قطعت هيئة قطاع البترول شوطاً بعيداً على طريق تمهيد البحر أمام الانطلاقة الفعلية للمغامرة اللبنانية في عالم التنقيب عن النفط، في انتظار ان تنجز الحكومة ما هو مطلوب منها لجهة إقرار مرسومي النفط، وأن يقر مجلس النواب التشريعات المتممة، لا سيما ما يتصل منها بالقانون الضريبي.
وكشفت “السفير” ان الهيئة أنجزت منذ ثلاثة اشهر تقريباً، وبالتعاون مع مؤسسة فرنسية عامة تعنى بالبترول، خريطة المكامن النفطية، في المياه اللبنانية، والتي أفضت الى تقديرات أولية لمخزون الغاز والنفط في كل “بلوك” من “البلوكات” اللبنانية العشرة.
وفي المعلومات، أن تحاليل المسوحات الزلزالية الثنائية والثلاثية الأبعاد، التي جرت للمنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة، بيّنت أن الموارد المحتملة والإجمالية، مبدئياً، من الغاز على مدى 15 ألف كيلومتر مربع في المياه اللبنانية، هي 80 تريليون قدم مكعب غاز (80 ألف مليار قدم مكعب) أي ما يعادل 13 مليار ونصف مليار برميل نفط في حالة غازية، إضافة الى مليار و200 مليون برميل من البترول السائل.
وتجدر الإشارة الى ان المخزون الغازي اللبناني هو ضُعف الموجودات من الغاز الاسرائيلي في بحر فلسطين المحتلة.
وتبين ان “البلوك” الأكثر خصوبة والواقع جنوب بيروت ـ ليس بعيداً عن حدود فلسطين ـ يحوي ما يعادل 25 تريليون قدم مكعب غاز أو ما يعادل حوالي اربعة مليارات ونصف مليار برميل نفط في حالة غازية، وأن “البلوك” الأقل خصوبة يحوي اربعة تريليونات قدم مكعب غاز او ما يعادل 800 مليون برميل.
وقد ساعدت الدراسة المبنية على المسوحات، والتي استغرق إعدادها قرابة ثلاثة اعوام ونصف العام، في رسم “البلوكات” النفطية العشرة وفق قواعد علمية واضحة، هي: الجدوى الاقتصادية، القيمة الاقتصادية، وبيئة الحفر (مياه عميقة أو أقل عمقاً).
وتلحظ الدراسة نسبة نجاح في التقديرات حول الموارد المحتملة، تتراوح بين 20 و30 في المئة بالنسبة الى أغلب “البلوكات”، وهي نسبة جيدة بمعايير القطاع النفطي، إذ يكفي الشركات العالمية معدل 10 في المئة، حتى تُقبل على لبنان، باعتبار ان هذه المرحلة هي للاستكشاف فقط، وليست للحفر والتنقيب، وهذا ما يفسر ان عدد الشركات التي أبدت رغبة في المشاركة في مزايدة التلزيم كبير، اذا استطاعت السلطة اللبنانية المحافظة عليها وعدم تهجيرها بفعل المماطلة في إقرار مرسومي النفط.
ولما كانت اسرائيل تطارد لبنان نفطياً، في كل مكان تستطيع ان تصل اليه، فقد حاول السفير الإسرائيلي في باريس، قبل فترة، الضغط على المؤسسة الفرنسية للبترول (والتي تتواصل معها هيئة قطاع البترول)، لثنيها عن الاستمرار في التعاون مع لبنان، فكان الرد بأن المؤسسة ترتبط بعقود مع الدولة اللبنانية، والتعاون المشترك سيستمر بموجب هذه العقود.
الى ذلك، أفادت المعلومات أن لبنان وقع مع الحكومة النروجية في الشهر الماضي اتفاق تعاون لمدة ثلاث سنوات، يغطي من الجانب اللبناني، وزارات الطاقة والبيئة والمال. ويشتمل الاتفاق على مساهمة النروج في تطوير المؤسسات المختصة والقدرات التقنية والبشرية، كيفية حماية البيئة والسلامة العامة من التسربات النفطية، تمويل الدراسات، تدريب جيولوجيين وتدريب الكادرات البشرية على طريقة احتساب ضرائب النفط.
وفي سياق متصل، يستمر تفاعل الملف حول إمكانية نقل “الداتا” النفطية القديمة – المتعلقة بمنطقة بحرية شمالية، والعائدة للعام 1993- الى النروج بغية تحديثها، ونقلها من الورق والأشرطة القديمة الى أقراص مدمجة.
وبينما اعتبر بعض الخبراء ان “الداتا” النفطية، أياً تكن، تشكل جزءاً من الأمن القومي ويجب ان تحاط بالسرية التامة لحماية مضمونها وصولا الى صون المصلحة الوطنية العليا للدولة، قال خبراء آخرون لـ “السفير” إن مبدأ نقل هذه “الداتا” الى النروج، في حال حصوله، لا يمكن ان يمس الأمن القومي النفطي اللبناني بأي طريقة، لأن الوضع الحالي لتلك “الداتا” لا يسمح بتاتاً بالاستفادة منها، بعدما فعل الزمن فعله فيها، الى حد يستحيل معه تحليلها والبناء عليها، بعدما ثبت انها لا تُقرأ نتيجة حالتها المزرية.
ويلفت الخبراء الانتباه الى وجود نوعين من “الداتا” النفطية، الأول قابل للتشارك فيه، بهدف تحفيز الاستثمار وجذب الشركات في مقابل بدل مالي تدفعه، وتذهب حصة منه للدولة وحصة أخرى لشركات الخدمات التي ساهمت في استخراج هذه “الداتا”، والنوع الثاني غير قابل للتعميم، وبالتالي يمكن القول إنه يخضع الى ضوابط الأمن القومي كونه يتعلق بـ “داتا” حفر الآبار التي لا نملكها حالياً لأن الحفر لم يبدأ بعد، وعندما تصبح بحوزتنا يجب حفظها في مكان سري، يُفترض ألا تعرفه سوى قلة.
ويشير أحد الخبراء الى ان مبدأ “تعدد الزبائن” أصبح شائعاً، مشدداً على أن أهميته تكمن في انه يسمح بتسويق “الداتا الآمنة” واستخدامها لاستقطاب الشركات العالمية، كما حصل مع لبنان الذي نجح في جذب 46 شركة، من بينها 12 كبرى للتنقيب، وهذا ما دفع اسرائيل الى محاولة تقليدنا بطريقة تسويق “الداتا”، بعدما اقتصرت المشاركة الخارجية في الاستثمار النفطي لديها على شركة أميركية واحدة صغرى.