IMLebanon

الصورة بالمقلوب…بلدان عربية مدينة لشركات النفط !

ArabOil

أنيس ديوب

قرأ أحياناً أخباراً تصيبنا بالدهشة. من هذه الأخبار على سبيل المثال لا الحصر، ما أعلنه قبل أيام وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي من أن بلاده مدينة لشركات النفط العاملة في العراق بأكثر من 20 مليار دولار. وفي رواية أخرى 27 مليار دولار.

ولدى شرحه أسباب هذه المديونية الكبيرة أوضح عبد المهدي أن بلاده سددت العام الماضي بعض مستحقات الشركات النفطية مقابل ما حققته من إنتاج في العام 2013، ثم رحلت مستحقات العام الماضي إلى 2015، التي تضاف إليها مستحقات العام الجاري. وأشار إلى أن الحكومة العراقية باشرت إجراءات لتسديد هذه المستحقات، مضيفا أن السداد سيتم بطريقتين، الأولى عن طريق مخصصات الموازنة لهذا الغرض والبالغة أربعة تريليونات دينار (12 مليار دولار) والثانية عن طريق إصدار الحكومة سندات خزينة بقيمة 12 مليار دولار. الديون المترتبة على العراق، هي في الواقع ديون لشركات نفط غربية حيث أن أبرز الشركات النفطية الأجنبية التي تعمل في حقول العراق، لا سيما الجنوبية منها، هناك شركات توتال الفرنسية، وشل البريطانية الهولندية، وبي بي البريطانية، وإكسون موبيل الأميركية.

مصدر المفاجأة أن العرق ينتج نحو 3.35 مليون برميل يومياً، وهذا يعني أنه وفق الأسعار الحالية المنخفضة جداً للنفط (حوالي 60 دولاراً للبرميل) يحصل على 201 مليون دولار كل يوم، أي ما يزيد عن مليار دولار كل 5 أيام. أستطيع أن أتفهم أن تكون دولة ما، كمصر على سبيل المثال، مدينة لشركات البترول طالما أن إنتاجها من البترول قليل مقارنة مع دول أخرى كالعراق أو كالسعودية أو الكويت أو ربما الإمارات.

ولهذا السبب بالذات لم نفاجأ عندما قال وزير الاستثمار المصري أشرف سالمان، أن بلاده تعتزم سداد 2.8 مليار دولار من مستحقات لشركات البترول الأجنبية قبل شهر أغسطس/آب القادم، مضيفاً أن :هناك جدولاً زمنياً محدداً لسداد مديونيات شركات البترول المصرية، حيث سددنا 3.2 مليارات من إجمالي 6 مليارات دولار هي إجمالي مستحقات شركات البترول الأجنبية على مصر ونأمل في سداد المتبقي قبل أغسطس المقبل.

وفي الحقيقة يمكن تفهم وضع مصر التي اضطرت إلى إرجاء جزء من المدفوعات لشركات النفط والغاز بسبب تضرر اقتصادها من الاضطرابات التي تشهدها، حيث بدأت المتأخرات تتراكم بشدة مع تدهور في مالية الدولة تسبب في ارتفاع الديون إلى مليارات الدولارات مع قيام الحكومة بتحويل الغاز المخصص للتصدير إلى تلبية الاستهلاك المحلي. كما يمكن تفهم، ولكن بدرجة أقل طبعاً، حال العراق مع الخسائر الناتجة من الخراب والدمار، واستمرار الحرب والعمليات العسكرية، وسيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مساحات واسعة واستغلال مواردها وسرقة أموال مؤسسات حكومية، إضافة إلى فقدان مبالغ كبيرة من عائدات النفط بسبب تراجع الأسعار، فضلاً عن تحمل أعباء التدهور الاقتصادي والاجتماعي وعجز موازنة عام 2015 البالغ 21.4 مليار دولار.

بقي أن نذكر أن هناك في العراق حالياً نحو 17 شركة استثمارية عالمية ومن جنسيات مختلفة (أمريكية وبريطانية وإيطالية وروسية وماليزية وصينية) تعمل على تطوير الحقول النفطية المنتجة والمستكشفة، وذلك بموجب عقود تمت في جولات التراخيص الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وهي ملزمة باستثمار أموالها لرفع القدرة الإنتاجية، على أن تلتزم الحكومة بدفع ما نسبته 50 بالمئة من الأموال المصروفة سنوياً، تضاف إليها أرباح بمعدل 1.5 دولار عن كل برميل إضافي.

وبما أن الشركات أنفقت خلال العامين الماضيين نحو 43 مليار دولار، فإنه يتوجب على الحكومة العراقية دفع 21.5 مليار دولار، يضاف إليها 5.5 مليارات أرباحاً، فيكون المجموع المستحق 27 مليار دولار. أياً تكن الأسباب، فإن الصورة تبقى مقلوبة عندما نتحدث عن دول نفطية مدينة لشركات النفط، حيث أن الصورة الحقيقية يجب أن تكون معكوسة، أي أن شركات النفط هي التي يجب أن تكون مدينة للدول المنتجة. أليس كذلك؟!.