تحث حكومات الدول الخليجية بل وتضغط في بعض الأحيان على مئات الشركات لحضور القمة الاقتصادية العالمية التي ستعقد في مصر هذا الأسبوع في خطوة قد تساهم في اضطلاع تلك الشركات بدور رئيسي في إنعاش الاقتصاد المصري.
ومن بين نحو 1300 مسؤول حكومي وتنفيذي أجنبي سجلوا حضورهم للمشاركة في المؤتمر الذي سيعلن انفتاح مصر على الأعمال التجارية من جديد بعد سنوات من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية ثمة ما يربو على 270 مسؤولا من دول الخليج الست الثرية المصدرة للنفط.
وبذلك تصبح منطقة الخليج أكبر المشاركين في المؤتمر متجاوزة أوروبا التي عادة ما كانت تهيمن على الاستثمار الأجنبي في مصر قبل انتفاضة الربيع العربي في 2011.
ويفوق عدد القادمين من الإمارات العربية المتحدة البالغ 160 تقريبا المشاركين من الولايات المتحدة والبالغ 55 وإن كان بعضهم ممثلين لشركات غربية في الإمارات.
هذا التفاوت في الأعداد يشير إلى أن الشركات الخليجية قد تستحوذ على نصيب الأسد – على الأقل في البداية – من فرص الاستثمار التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات والمعروضة في قطاعات من بينها توليد الكهرباء والعقارات والتمويل والتجزئة والصناعة.
كان مسؤولون مصريون قالوا إنهم يأملون بأن يجذب المؤتمر الذي سيعقد في الفترة من الجمعة إلى الأحد بمنتجع شرم الشيخ استثمارات محلية وأجنبية تصل إلى 12 مليار دولار. وفي الشهر الماضي قال أحد الوزراء إن من المتوقع أن يكون نصف المشروعات التي ستطرحها مصر في قطاع الطاقة.
هناك أسباب قوية تدفع الشركات الخليجية للاهتمام بمصر التي يعادل عدد سكانها البالغ 87 مليون نسمة مثلي عدد سكان الدول الخليجية تقريبا.
صحيح أن الأسواق الخليجية أكثر نضجا بل وأكثر تنافسية في كثير من الحالات لكن هناك عنصرا سياسيا ودبلوماسيا قويا يبدو أنه يجعل حسابات الشركات الخليجية للتكاليف والفوائد أكثر ميلا ناحية مصر.
فالإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت التي تعارض جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المعزول محمد مرسي ومصممة على ضمان نجاح الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي تلمح للشركات الخليجية بأنها ستدعم الاستثمار في مصر سياسيا وربما ماليا.
وقال حسين النويس رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة العامة (صناعات) بأبوظبي وهي شركة استثمارات صناعية كبرى مملوكة للدولة متحدثا عن مشاركة الإمارات في مؤتمر شرم الشيخ إن هناك دعما من الحكومة الإماراتية.
وأبلغ النويس الذي سيحضر المؤتمر رويترز أن الإمارات العربية المتحدة ومصر تتمتعان بعلاقات استراتيجية وأن القيادة الإماراتية ملتزمة تجاه مصر لذا يجري القيام بكثير من المشروعات مع الحكومة والقطاع الخاص.
* استراتيجية
أصدرت السلطات الإماراتية كتيبا من 18 صفحة قبل المؤتمر يصف مشاركة أبوظبي بقوة في الترتيب لإنعاش الاقتصاد المصري.
فعلاوة على المساعدات المالية المباشرة تعكف دولة الإمارات على حشد الدعم الاقتصادي والسياسي لمصر وتقدم المساعدة الفنية في إعداد برنامجها الاقتصادي بما في ذلك الاستعانة بخبراء استشاريين من شتى أنحاء العالم.
وتحفيز استثمار الشركات ركن ضروري لهذه الخطة. فمنذ عزل مرسي في منتصف 2013 حالت حكومات الإمارات والسعودية والكويت دون تعرض القاهرة لأزمة مالية من خلال تقديم مساعدات بقيمة 23 مليار دولار في صورة شحنات نفطية ومنح نقدية وودائع في البنك المركزي المصري.
لكن هذه المساعدات الرسمية الضخمة لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى إذ أنها قد تجعل مصر معتمدة بشكل خطير على الخليج في وقت ترزح فيه الموازنات العامة للدول الخليجية تحت وطأة هبوط أسعار النفط منذ يونيو حزيران الماضي.
لذا يقول مسؤولون في الخليج والقاهرة إنهم يريدون الانتقال بالدعم الاقتصادي إلى مرحلة جديدة تساهم فيه رؤوس أموال الشركات القادمة من الخليج في إنعاش النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل.
وبدرجة ما ستقوم دول الخليج بما نجحت في إنجازه بالفعل في اقتصاداتها. فكثير من بنوكها الكبرى وغيرها من الشركات ترتبط بالحكومات عبر حصص أقلية كبيرة بينما يلعب أفراد الأسر الحاكمة أدوارا مهمة كمستثمرين ومسؤولين تنفيذيين.
على سبيل المثال قامت شركات التطوير العقاري والاستثمار المرتبطة بالدولة ببناء معظم دبي في السنوات العشرين الماضية مستندة في مشروعاتها على استراتيجية الحكومة الاقتصادية الطويلة الأجل وأهداف الربح الأقصر أمدا. وتقيم السعودية مدنا صناعية جديدة عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص.
وقال رجال أعمال خليجيون سيشاركون في مؤتمر شرم الشيخ إنهم يتوقعون من حكوماتهم أن تقدم قدرا من الدعم المالي لكثير من المشروعات المطروحة هناك من خلال ضمان شراء الكهرباء من محطات جديدة مثلا.
وقال ياسين آل سرور الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال العربية وهي مجموعة سعودية خاصة لخدمات الهندسة إنه لا شك أن السعودية ستدعم استثمارات من صندوق الاستثمارات العامة لتمويل مشروعات.
وعلى نطاق أوسع قد يستطيع المستثمرون الخليجيون الاعتماد على العلاقات السياسية الطيبة مع مصر في تجاوز ما بها من عقبات بيروقراطية وقانونية كبيرة وهي ميزة ربما تفتقر إليها الشركات الأمريكية والأوروبية التي توترت علاقات حكومات بلادها مع القاهرة في بعض الأحيان.
وقال أسامة بشاي الرئيس التنفيذي لشركة أوراسكوم كونستراكشون المصرية في الإمارات إن الأنشطة التجارية لن تكون قوية إن غابت الإرادة السياسية لدعمها.
وعبر بشاي عن سعادته بأن العلاقات بين حكومتي البلدين قوية جدا وستمسح لشركته بالتعاون الوثيق مع الكيانات في الإمارات العربية المتحدة.
غير أن هناك علامة استفهام على مشاركة قطر في مؤتمر شرم الشيخ.. تلك الدولة التي أقامت علاقات وثيقة مع مرسي بينما توترت علاقاتها مع حكومة السيسي.
وأظهرت نسخة من قائمة حضور المؤتمر تم الحصول عليها هذا الأسبوع مشاركة رجل أعمال واحد فقط من قطر من سلسلة لمتاجر الهايبر ماركت. وقالت مصادر إن الحكومة في الدوحة تضغط على شركات أخرى للحضور لكن الكثير من الشركات القطرية قد يغيب عن أي فرص استثمارية في مصر – على الأقل في الوقت الحالي.
ولم يتسن الحصول على تعليق من مسؤولين بوزارة الاقتصاد القطرية بخصوص من سيشارك في المؤتمر بينما لم ترد وزارة الخارجية في الدوحة على طلب للتعقيب بشأن العلاقات مع مصر.