كتب محمد نمر
تعتبر جرود القلمون المحاذية للحدود اللبنانية نموذجاً مصغراً لحال سوريا. هذه البقعة الجغرافية التي تشكل تهديداً للبنان، لا يزال يعيش فيها أكثر من ثلاثة آلاف مسلح دفعتهم المعارك في القلمون إلى التمركز في الجبال والجرود والمغاور، ويتوزعون بانتماءاتهم على “الجيش السوري الحر” وتنظيمي “جبهة النصرة” و”الدولة الاسلامية”.
“أبو بلقيس” البغدادي هو أمير “داعش” الجديد في القلمون، بعد مقتل الأمير السابق “أبو أسامة البنياسي” على يد المسؤول الشرعي للتنظيم هناك “أبو الوليد” المقدسي. وتقول مصادر قيادية في “الجيش الحر”، عالية المستوى، إن “المقدسي أودع في السجن، ويعود سبب اقدامه على قتل أبو اسامة، إلى أن الأخير كان يعتبر الجناح المسالم في داعش، فهو رفض العداء للجيش الحر والنصرة، ورفض مرارا مسايرة أمراء في الدولة الاسلامية”، إذاً من هو البغدادي؟ تجيب: “انه الوجه المختلف للبنياسي. شاب عراقي الجنسية، لا يتجاوز عمره 25 سنة، ومتشدد في العداء تجاه النصرة والحر”.
مقتل البنياسي وتغيير الأمراء ومشكلات البيت الداخلي ونقص الامداد عوامل أضعفت “داعش” في الجرود، إلى أن بات هذا التنظيم في رأي المصادر “لا يشكل أي خطر على لبنان في وضعه الحالي، إلا اذا تلقى إمدادا بالعناصر والسلاح من الداخل السوري”. ويكمن الضعف الأكبر في عدد العناصر الذي بدأ يتراجع: وتقول المصادر في هذا الصدد: “من بايعوا داعش، أقدموا على ذلك خوفاً أو من أجل الاحتماء به، ولا يتعدى عدد الموالين له الـ400 عنصر، أما العناصر التي انضمت إليه أخيرا فبدأت بالعودة إلى صفوفها. هناك نحو 800 من مقاتلي الجيش الحر بايعوا داعش في مرحلة سابقة وبدأ كثيرون بالعودة الى حيث كانوا”.
مبايعات ولا ولاء
غالبية المقاتلين الذين بايعوا “داعش” هم من كتائب القصير وحمص ومنها: “لواء القصير ولواء الحمد وكتيبة الاصالة والتنمية”، وفق المصادر التي توضح أن “المبايعة لا تكون من لواء او كتيبة بكاملها بل من افراد يتنازلون عن صفاتهم”. وأضافت: “موفق أبو السوس هو قائد فرقة الفاروق المستقلة وليس كتائب الفاروق، بات اليوم القائد العسكري لداعش في الجرود، كما بايعها قائد الكتيبة الخضراء نبيل القاضي (من قارة)، ولواء الحق”.
وإن احتمال الدخول في معارك مدن بات مستحيلا، بالنسبة الى “داعش”، وتقول المصادر في “الحر”: “داعش غير قادرة على تهديد لبنان، أما “النصرة” فكانت واضحة بأن وجهتها إلى الداخل السوري، لكن الأكيد أن معارك الكمائن ستستمر”، معتبرة أن هناك “افراطاً اعلامياً في اثارة ضجة حول التنظيمين”، متوقعة انتهاء قوة “داعش” في الجرود خلال أشهر”.
وتضيف المصادر أن الاقتتال بين “النصرة” و”داعش” قائم في أي لحظة، وأن “الخلاف بلغ ذروته مع دخول المقدسي، ووصل إحدى المرات الى تبادل لاطلاق النار”، و”الطرفان يعيشان أياما حذرة ويتحسب كل منهما للآخر. و”النصرة” تخشى عمليات انتحارية “داعشية” مفاجئة، فضلاً عن خشيتها محاولة من “حزب الله” التقدم من بريتال، ولا يستبعد ان يقدم النظام على صرف النظر عن دخول عناصر داعش إلى الجرود من أجل جر الفوضى الى الاراضي اللبنانية”.
يبلغ عديد “الجيش الحر” في الجرود نحو 700 الى 800 مقاتل، ينتشرون بين عسال الورد وفليطا، وتشير المصادر إلى أن “جميع فصائل الجيش الحر انضمت الى تجمع القلمون الغربي، بقيادة العقيد عبد الله الرفاعي الذي يتلقى المقاتلون الاوامر منه ويتبعون إلى المجالس العسكرية، عاملين باشراف غرفة عمليات الجبهة الجنوبية التي تضم درعا والسويداء والقنيطرة ودمشق وريفها، وهي المعروفة بـ”الموك” والمدعومة من اميركا وبعض الدول العربية”، واكدت المصادر أن “الغرفة ترسل السلاح والذخائر لهم اضافة الى رواتب شهرية”.
لماذا لا يهاجمون “داعش”؟ تجيب: “هذا ما يسعى إليه النظام والحزب، أن يقاتل بعضنا بعضا كي يتسلم الحزب والنظام الجرود. ثم إن مواقع الجيش الحر بعيدة من داعش ولا نقترب من مواقعه. ولكن عندما يعتدي علينا فلا نسمح له”.
الإمداد من لبنان وسوريا
تقول المصادر إن “مسلحي الجرود يتلقون امداد الذخائر والسلاح من الداخل السوري، والغذاء من جرود عرسال، وتحديداً وادي حميد”، موضحة أن “المنطقة هناك يعيش فيها لبنانيون ونازحون سوريون، وفيها محال تموينية وعاملون في تصليح السيارات، فضلاً عن محطات وقود يستفيد منها المقاتلون بمن فيهم مقاتلو “داعش”، كما انها تؤمن قوت النازحين هناك”، كاشفة أن “المقاتلين يشترون الغذاء بسعر مضاعف ثلاث مرات عن الاسعار المتداولة في عرسال”.
وتؤكد أن “لا سيطرة لأي فصيل مسلح على هذه المنطقة، بل اتفق الجميع على انها ممنوعة من الأعمال المسلحة، واقتصار اللجوء إليها لتأمين المستلزمات الغذائية والعودة إلى الجرود، وليست هناك مخططات عسكرية لها”، إلا أنها كشفت عن وجود “حاجز لـ “داعش”، يبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن “طلعة الملاهي” خارج وادي حميد، مهمته القبض على عناصر الجيش الحر”.
أما الاسلحة والذخائر، فان “الجيش الحر” يحصل عليها من غرفة “الموك” عبر مهربين من القلمون الشرقي، وشددت على أن “امكان خروج سلاح من عرسال مستحيلة. إذ كان هذا الاحتمال قائما في البداية، ولكن لم يعد هناك سلاح داخل عرسال لبيعه”.