Site icon IMLebanon

سكك الحديد بعد 40 عاماً: محاولة إحياء تبدأ بورشة في مكتب المدير !

BeirutTrain
باسكال صوما
من باب الصـدف أتت زيــارة «الســـفير» لـ«مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك» مع بدء ورشة «تجديد» لمكتب المدير العام زياد نصر، فيما مضى على توقف خطوط السكك في لبنان أكثر من 40 عاماً، وسقوط كل محاولات الترميم أو الإنقاذ، التي بقيت حلماً في البال، أو في أحسن الأحوال حبراً على ورق.
وإذ كان اللقاء في مكتب مجاورٍ لمكتب نصر بسبب «الورشة»، كان السؤال الأول وربما الوحيد: «سكك الحديد في لبنان لمَ لا؟». وإذ يمكن القول إن الجواب المقنع قد تعثّر طيلة اللقاء، فيمكن إيجازه بحسب نصر، بأنّ «نقص التمويل يلعب الدور البارز في عدم تشغيل الخطوط من جديد، إضافةً الى أن ادارة السكة عاشت ظروفاً صعبة وتعرضت للاهمال، فحتى الطاقم البشري لا يمكن الاعتماد عليه للدخول في مشروع كبير كإعادة احياء سكك الحديد». ويوضح نصر أن «تشغيل السكك ليس بالامر السهل، بعدما تدمّرت البنى التحتية وتعطلت الخطوط»، مشدداً على «أهمية الالتزام بمعايير السلامة في أي مشروع جديد يخص السكة».
ويضيف: «لذلك كان مستحيلاً ان نوافق على بعض المشاريع والدراسات التي قدّمتها جمعيات ليس لها الخبرة المطلوبة في هذا المجال»، معلناً عن أن «مجلس الإنماء والإعمار يعدّ حالياً دراسة حول سكك الحديد للبحث في امكانية احياء الخط بين بيروت وطرابلس والعبودية، إنما في المعايير المطلوبة راهناً، ما سيتطلّب بطبيعة الحال تعديل المسارات وتغيير المعدات، لا سيما أن في بعض المناطق السكك غير صالحة أبداً، ما قد يعرض سلامة الناس والبضائع للخطر». ويستدرك في القول: «لكن لا يمكنني تأكيد أي شيء». (هذا مع العلم ان جمعية «تران تران» أوضحت لـ«السفير» انها تقدّمت باقتراحات ودراسات وهي تضم مستشارين ومتخصصين دوليين في مجال النقل والسكك الحديدية).
وإذ يفيد نصر بأن في المصلحة 320 موظفاً، 7 منهم يعملون في سكك الحديد تحديداً، وميزانية المصلحة هي 12 مليار ليرة، علماً أن السكة يمكن أن تموّل نفسها بفضل الاستثمارات التي تسمح بها على مواقع السكك والتي تتقاضى لقاءها مبالغ جيدة». وعن سؤالٍ حول طبيعة عمل الموظفين في المصلحة في ظل توقف القطارات والخطوط منذ سنوات، يقول نصر: «يعملون بشكلٍ أساسيّ في مراقبة الخطوط، إذ هناك تعديات كثيرة على السكك».
هذا مع العلم ان إدارة الموظفين في مجلس الخدمة المدنية أجرت في آب الماضي مباراة للتعاقد على المهام التالية لدى مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك: مراقب عقد نفقات/عدد 1 رئيس محاسبة /عدد 1 ومحتسب/عدد1.
ويرى نصر أنّ «لبنان يحتاج الى خطة نقل مشترك متكاملة، تكون سكك الحديد جزءاً منها لتسهيل حياة الناس، وتبسيط عملية نقل الركاب والبضائع بين المناطق وتخفيف حدة زحمة السير».
بيوتٌ للقطط
وإذ يبدو الوضع مأساوياً بما يكفي، ويبدو الحلم بعيداً، تنتقل الصورة القاتمة الى سكك الحديد المنتشرة في المناطق اللبنانية من رياق الى بحمدون وبعبدا، وفرن الشباك ومار ميخائيل، وصولاً الى طرابلس والعبودية. إذ يكاد أحدٌ لا يمرّ بين تلك السكك، باستثناء القطط وبعض العشاق الهاربين، أو محبّي الصور. تلك السكك التي كانت تضجّ حياةً ورحلات، أصبحت اليوم مناطق مقطوعة، يكاد المارّ فيها يرتعب، فهي برغم روعة المشهد، تعاني من إهمالٍ كبير، شوّه الطبيعة وجعلها وكراً للنفايات والأوساخ والشجر اليابس.
كل المشاريع الإنمائية لإنقاذ القطار أو إعادة شيءٍ من الحياة إليه، باءت بالفشل. ويقول موظفون سابقون في سكة الحديد لـ»السفير» إن «كلّ الأيادي البيضاء انسحبت من ملف سكّة الحديد، بعدما تبيّن أنّ أحداً من المعنيين لا يسعى بشكلٍ عمليّ لحلّ هذه القضية، أو على الأقلّ تحويل السكة الى متحف او مكان أثريّ، فحتى المحاولة التي رشّحت للنجاح في التسعينيات مع اعادة تشغيل القطار، انتهت سريعاً كونها لم تكن تعتمد على معايير السلامة، ووقع من جرائها ضحايا».
اقتراحات مرفوضة
يخبر رئيس جمعية «تران تران» الياس المعلوف «السفير» أنّ «هناك دوماً من يعطّل المشاريع والدراسات، فهي ليست مرّة، بل مرات عديدة حاولنا خلالها تقديم مشاريع واقتراحات، لكنها قوبلت دائماً بالتأجيل أو النسيان أو الرفض المباشر».
ويشير الى ان «الجمعية قدّمت قبل شهرين تقريباً طلباً الى مصلحة السكك تضمنت ثلاثة مطالب، الأول السماح بتشغيل خط بين البترون وجبيل بتكلفة لا تتعدى الـ600 الف دولار، السماح بإنشاء مركز للأرشيف والأبحاث في محطة مار مخائيل ويليه متحف صغير، متحف في رياق للسكك، مهرجان للمحطات بهدف التوعية على اهميتها، وأخيراً طلب للمشي على السكك». ويضيف المعلوف: «لم يصلنا أي ردّ، وهذا قانوناً يعني عدم الموافقة بعد شهرين على تقديم الطلب، لذلك تقدّمنا بطعن الى مجلس شورى الدولة، وننتظر حالياً ردّه».
ويسأل المعلوف: «من المسؤول اليوم عن التعديات التي تحدث على الخطوط ومن يدافع عن السكة وعن حق اللبنانيين؟»، مشيراً الى أن «مشاريع كثيرة قامت مكان السكك وأضرَّت بها مثل الملهى الليلي الذي أنشئ على سكة مار مخايل، والمشاريع الضخمة الأخرى مثل ما يحدث في سكة فرن الشباك، فيما يُمنع المواطنون العاديون من المشي على السكك». ويرى أن «الاموال التي تخصص للجسور والانفاق، يمكن ان تختصر بالتركيز على موضوع اعادة تشغيل سكك الحديد، وإن لم يكن ذلك متوفراً الآن، أليس أدنى الإيمان أن تنشأ المتاحف التي تحمل ذكريات الزمن الجميل؟».
ضحية الحرب
يقول جوزيف (موظف سابق في السكة): «قد يكون لبنان البلد الوحيد في العالم الذي استغنى عن خدمات سكك الحديد وإن كان ذلك بفعل الحرب والأحداث وما استُتبع»، مشيراً الى أنّ «أيام العزّ التي عرفها لبنان أيام القطار، لم يعرف مثلها أبداً، فالقطار كان ملتزماً برحلات يومية، ينقل الركاب بأمان من رياق الى بيروت الى طرابلس والناقورة». ويخبر أن «الحوادث التي حصلت في القطار وأدت الى أضرار تُعدّ على أصابع اليد، إذ كان آمناً ومتطوّراً في حينها».
ويخبر سليم أن «الحرب أكلت السكة وأكلت تعب أيدينا، ولم تترك فيها سوى الصدأ، فقد نهبت وسرقت ولم يحمها أحد».
ثمّ يستدرك بالقول: «لا يمكننا ان نبقى اسرى الحرب، إلا أن عدم الاهتمام بإنعاش هذا المرفق الحيوي في كل الحكومات التي تلت الحرب هو الفضيحة الحقيقية»، مشيراً الى ان «باستطاعة السكك الحديدية ان تحلّ مشكلة زحمة السير والمواصلات في لبنان، وأن تسهّل عمليات نقل الناس والبضائع بشكلٍ سريع وآمن، لكنّ أحداً لا يبحث عن راحة المواطن».
في عهد الاستقلال في العام 1961 انشئت مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك لبيروت وضواحيها وعهدت اليها ادارة واستثمار الخطوط الحديدية: خط عريض يمتد من الناقورة الى طرابلس فالحدود اللبنانية السورية وطوله 233 كلم تقريباً، خط جبلي ضيق بين بيروت ورياق والحدود السورية وطوله 82 كلم تقريباً، خط عريض من رياق الى القصير طوله 91 كلم تقريباً. ويخبر ابراهيم (موظف سابق في السكة) انه «أثناء الحرب الأهلية الأخيرة أصيبت منشآت سكك الحديد وتجهيزاتها ومبانيها وآلياتها ومعداتها بأضرار جسيمة، كما تعرضت مسارات سكك الحديد لتعديات مختلفة فانتزعت اقسام من هذه الخطوط وقامت منشآت عامة وخاصة على أجزاء من الخط الساحلي لذلك فإن خدمات سكك الحديدة متوقفة كلياً منذ أوائل العام 1995 وفي العام 1994 سيّرت آخر رحلة قطار بين بيروت وشكا، حيث كان يستخدم هذا الخط لنقل الترابة الى بيروت، وانتهى الحلم مجددا مع مقتل 6 مواطنين، وتوقف الرحلات مرة أخرى».
إلاً أنّ الاحصاءات تشير الى ان عدد القتلى في السنوات الـ80 أيام القطار لم يتخطَّ الـ500، فيما عدد القتلى حالياًيتخطّى كل عام الـ900 قتيل بسبب حوادث السير.