشق الأول المتعلق بتصريحات المسؤولين الجزائريين، عمدت السلطات المعنية إلى وضع شركة «سوناطراك» للطاقة والتي توفر أكثر من 60 في المئة من دخل البلاد، في الواجهة، لطمأنة الجميع داخلياً وخارجياً إلى ان ليس هناك إيه خشية من انهيار أسعار النفط ولا أي أثر له على المشاريع التي اضطلعت بها وتعمل على تنفيذها خلال السنوات الخمس المقبلة.
في هذا الإطار ومع ذلك، يبدو أن التصريحات المتفائلة الصادرة عن رئيس مجلس إدارة «سوناطراك» بالوكالة سعيد سحنون في الأسابيع الأخيرة، لم تكن كافية لإبعاد الشكوك المتزايدة لدى أصحاب القرار في الشركات النفطية العالمية العاملة في الحقول الجزائرية، بخاصة أنها تزامنت مع ما ذكره عبد الله البدري الأمين العام لمنظمة «أوبك». اذ اعتبر أن تأثير هذا الانخفاض سيكون ملموساً في الأشهر المقبلة في اقتصاد الجزائر وماليتها، على رغم الاحتياطات الكبيرة من النقد الأجنبي الذي تملكه». ويظهر بالتالي التفاؤل الذي أبداه سحنون حيال تصميم «سوناطراك» على الحفاظ على خطة الاستثمار بالنسبة للعام الحالي، وكذلك بالنسبة للمدى المتوسط لتصل إلى عام 2019. واستند رئيس مجلس الإدارة بالوكالة إلى التوقيع الذي تم في 29 كانون الثاني (يناير) الماضي لبروتوكول التفاهم مع العملاق الأميركي «جنرال اليكتريك»، بهدف إنشاء شركة مشتركة لصناعة التجهيزات المستخدمة في الصناعة البترولية والغازية.
وفي الشق الثاني المتعلق بالمخاوف التي تسيطر على المناخات المترافقة مع انعكاسات انهيار أسعار النفط على اقتصاد الجزائر وماليتها، وبعيداً من التطمينات الصادرة عن «سوناطراك» وغيرها من المؤسسات الحكومية، تدل الخطوات التي بادر بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على حالة الترقب السائدة الموجودة على المستويات كافة. فمنذ أسابيع أوفد بوتفليقة عدداً من الوزراء في طليعتهم رئيس الحكومة عبد المالك سلال، حاملاً رسائل لرؤساء دول «أوبك» ومنها عدد من البلدان المنتجة خارج إطارها. وتفيد المعلومات الواردة من الأوساط المحيطة بوزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي، بأن مضمون الرسائل تلخص بطلب بوتفليقة من نظرائه التحرك سريعاً لتثبيت استقرار الأسعار لاستباق الانزلاق في دوامة الانكشاف وتجنب الدخول في خطط التقشف التي ستكون لها انعكاسات سلبية على كل الأنظمة الحاكمة من دون استثناء.
في هذا السياق يجب التحذير من أن هذه المبادرة ليست الأولى. فقد سبقها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي تفويض الرئيس الفنزويلي نيكولاوس مادورو خلال زيارته الجزائر، بحمل رسائل لكل من إيران والسعودية لإيجاد صيغة تفاهم تؤدي إلى خفض الإنتاج. لكن هذه المبادرة لم تنجح في التوصل إلى نتيجة لأن الرياض لم تعطِ أي رد عليها في حينه.
ومن بين الانعكاسات الأخرى المهمة على انخفاض أسعار النفط، المذكرة حول الأوضاع الاقتصادية التي نشرها البنك المركزي الجزائري بتاريخ 18 شباط (فبراير) الماضي. وهي وثيقة عادت لتؤكد المخاوف التي تتعلق بالتوازنات المالية الخارجية للبلاد. وتأتي أهميتها كونها تحمل توقيع محافظ البنك المركزي الجزائري محمد لكساسي، المعروف بصراحته واعتماده مبدأ الشفافية والبعد من المسايرة. فلقد أوردت المذكرة تدني الاحتياطات الرسمية من النقد الأجنبي بنحو 10 بلايين دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2014. وبالتالي تراجعها من 194 بليون دولار في 2013 إلى 186 بليوناً في أيلول (سبتمبر) 2014، في وقت لم يكف خبراء صندوق النقد الدولي عن المطالبة بخفض التبعية الاقتصادية لقطاع الطاقة (92 في المئة من الإيرادات والتطبيق الفعلي والسريع للإصلاحات البنيوية والاجتماعية.
ونتيجة هذا التدهور في أسعار النفط، يخشى محللون اقتصاديون ومسؤولون جزائريون على السواء، الانعكاسات على مستوى معيشة المواطن، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن فاتورة المواد المستوردة والخدمات تشكل 40 في المئة من الموازنة السنوية. فإذا كان الدعم المقدم من الحكومة للسلع الأولية لا يشكل عبئاً كبيراً عندما كان سعر برميل النفط 100 دولار فما فوق، فمن الصعب التكهن بما ستؤول إليه الحال مع سعرٍ للبرميل يصل إلى 50 أو 60 دولاراً، على رغم أن الحكومة الجزائرية تحسب سعر البرميل في موازنتها على أساس 45 دولاراً.
فهذا الوضع سيكون مقلقاً حتماً للسلطات الجزائرية، لأن وجود فجوة على صعيد القوة الجزائرية للمواطن ستعيد إنتاج الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها البلاد في السنتين الماضيتين وتشهدها حالياً مناطق مهمشة، ما دفع اقتصاديين لتكرار القول «لدينا نظام يزداد غنى بالاحتياطات، ويراكمها ويوظفها في سندات خزينة في الخارج، إلا أن الشعب يزاداد فقراً».