IMLebanon

الظاهرة الاقتصادية الأحدث: وظائف أكثر وأجور أقلّ!

sleeping-in-work
طوني رزق
إنّ الظاهرة الجديدة في الزمن المعاصر، وحتى في الولايات المتحدة الأميركية، انّ عدد الوظائف الجديدة يزداد من دون ان يترافق ذلك مع تحسّن في مستوى الأجور، والنتيجة خطر على الاقتصاد والمجتمع معاً. امّا في لبنان، والى جانب المعضلة ذاتها، فهناك آلاف المؤسسات غير مطابقة للمواصفات على مستوى شروط العمل والأجور.
لم تستقم بعد أوضاع أسواق الوظائف عموماً في مختلف أنحاء العالم وطبعاً في لبنان ايضاً، وحتى في الولايات المتحدة الاميركية التي تراجعت فيها نسبة البطالة الى مستويات متدنية بلغت في كانون الثاني الماضي 5,7 في المئة ثم تدنّت الى 5,5 في المئة في شباط 2015 المنصرم.

ومع السعي العالمي لتخفيض نسبة البطالة بالموازاة مع تعزيز النمو الاقتصادي في العالم (الأمر الذي أقرّ في آخر اجتماع لمجموعة العشرين، والذين فضّل تحفيز النمو وتحسين سوق الوظائف الى اولوية إضفاء الدين العام ومعالجة العجز في الموازنة) وعلى رغم نجاح الولايات المتحدة في ذلك، وهي القدوة والمثال، الّا انّ النتيجة لم تكن مرضية، فزيادة عدد الوظائف الجديدة لم يكن يعكس تحسن مستوى المعيشة، إذ جاءت الأجور اقلّ ممّا هو متوقع.

ولذلك تداعيات سلبية على النمو الاقتصادي من الجهة المقابلة، فأجور أقلّ يعني قدرة محدودة على الاستهلاك، وبالتالي دعم أقلّ للانتعاش الاقتصادي فلا إنتاج اكبر اذا لم يقابله استهلاك اكبر ايضاً.

وهنا تكمن المعضلة الجديدة وهي تحسين مستوى الاجور، إذ لم تعد نسبة البطالة وحدها المقياس، فقد دخل عامل جديد وهو حجم الأجور المدفوعة وقد سجّل نوع من الهوة الكبيرة بين الانتاجية والاجور المدفوعة، والتي يجب ان تشهد تعديلاً يواكب المعايير الاقتصادية الاخرى.

ويبدو انّ هذه النقطة الاساسية التي سجلها الاحتياطي الفدرالي الاميركي على الاقتصاد في الولايات المتحدة الاميركية، والذي يبدو انه اعتبره في حالة انتعاش حذرة ريثما يسجّل تحسّن أفضل واكثر واقعياً على مستوى الاجور. إذ انّ بقاء مستوى الاجور منخفضاً ما زال يشكل خطراً على التعافي الاقتصادي بشكل عمومي. فهل هناك ما يحول دون استرجاع قدرة العمّال والموظفين على المفاوضة؟

هذه القدرة تآكلت نتيجة واقع حلول الآلات مكان العنصر البشري. كذلك فإنّ ارتفاع حدة المنافسة بين العمال والموظفين تستطيع هي الاخرى إضعاف قدرتهم على التفاوض مع ارباب العمل للحصول على أجور افضل.

وعليه، فقد بات على المصارف المركزية في مختلف انحاء العالم، وبدءاً بالاحتياطي الفدرالي الاميركي، الانتباه الى أهمية العمل بالتوازي مع زيادة عدد الوظائف وتحسين مستوى الاجور في الوقت عينه.

علماً انّ السوق اللبنانية تشهد آلاف الوظائف بمستويات اجور منخفضة جداً الى حد استذكار عصر العبودية والعمل بالسخرة. والى جانب ضعف الاجور المدفوعة، هناك آلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا تشكل اي ضمانة لموظفيها او لعمالها أكان ذلك على مستوى التعويض او العطاءات المدرسية والطبية والتنقلات أو حتى على مستوى شروط العمل.

فعبارة غير مطابق المواصفات تنطبق كثيراً على عدد كبير من المؤسسات اللبنانية، وقد تحتاج الى وزير كوائل ابو فاعور لملاحقة هذه المؤسسات وكشفها وفَرض الغرامات عليها او حتى إقفالها ريثما تصحّح شروط العمل لموظفيها وعمّالها.

ويبدو انّ هناك نقصاً خطيراً على مستوى مراقبة هذه المؤسسات وملاحقتها. وتأثرت السوق اللبنانية بالنزوح السوري الكثيف الذي زاد هذه المنافسة والمقاربة في سوق الوظائف اللبنانية، وجاءت صرخة مدوية مؤخراً من كوادر مهمة مثل العاملين في حقل التعليم الجامعي في الجامعة الاميركية، حيث ظهر تفاوت كبير لصالح الاساتذة الاجانب، ومنهم السوريون بالإضافة الى جنسيات أخرى.

فهل تكون المعالجة في زيادة الحد الادنى للأجور ام في ملاحقة المؤسسات وإلزامها تطبيق القوانين المرعيّة؟

يبدو انه على الحكومات العمل على الجبهتين لتحسين شروط العمل وتوفير مناخات افضل للنمو الاقتصادي وامتصاص بؤر التوتر من المجتمعات والتي تشتد ضغوطها يوماً بعد يوم على السلطات الرسمية في مختلف انحاء العالم. علماً انّ الحد الادنى للأجور لم يحدد لموافاة الحاجة للعيش الكريم، انما هو فقط لدخول سوق العمل والتقدم في ما بعد.

في النهاية يجدر الالتفات ايضاً الى اللبنانيين العاملين في الدول الخليجية والعربية، والذين يبدو انّ قسماً كبيراً منهم يعمل في ظروف مجحفة وبأجور ضئيلة، من دون أن يلمسوا اي تعاضد او حماية من الدولة اللبنانية، لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر.