Site icon IMLebanon

ضعف الإنتاجية وراء مستويات المعيشة الراكدة في بريطانيا

UKEconomy2

مارتن وولف

في السنة المالية التي تنتهي في 5 نيسان (أبريل)، المتوسط الحقيقي لدخول الأسر في المملكة المتحدة سيستعيد في نهاية المطاف مستويات 2007/ 2008. هذا ما يتوقعه معهد الدراسات المالية. هل يعني هذا أن النقاش حول “مستوى المعيشة” في المملكة المتحدة يجب أن يتوقف؟ لا، بل هو نقاش في غاية النشاط، ليس فقط فيما يتعلق بالماضي، لكن أيضا فيما يتعلق بالمستقبل.

السمة اللافتة لتحليل معهد الدراسات المالية هي ضعف الانتعاش. تشير التقديرات إلى أن المتوسط الحقيقي للدخول انخفض بنسبة 4 في المائة بين عامي 2009/ 2010 وعامي2011/ 2012. هذا ليس استثنائيا، فقد انخفض بنسبة 7.3 في المائة بين عامي 1973 و1977 وبنسبة 5.7 في المائة بين عامي 1980 و1982. لكن من المتوقع للمتوسط الحقيقي للدخول أن يرتفع بنسبة 1.8 في المائة فقط في السنوات الثلاث بعد 2011- 2012، مقابل 13.2 في المائة و9.2 في المائة في السنوات الثلاث بعد انخفاضات السبعينيات وأوائل الثمانينيات. الانتعاش في مستويات المعيشة ضعيف جدا هذه المرة. وهذا ما يفسر إلى حد كبير الركود، وليس شدة الانخفاض في فترة ما بعد الأزمة.

من المهم أن نفهم ما الذي تعنيه الأرقام التي يستخدمها معهد الدراسات المالية. فهي تظهِر دخل الأسر بعد خصم الضرائب والفوائد. لكنها تستبعد الخدمات المقدمة للجمهور، مثل الصحة والتعليم. هذا استثناء مهم، لأن هذا الأخير يؤثر أيضا على مستويات المعيشة، عند قياسها بالشكل الصحيح.

الصورة العامة للانتعاش البطيء بشكل رديء واضحة تماما. حقيقة أن معدل الاستهلاك لكل فرد من السلع الاستهلاكية الذي كان أقل بنسبة 3.8 في المائة في الربع الثالث من عام 2014 منه في الربع الأول من عام 2008، تؤكد هذا الواقع. في النقطة نفسها بعد فترة الركود في أوائل الثمانينيات، كان هذا الاستهلاك أعلى بنسبة 14.4 في المائة. ويشعر الناخبون بالغضب لأسباب مفهومة. لا يمكن العثور على مثل مستويات المعيشة الراكدة الطويلة هذه في الذاكرة الحية.

المهم أيضا هو الأثر التوزيعي لكل من الأزمة نفسها وتداعياتها. بعدما نضع في الحسبان التغيرات في الأرباح الحقيقية وفي الضرائب والفوائد وأسعار المواد الغذائية والطاقة، يظهر أن التأثير كان مماثلا تماما عبر توزيع الدخل. لكن هذا ليس صحيحا بالنسبة لتوزيع العمر. من هم في سن العمل، وبخاصة الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 22 و30 عاما كانوا الأكثر تضررا، في حين أن من هم أكثر من 60 عاما كان وضعهم جيدا نسبيا. يرجع ذلك جزئيا لأن الحكومة تحمي المسنين، وجزئيا لأن هذه المجموعة أقل اعتمادا على الأجور والرواتب، التي تضررت بشكل مباشر من الأزمة.

هذه التفاصيل معقدة، لكن الصورة العامة ليست كذلك. في الربع الثالث من العام الماضي – على الرغم من الانتعاش الذي يتباهى به الجميع في اقتصاد المملكة المتحدة – كان الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد نفسه كما في الربع الثالث من عام 2006، 1.8 في المائة أقل مما كان عليه في الربع الأول من عام 2008 (ما قبل ذروة الأزمة). وقد أعطى هذا للمملكة المتحدة شيئا قريبا جدا من العقد الضائع. أما لماذا يجب أن يكون مثل هذا الانتعاش الضعيف مسألة تستحق التهنئة، فهذا أمر من الصعب فهمه. هل السبب هو أن وضع منطقة اليورو يظل أسوأ؟

نظرا لهذا، تجدر الإشارة إلى أن المعيار الحقيقي لمتوسط المعيشة ارتفع في واقع الأمر في العامين الأولين بعد 2007/ 2008 ثم انخفض بنسبة 4 في المائة فقط بين 2009/ 2010 و2011/ 2012، على الرغم من الانخفاض من الذروة إلى القاع في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الفصلي للفرد الواحد كان 7 في المائة. الأمر الذي شكل وقاية مهمة لمستويات المعيشة، في البداية ـ كان زيادة الاقتراض الحكومي. لا جدال في أن هذا كان هو السياسة الصحيحة. في وقت الأزمة الحادة، كانت الحكومة محقة في السماح لميزانيتها العمومية بأن تتحمل هذا الإجهاد. لكن بمجرد أن تبدأ الحكومة بإغلاق عجزها، على النحو الذي اختار الائتلاف أن يفعله بعد عام 2010، من المرجح لمعايير قياس المعيشة أن تتخلف وراء حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أن المدى الذي سيتبين فيه أن الأمر على هذه الحال سيعتمد بالضبط على كيفية إغلاقها للعجز والمدى الذي ستبلغه في ذلك. والخيارات هنا لم تتخذ حتى الآن.

بالتالي السبب الرئيسي للانتعاش البطيء في مستويات المعيشة هو الانتعاش الضعيف في حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. وبالنظر إلى الأداء القوي للتوظيف، فإن هذا الضعف، بدوره، مرتبط مباشرة بالأداء الضعيف للإنتاجية. في الربع الثالث من عام 2014 كان معدل الناتج لكل وظيفة مشغولة في الاقتصاد البريطاني لا يزال أدنى بنسبة 1 في المائة ما كان عليه في الربع الأول من عام 2008. والواقع أن الناتج لكل ساعة كان أدنى بنسبة 1.8 في المائة. وهناك سؤال مهم هو إلى أي مدى يستطيع رد فعل سوق العمل المرنة على ضعف الطلب المدفوع بالسياسة أن يفسر هذا الأداء الضعيف بصورة عجيبة في ناتج الإنتاجية.

وعليه، ما سيحدث لمستويات المعيشة في البرلمان المقبل يتوقف جزئيا على مدى التشديد المفروض في المالية العامة وكذلك على المدى الذي يمكن أن يذهب إليه. لكنه يعتمد بالدرجة الأولى على ما إذا كان هناك في الطريق ارتفاع قوي ومستدام في الإنتاجية. إذا كان الوضع كذلك، فإن المخاوف من المالية العامة والمخاوف حول مستويات المعيشة الراكدة سوف تختفي. وإذا لم يكن الوضع كذلك، فإن الرغبة في الحصول على دخول حقيقية أعلى سوف تتحول إلى لعبة محصلتها صفر (يربح فيها طرف على حساب طرف آخر). عندها سوف تصبح المجادلات السياسية قبيحة. هذه هي أكبر قضية. وكل ما عداها فهو ثانوي.