IMLebanon

التنمية وعقباتها في الكويت

KuwaitMoney3

عامر ذياب التميمي
تواجه الكويت مسألة التنمية منذ خمس سنوات من أوجه كثيرة، فثمة من يطرح التكاليف النهائية لمشاريع التنمية، وهل هناك تجاوزات على المال العام، وينتقد كثيرون آليات التنفيذ وتعطل الإنجاز للعديد من المشاريع الحيوية، خصوصاً تلك المتعلقة بالتعليم والخدمات الصحية أو مرافق الكهرباء والمياه أو الطرق. لكن أهم من ذلك أن ثمة من يطرح مسألة فلسفة التنمية وأهدافها ومدى جدية الإدارة السياسية لتحقيقها.

كانت أدبيات خطط التنمية منذ ستينات القرن العشرين تطرح قضايا تنويع القاعدة الاقتصادية وتوفير موارد مساندة لإيرادات النفط والاعتماد في شكل أفضل على القطاع الخاص وتخفيف الاعتماد على العمال الوافدين. لكن ما تحقق معاكس لتلك الأهداف فارتفعت مساهمة الدولة في مختلف المؤسسات في شتى القطاعات الاقتصادية وتنامى دور العمال الوافدين وظلت الخزينة العامة تموَّل بنسبة لا تقل عن 90 في المئة من إيرادات النفط. إذاً ما هو الجديد الذي يمكن أن يؤدي إلى نقلة نوعية في مسار التنمية في الكويت خلال السنوات المقبلة، وهل أصبح بالإمكان استشراف تطورات نوعية للإقتصاد الكويتي؟

عام 2010 اعتُمدت خطة تنمية لأربع سنوات، تنتهي عام 2014، وبكلفة 32 بليون دينار (110 بلايين دولار). وبيّن الحساب الختامي للخطة نهاية آذار (مارس) 2014، أي نهاية السنة المالية الأخيرة من الخطة، أن ما أنفِق لم يتجاوز 12.8 بليون دينار، أي ما يعادل 39 في المئة من ما خُصِّص للخطة.

وتواجه عقبات وعوائق إنجاز ما يتقرر من مشاريع إذ تتسم عملية اتخاذ القرار وترسية المشاريع بالبطء الشديد. ويعيد الجدل الذي يثار حول التكاليف العديد من المشاريع إلى نقطة الصفر فتُطرح من جديد، خصوصاً إذا بدت الأسعار المقدمة من المقاولين أعلى من التكاليف التقديرية المعتمدة من الجهات ذات الصلة. ولذلك أُعيد خلال السنوات الماضية طرح العديد من المشاريع مثل مشروع «جسر جابر» وعدد من مشاريع المستشفيات وأجِّل طرح مشروع المطار أكثر من مرة، ناهيك عن تأخر مشاريع محطات توليد الطاقة الكهربائية.

وتفتقر الكويت إلى شركات ذات قدرات تنفيذية عالية، ولذلك يُتعاقد مع شركات عالمية لكن من خلال وكيل محلي يتقاضى نسبة من قيمة العقد، وأصبحت هذه المسألة من الأمور المعيقة واتسمت بملامح سياسية نظراً إلى المنافسة بين هؤلاء الوكلاء المحليين وتوظيفهم للأدوات السياسية لكسب العقود أو تعطيل تلك التي لا يكسبونها. ويُشار في التقارير المتخصصة والصادرة عن المؤسسات الدولية ذات الصلة إلى أن تنفيذ الأعمال في الكويت يُعد عملية بطيئة، وبذلك أصبحت الكويت في درجات متأخرة على المقاييس الدولية.

ولا تزال قضايا التنمية المحورية معطلة. فالقطاع الخاص لا ينفك بعيداً من المساهمة المستحقة في النشاط الاقتصادي ولا تزال حصة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي دون 25 في المئة. أما برامج التخصيص فمعطلة، على رغم أن الخطة تشير إلى ضرورة رفع مساهمة القطاع الخاص وإنجاز تخصيص نشاطات ومرافق أساسية تملكها حالياً الدولة. ويعتمد القطاع الخاص على يد عاملة وافدة ويظل توظيف الكويتيين في أعمال القطاع الخاص متواضعاً إلى درجة كبيرة. وأكدت الخطة السابقة أهمية رفع مساهمة العمال المحليين في سوق العمل.

لكن الآليات التي اعتمدت لتحقيق تلك الأهداف لم تؤتِ بثمارها وظل القطاع الخاص بعيداً من الشراكة المستحقة في العمل الاقتصادي وظلت مساهمة الكويتيين في سوق العمل كما كانت عليه عام 2010 لا تتجاوز 17 في المئة من إجمالي قوة العمل. وغني عن البيان أن أهدافاً كهذه تتطلب إرادة سياسية وتوافقاً مجتمعياً وثقافة تؤثر توظيف الإمكانات بطرق كفؤة وإصلاح الأنظمة التعليمية لتأتي المخرجات متسقة مع متطلبات سوق العمل. ويعني تحقيق الأهداف التنموية وقف البرامج الشعبوية الممولة من ريع النفط والمفتقرة إلى أهداف تتعلق بالتنمية أو الإصلاح الهيكلي.

وتهدف الخطة الجديدة إلى توظيف رأسمالي خلال السنوات الخمس المقبلة بمعدل 11.8 بليون دينار سنوياً. وتطرح الخطة مساهمة القطاع العام بـ 6.3 بليون دينار سنوياً، على أن يستثمر القطاع الخاص المتبقي لتوسيع أعماله. وتتركز الاستثمارات الحكومية على القطاع النفطي والموانئ والمطار والطرق والمواصلات، مثل مشروع المترو. وإذا كانت تلك المشاريع مهمة فهل يمكن أن تنجز ضمن الآجال المطروحة؟ وهل نتوقع أن يصبح للقطاع الخاص دور محوري في الخطة، وهل نتوقع أن تتبدل معادلة توزيع الأعمال بين القطاعين العام والخاص لصالح الأخير؟

أما التنمية البشرية فهي التحدي الأساسي في البلاد. فالكويت التي يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة لا تزال تعاني اختلال التركيبة السكانية حيث يمثل السكان غير الكويتيين 68 في المئة من السكان ولا تتجاوز نسبة المواطنين الكويتيين 32 في المئة. وتتسم ملامح السكان الكويتيين بارتفاع أعداد الشباب إذ تبلغ نسبة من تقل أعمارهم عن 21 سنة 50 في المئة. ولا يزال معدل النمو السكاني بين المواطنين مرتفعاً ويقدر بنحو 2.8 في المئة سنوياً. وهكذا يتعين على المخططين البحث عن أفضل الآليات لتطوير إمكانات الأجيال المقبلة وتمكينها من المساهمة الجادة في النشاط الاقتصادي.

أكدت الخطط التنموية التي أقرت على مدى السنوات والعقود الماضية على الأهداف نفسها، لكن تحقيق التنمية بكل مظاهرها يتطلب اعتماد فلسفة اقتصادية واجتماعية واضحة وإرادة لتجاوز المعوقات والعوائق السياسية التي قد تحول دون تحقيق تلك الأهداف.