بعد حوالي السنة والسبعة أشهر على اغتيال المحلل السياسي السوري محمّد ضرار جمو، أصدر قاضي التحقيق الأوّل في الجنوب منيف بركات قراره الظني بالقضيّة. حينها، اهتزّ لبنان على وقع جريمة الصرفند التي حصلت في 17 تمّوز، وسرعان ما تحوّل جمّو إلى «شهيد الغدر» وذهب كثيرون إلى الربط بين الرصاصات العشرين التي اخترقت جسده وبين الحرب السوريّة على اعتباره مقرباً من النظام السوري.
ولكن لم يمضِ أقلّ من 48 ساعة، حتى بدأت السيناريوهات السياسيّة تسقط من تفاصيل الجريمة، لتتحوّل بعد أيّام إلى جريمة بدوافع عائليّة.
زوجة جمّو سهام يونس (اللبنانيّة) التي ظهرت في كلّ وسائل الإعلام متشحة بالسواد تبكي زوجها وتقول: «لو الحكي يعيد إليّ زوجي لتكلّمت»، ثم انتقلت إلى اللاذقية للمشاركة في مراسم دفن زوجها، تمّ توقيفها بعد أيّام قليلة. هي ليست»شاهدةً»، وإنّما هي المتّهمة الرئيسيّة بقتله، بالإضافة إلى شقيقها وابن شقيقتها. فيما ظلّت علاقة ابنة جمو فاطمة (التي كانت تبلغ في حينه 18 عاماً) بالقضيّة، تشوبها الكثير من علامات الاستفهام.
أقرّت سهام أنّها تخلّصت من زوجها نتيجة معاملته السيئة لها من الناحية الزوجيّة والماديّة وخشيتها من ارتباطه بفتاة أخرى، إذ روت أنّه لم يكن يعطيها المال الكافي لتصرف على نفسها وابنتها بالرغم من وضعه المادي المريح ولتغيّبه عن المنزل للذهاب إلى سوريا، حتّى أنّها خافت كثيراً من ردّة فعل زوجها الذي أودعها مبلغاً زهيداً من المال للاحتفاظ به، فما كان منها إلّا أن تصرّفت به لشراء تلفون لابنتها فاطمة بعد نجاحها في الامتحانات الرسميّة. وروت سهام أن زوجها محمّد صار يتغيّب كثيراً عن المنزل ويعاملها ببرودة، ما دفعها إلى الشكّ بأنّه سيرتبط بفتاة أخرى، مشيرةً إلى أن الدافع الأكبر لارتكابها الجريمة هو منعه من تحقيق رغبته بنقل ابنته من السكن معها والانتقال إلى سوريا للعيش هناك مع أهله.
وتبيّن التحقيقات، طبقاً لمضمون القرار الذي أصدره القاضي بركات، أنّ سهام فاتحت كلاً من شقيقها بديع يونس وابن شقيقتها علي يونس في الأمر بتاريخ 15/7/2013 (أي قبل يومين من تنفيذ عمليّة القتل) أثناء تواجدهما في منزل ذويها لتناول طعام الإفطار، إلّا أن بديع رفض قتل صهره لعدم قدرته على ذلك، ولكن جاراها علي يونس بطلبها، خصوصاً أنّ سهام أغرتهما بمساعدة ماديّة لتأسيس معمل رخام.
وبهدف وضع تفاصيل العمليّة، تمّ الاتفاق على عقد لقاء ثانٍ في منزل سهام، حيث توجّه إليه بديع وعلي صباح 16/7/2013 غير أنّ سهام طلبت منهما عدم الدخول كون زوجها لا يزال في المنزل، فغادرا على الفور. وتواصل بديع مع شقيقته عبر الـ «واتس أب» حتى أعلمته بخروج زوجها، وعادوا قرابة الساعة الثانية عشرة والربع بغية تبادل عدّة خطط لتنفيذ الجريمة وذلك بحضور ومشاركة ابنة جمّو فاطمة.
وطرح المشاركون 3 خطط: الأولى تقضي بأن يقف علي على مطلع درج البناء منتظراً وصول جمّو لإطلاق النار عليه، فيما تكون سهام قرب سيارة زوجها وبديع وفاطمة داخل غرفة النوم. والخطّة الثانية تعتمد على أن يقف علي وبديع في الصالون خلف الباب ليطلق علي عليه النار فور دخوله، على أن يتمّ خلع باب شرفة المطبخ ووضع قطعة ملتوية من الحديد على الدفاع الحديد المثبت على الشرفة لتعليق حبل عليه، بهدف تضليل التحقيق وإيهام المحققين أن مجهولين تسلّقوا الشرفة وقتلوا جمّو، إلا أن سهام رفضت هذه الخطّة مخافة أن يشاهدهم أحد الجيران أثناء ربط الحبل. وبعد جوجلة الخطط، استقرّت الآراء على تنفيذ الخطة الثالثة التي طرحتها فاطمة!
وبعد أن تناولوا طعام الإفطار في منزل بديع، توجّه الأربعة إلى منزل سهام قرابة الساعة التاسعة والنصف ليلاً. حينها أعطت سهام علي بندقيّة حربيّة من نوع كلاشينكوف عائد لزوجها فتفحصها علي وتأكّد من صلاحيّة استعمالها والمخزن الموضوع فيها. ثم توجّه الأربعة إلى الشرفة ينتظرون حتى وصل جمّو حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل وتم تنفيذ الجريمة على النحو المخطط لها.
كعادته أطلق محمّد جمّو منبّه سيارته لتنزل زوجته. فلاقته سهام، التي كانت عطّلت كاميرا المراقبة الموجودة حول المنزل، وراحا ينقلان معاً الأغراض التي أحضرها معه. وعند صعوده للمرّة الثانية إلى المنزل ودخوله الممر المؤدّي إلى غرفة الجلوس عاجله علي، الذي كان مختبئاً في الصالون، بإطلاق النار عليه حتى فرغ مخزن البندقيّة ليلفظ أنفاسه مباشرةً بنتيجة إصابته بما يزيد عن العشرين رصاصة في أنحاء متفرّقة من جسمه، ليعمد بعدها إلى دخول غرفة نوم فاطمة ويسلّم البندقيّة إلى بديع الذي وضعها على صدر فاطمة، المتظاهرة بالإغماء، ولفّها بشرشف بحجّة نقلها إلى المستشفى. ثمّ خرج الثلاثة إلى أمام المنزل، حيث لاقتهم سهام وسلّمت علي مفتاح سيارة جمّو. وانتقل الثلاثة في السيارة إلى منزل بديع، حيث خبأ علي السلاح في خزان للمياه بجانب المنزل.
سهام وبديع وعلي أقروا بمسؤوليتهم عن الجريمة، وبقيت فاطمة على نفيها باشتراكها بعمليّة قتل والدها مناقضةً إفادة الثلاثة الآخرين الذين أكدوا مسؤوليتها. غير أن القرار الظني لم يركن إلى إفادتها وأقوالها، إذ أنّها قالت للمحققين إنّها كانت نائمة في ذلك الحين، فيما القرار يشدّد على أنّه «لا يمكن تصديق روايتها حول نومها وفقدانها الوعي فور استيقاظها من دون أن تعلم بما جرى لوالدها». كما أشارت «داتا» الاتصالات أنّها كانت على تواصل مع صديقها م. ي. قبل دقائق معدودة من إطلاق النار على والدها.
في المحصلة، طالب القاضي منيف بركات في قراره عقوبة الإعدام لزوجة جمو سهام يونس وابن شقيقتها علي خليل يونس بعدما اتهمهما سنداً الى المادة 549 عقوبات، والعقوبة عينها لشقيق سهام بديع محمد يونس وابنتها فاطمة جمو (التدخّل بالجرم)، سنداً الى المادة 549 معطوفة على المادة 219 عقوبات، وظن بعلي خليل يونس سنداً الى المادة 72 أسلحة (سلاح غير مرخّص).