جيسي إيسنغر
نشأ خط جديد ومفاجئ من المناقشات: النظام المالي يعمل جيدا، وقانون دود – فرانك يعد من أبرز إنجازات إدارة الرئيس أوباما، والبنوك في حالة من «الخضوع».
تعين على بنك جيه بي مورغان تشيس الدفاع عن أنموذجه للأعمال، في الوقت الذي يتفق فيه المحللون على وجوب حل البنك. وتعاني الإدارة في بنك سيتي غروب، والتي أخفقت في اجتياز اختبار الإجهاد المكلف من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بالعام الفائت، من ورطة حقيقية إذا ما أخفقت مجددا. كما تنخفض التعويضات للمصرفيين الاستثماريين في أماكن مثل بنك غولدمان ساكس. ويقلص بنكي غولدمان ومورغان ستانلي من الموازنة العمومية لديهما.
ولكن هل يبدو لويد سي. بلانكفين وجيمي ديمون من المتسمين بالتواضع بالنسبة إلينا؟
كلا، لا أظن ذلك. فلقد دافع السيد ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان تشيس، وبشدة، عن مؤسسته الضخمة للغاية. أما بنك سيتي غروب التعيس فقد تجرع أحزانه حال مشاهدته لمشروع القانون الصغير الذي تحول إلى قانون فعلي معمول به. وقد أرفق الجمهوريون في الكونغرس الأميركي البند إلى قانون الإنفاق لازم التمرير بالعام الماضي من أجل استرجاع جزء كبير من التشريعات المشتقة.
بعد ذلك وفي يوم آخر، وصلت تقارير حول تحقيق آخر في تلاعبات بالأسعار – بعد التحقيقات في سعر الفائدة الكاسح وسعر صرف العملات الأجنبية والتي استغرقت العالم المالي خلال الأعوام القليلة الماضية. كان عليّ في الواقع البحث عن ذلك أثناء كتابتي لهذه المقالة لأنني نسيت عن أي شيء كان يدور الحديث. (كان النظر فيما إذا كانت البنوك قد تلاعبت بأسعار المعادن، على سبيل المصادفة).
أي تلك القصص هي الصحيحة؟ هل تتغير البنوك بالفعل؟ وهل يغير المصرفيون من سلوكهم؟ هل البنوك أكثر أمانا، وهل انكمشت سلطاتهم السياسية؟ هل أصبح الاقتصاد أقل اعتمادا على القطاع المالي المتآكل والذي يستخرج القيم بدلا من إيجادها؟
وإذا كان الأمر كذلك، هل أي من ذلك لديه أي علاقة بالتنظيم؟
أولا، دعونا نرجع إلى الوراء لنرى المواقف المالية مقارنة بعام 2007، العام السابق على الأزمة. وباستخدام عدسة أكبر، فإن البنوك الكبرى صارت أكبر مما كانت. من بين أكبر ستة بنوك في البلاد، هناك ثلاثة استحوذت على المزيد من الأصول بشكل ملحوظ اليوم: وهي بنك أوف أميركا، وجيه بي مورغان تشيس، وويلس فارغو. والبنوك الستة الكبار، مجتمعة، تمتلك ما يقرب من 10 تريليونات دولار من الأصول، مقارنة بـ8 تريليونات دولار فقط في عام 2007، وفقا لمؤسسة إس إن إل فايننشيال الإخبارية المالية.
من الصحيح أنه خلال الأزمة المالية، قدمت الحكومة الدعم الصريح والضمني لعمليات الاندماج. منذ عام 2009، تقلصت بعض الأصول المصرفية، ولكنها كانت حركة تصاعدية إلى حد كبير. ربما أدت حزمة مختلفة من الإصلاح المالي لتراجع تعزيزات الطوارئ التي قد تكون (أو لا تكون) ضرورية في ذروة الفزع من الأزمة، لكن الرئيس أوباما والديمقراطيين الذين سيطروا على الكونغرس حينا اختاروا عدم تلمس ذلك السبيل.
دعونا ننتقل إلى الدخل الصافي. فلقد تقلصت الإيرادات، ولكن ماذا عن الأرباح؟ حققت أربعة من البنوك الستة الكبيرة أرباحا متزايدة بالعام الماضي – أجل، حتى بعد كل تلك الغرامات الضخمة والمرهقة – أكثر مما حققت في عام 2007. وحققت البنوك الستة الكبرى مجتمعة 73 مليار دولار العام الماضي، مقارنة بـ57 مليار دولار بالعام الذي سبق الأزمة المالية التي يفترض أنها غيرت وجه العالم.
فماذا عن الدفع إذن؟ فهل أُجبرت البنوك على البحث عن وظيفة ثانية مثل سائقي أوبر؟ بالكاد، ارتفعت رواتب الموظفين في ثلاثة من البنوك الستة الكبار من عام 2007، مع تجاوز التعويضات لدى بنك أوف أميركا وبنك ويلس فارغو لحاجز التضخم بكثير. أما بنك جيه بي مورغان تشيس ومورغان ستانلي فقد تجاوزا ذات الحاجز بمعدل طفيف.
ولكي نبقى منصفين، فقد تغيرت بعض الأمور منذ وقوع الأزمة المالية. فالبنوك لديها الآن معدلات أعلى من رأس المال، والتي تجعلهم في الواقع أكثر أمنا. ولكن الحال سوف يستمر دائما أن المصرفيين يسيطرون أو يحاولون التلاعب بالنظام وإخفاء نفوذهم في ذلك. يقول بعض الخبراء إنه سوف يكون من الأفضل إجراء المزيد من التصحيح، بدلا من محاولة التنقيح.
يقول إريك إف. غيردينغ، وهو من خبراء التنظيم لدى كلية الحقوق بجامعة كولورادو: «إن المهندس لا يشيد جسرا وفق الوزن الدقيق للشاحنات».
لا تزال البنوك وإلى حد بعيد للغاية تعتمد على التمويل قصير الأجل. وباعتبار أن السبب الأكثر مباشرة في وقوع الأزمة المالية كانت البنوك التي عانت من تجاوزات في أسواق الإقراض قصير الأجل، فليست تلك إلا ثغرة مذهلة في الإصلاح المالي. (ولا يزال بنك الاحتياطي الفيدرالي يعمل عليها).
وثغرة أخرى تكمن في أن المنظمين لم يحلوا مشكلة كيفية تقليص فشل البنوك الكبيرة. ذلك ما نسميه سلطة اتخاذ القرار، حيث تكتب فيها البنوك «وصايا الاستمرار». قد تكون من المشكلات غير القابلة للحل. وتجابه المديرين التنفيذيين مشكلة تصحيح المسار حيالها. إن مثل ذلك الفشل لا يقع لمدة 5، أو 10، أو حتى 25 سنة. وإذا ما وقع، سوف يموت البنك وسوف يكونون خارج النطاق تماما. والمنظمون، في ذات الوقت، لا يمكنهم فعليا إجراء اختبارات الوقت الحقيقي للوقوف على ما إذا كانت خطة التسوية قد تم إعدادها بشكل صحيح.
لذا، كان هناك الكثير من الإصلاح والتقدم التدريجي. غير أن السؤال الحقيقي الذي يطرحه المجتمع هو ما إذا كان الإصلاح المالي قد عكس مسار التمويل. من أجل صالح الاقتصاد، يحتاج التمويل لأن يقوم بدور الوسيط، مساعدا الشركات على زيادة رؤوس الأموال للمساعدة في توصيل المنتجات والخدمات إلى الناس الذين يحتاجونها ويريدونها. بدلا من ذلك، تحول التمويل إلى ماكينة لاستخراج الأموال، ومثريا نفسه في حين يواجه المجتمع بأسره التهديد.
لم يكن ذلك قط من الأهداف الواضحة للإصلاح المالي، على الرغم أن ذلك بالكاد يكون دفاعا عن جهود السيد أوباما والسيد بارني فرانك.
ومع ذلك، فهل نحن على الطريق نحو عكس مسار نمو التمويل؟
بدرجة ما، فعلى مدار نحو 150 عاما، اقتطع التمويل نسبة 2 في المائة بالأساس على الأصول المالية، مثل الأسهم، والسندات، والقروض، وفقا لدراسة بحثية أجراها السيد توماس فيليبون الخبير الاقتصادي لدى جامعة نيويورك. تضيف تلك «الرسوم» إلى قيمة التكاليف الإجمالية التي يقتطعها المصرفيون الاستثماريون، ومديرو الأصول، والوسطاء، وغيرهم من وسطاء التمويل، من عملائهم. وحتى مع تضاعف الأصول المالية في الاقتصاد عبر العقود القليلة الماضية، ظلت نسبة الرسوم المذكورة بلا تغيير تقريبا.
وعلى الرغم من زيادة الأصول لدى البنوك الكبرى، فإن إجمالي الأصول في الاقتصاد ككل في انخفاض منذ تاريخ الأزمة المالية. ونظرا لذلك، انخفضت حصة التمويل من الناتج المحلي الإجمالي. فهل يرجع ذلك في سببه إلى التنظيم؟ أو جاء ذلك نتيجة للآثار الطبيعية للأزمة المالية، مع انخفاض الرافعة المالية وتقليص الناس للديون؟ لا يزال ذلك من الأسئلة المفتوحة للنقاش.
ولكن هناك زاوية أخرى لمناقشة المسألة: إن من الأمور الباعثة على الدهشة استمرار ارتفاع الرسوم المحصلة. فكلما ارتفعت الرسوم التي يحصلها التمويل، كلما انخفضت الأموال التي يجنيها الاقتصاد لأجل الاستخدامات الأكثر إنتاجية.
يقول البروفسور فيليبون: «إن الرسوم عالية للغاية».
ونظرا لارتفاع الأصول عبر العقود الأخيرة، ينبغي للرسوم أن تتراجع بسبب وفورات الحجم. كذلك، ينبغي للتكنولوجيا أن تزيد من فعالية التمويل، على حد تعبير البروفسور فيليبون. وهو متفاءل بأن الرسوم سوف تشهد انخفاضا في نهاية المطاف.
غير أن عدم انخفاض الرسوم لا يزال يشكل نقطة قاتمة من الغموض الاقتصادي. مما يرجع بنا إلى التأثير السياسي على الصناعة المالية.
من دون شك، تقلص النفوذ المصرفي مقارنة بمستواه عند ذروة الأزمة. ولا تزال ذكريات الأزمة المالية عالقة في الأذهان. غير أنها تتلاشى بمرور الزمن.
وذلك هو المنحنى الذي يوقع بنا الأذى جراء فشل خطة الإنقاذ المالي والإصلاحات اللاحقة عليها. ولن يكون ذلك اليوم، ولكن خلال مرحلة الازدهار المقبلة حينما تتلمس البنوك السبل اليسيرة للتخفيف من القيود.
ووفقا للنظام التنظيمي المالي القديم، كانت لدينا حالة من التوازن بين القوى والمصالح. ففي فترة الثمانينات، كان يمكن لشركات الأوراق المالية مقاضاة المنظمين حين يفتحون أسواق الأوراق المالية أمام البنوك. (لم يحالفهم النجاح، غير أنهم صبوا الرمال فوق التروس). والآن صارت البنوك التجارية بنوكا استثمارية ومديرة للأصول والعكس بالعكس، تحولت الصناعة المالية إلى كتلة موحدة من المصالح السياسية.
وكما يقول السيد غيردينغ من كلية الحقوق بجامعة كولورادو: «لقد فعلنا أشياء جيدة وكبيرة، ولكن لم نعد هيكلة النظام المالي كما فعلنا إبان فترة الكساد الكبير».
ولتقليص قبضة التمويل على المجتمع من أجل مساعدة اقتصادنا، فإننا في حاجة إلى الاستمرار على مسارنا الذي اتخذناه في عام 2009.
يبدو ذلك من قبيل المقترحات المريبة للنظام السياسي الذي لا يزال يسمح لبنك سيتي غروب بوضع قوانينه الخاصة.