نصير الحسون
اعترف محافظ المصرف المركزي العراقي علي العلاق، بوجود عمليات تهريب للعملة الصعبة إلى الخارج، ولم يخفِ شكوكه في تورّط مصارف أهلية سبق أن قدمت مستندات مزوّرة لشراء الدولار من مزاد المصرف المركزي. وأعلن في مؤتمر صحافي، الشروع في اعتماد آليات جديدة تختلف عما كان متبعاً من جانب الإدارات السابقة، أهمّها تقليص الاعتماد على نافذة مزاد بيع العملات، والتي استحدثت عام 2004 بهدف الحفاظ على استقرار أسعار الصرف، وتعزيز قيمة الدينار، وتأمين العملة الصعبة للسوق العراقية.
ولفت إلى أن نافذة المزاد لم تعد يومية، وستُعتمد آليات تدقيق مختلفة عن التي كانت سابقاً، خصوصاً أن من وظائف «المركزي» توفير العملة للتجارة الخارجية، مشيراً إلى أن آليات بيع العملة من طريق الحوالات ستجري إلكترونياً بدلاً من المستندات التي كانت تقدّم سابقاً من المصارف.
وأشار العلاق إلى أن «المصرف مارس عملية بيع العملة الأجنبية من طريق المزاد لأكثر من عشر سنوات، وهذا الإجراء غير صحيح، لأن الكثير من دول العالم تعتمد هذه الطريقة في ظروف استثنائية لخلق توازن واستقرار للعملة»، مؤكداً أن «عمليات بيع الدولار تحوّلت من وسيلة للتجارة الخارجية إلى المضاربة في الأسواق وجني الأرباح وإبعاد المصارف عن نشاطها الحقيقي». واتهم «بعض الشركات غير المصرفية وحتى التجارية ورجال الأعمال، بالتحوّل من نشاطهم إلى المضاربة بالعملة، مستفيدين من سهولة الإجراءات والربح المضمون والسريع، إضافة إلى أن طبيعة عمل هذه الأطراف أصبحت غطاءً لتسهيل كثير من العمليات المتعلقة بتهريب الأموال».
واعتبر العلاق أن البيع النقدي للدولار، هو الجزء الأخطر في عمليات البيع المتّبعة في المزاد، والتي وصلت إلى مبالغ قياسية في السنتين الأخيرتين، مسجّلة 15 بليون دولار سنوياً، لافتاً إلى أن «هذه المبالغ تعدّ كبيرة جداً قياساً الى وارداتنا من الدولار، وإلى حاجة البلد من النقد لتغطية نفقات المسافرين والعلاج وغيرها». وأكد «المركزي» أنه منفتح على إمكان دعم الاقتصاد العراقي، مرجحاً السيطرة على عملية تداول بيع الدولار من خلال تطبيق إجراءاته الجديدة.
ولفت العلاق إلى أن مسؤولين أشاروا الى انخفاض احتياط العملة الصعبة لدى المصرف المركزي، مؤكداً أن العراق لا يعاني من أي مشكلة، ولديه إيرادات جيدة ولا مجال لديه لأي مخاوف. وكشف عن وجود «ميل الى زيادة الذهب في سلة الاحتياط»، ومشيراً إلى أن «قضية الشراء متحركة وتخضع لدرس مستمر»، وأن «المصرف يحرّك هذه السلة في شكل شبه يومي للوقوف على قيمة العملات وأسعار الفائدة وسوق السندات والأوراق المالية وأسعار الذهب». كذلك، أكد أن «حجم الاحتياط الذي يملكه المصرف المركزي يتجاوز الكتلة النقدية بمرة ونصف مرة، ما يتيح السيطرة على العملة، ولا توجد أي مخاوف من عملية بيع الدولار أمام الدينار».
وأعلن مجلس الذهب العالمي في كانون الثاني (يناير)، أن العراق احتلّ المرتبة 37 عالمياً في حجم احتياط الذهب والخامسة عربياً، حيث بلغ ما يملكه من الذهب 89.5 طن. وقرر المصرف المركزي في 23 كانون الثاني 2014، سكّ تشكيلة من سبائك الذهب تتراوح أوزانها بين 50 غراماً وكيلوغرام واحد، لبيعها بالدينار للمتعاملين بالذهب والمستثمرين.
من جانب آخر، أكد المصرف المركزي أنه يدعم المصارف الخاصة من خلال إقناع الحكومة بوضع ودائعها في المصارف الحكومية، وهو يدرس بعض القوانين التي تتيح دعم الاقتصاد العراقي».
وسبق للعلاق أن اعترف حين شغل منصب الأمين العام لمجلس الوزراء، بأن المصرف المركزي العراقي تمكّن من بيع أكثر من 200 بليون دولار عبر مزاد بيع العملات الأجنبية خلال ثماني سنوات، مؤكداً أن خمسة في المئة من التحويلات الخارجية تتم بالطرق القانونية. وقال حينها في حديث إلى «الحياة»، إن المبالغ التي هُرّبت إلى خارج العراق خلال السنوات الماضية، تقدّر بـ 180 بليون دولار، موضحاً أن أقل من 5 في المئة فقط من التحويلات الخارجية تتم بالطرق القانونية، مشيراً إلى أن الحكومة عندما تحضّ المصرف المركزي على تكثيف رقابته على حركة الأموال، فإن ذلك لا يعدّ تدخلاً في عمل المصرف بل يأتي للحفاظ على المال العام.
وقالت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار، نورة البيجاري، في تصريح إلى «الحياة»، إن اللجنة سبق أن «ناقشت خلال استضافة محافظ المصرف المركزي، بعض هذه الآليات التي نأمل في أن تكون أكثر فاعلية للحدّ من الظواهر السلبية، خصوصاً تهريب العملة». لكنها لم تخفِ توجّسها من إمكان حدوث تقلبات قوية في قيمة الدينار، بسبب تقليص المعروض من الدولار في المزاد من كميات مفتوحة تعتمد مبدأ الطلب، إلى 75 مليون دولار يومياً.