في الفترة بين 13 و15 آذار/ مارس، تعقد مصر مؤتمراً للاستثمار الاقتصادي في شرم الشيخ، يركز بشكل رئيسي على قطاع الطاقة. وترى حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن المؤتمر يشكل عنصراً هاماً من استراتيجية تهدف إلى تحسين الاقتصاد من خلال جذب استثمارات القطاع الخاص.
إن الرئيس السيسي ليس ديمقراطياً. وقد انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية والمنظمات الحقوقية مثل “فريدوم هاوس” و”هيومن رايتس ووتش” حكومته لاستخدامها المفرط للقوة ضد المعارضة السياسية والمجتمع المدني منذ الإطاحة العسكرية بسلف السيسي، الرئيس السابق محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013. وقد تولى الجيش المصري أيضاً وعلى نحو غير اعتيادي دوراً نشطاً في السياسة المصرية خلال الانقلاب.
لكن، خلافاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على سبيل المثال، وهو الحاكم المستبد الذي ارتقى بسلاسة لسنوات بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز، فإن السيسي يبدو ملتزماً حقاً في تحسين اقتصاد مصر المتداعي. وفي هذا السياق، قال الخبير في الشأن المصري روبرت روك، وهو مدير للدراسات متعددة التخصصات وأستاذ التاريخ في جامعة تاوسن عندما تحدثنا إليه هذا الشهر عبر الهاتف: “يعود بعض الفضل الحقيقي إلى السيسي. وقد تشكل مصر الآن رهاناً للاستثمار أفضل من ذلك الذي كان جارياً أثناء حكم مرسي أو حتى في ظل [سلفه حسني] مبارك في العقد الأخير من فترة حكمه”.
لقد أدى الفساد المستشري والمحسوبية والتشريعات الضعيفة إلى استنزاف الاقتصاد المصري على مدى أجيال وإلى نشر القليل من السعادة في صفوف الشعب المصري. ومن بين مكونات هذا النظام كان الدعم الوافر للمواد الغذائية والطاقة. وأحد الأمثلة على ذلك، توفير الحكومة دقيقاً رخيصاً للمخابز لتغذية الشعب. وقد كان هذا النظام فاسداً وشجع انعدام الكفاءة والفعالية إلى حد كبير. ووفقاً لوكالة أنباء “رويترز”، فإن هذا النظام تطلب من القاهرة إنفاق 3 مليار دولار سنوياً على واردات القمح، الأمر الذي لم يجعل البلد أكبر مستورد للقمح في العالم فحسب بل أدى أيضاً إلى استنزاف احتياطيات العملة الأجنبية فيه. ووفقاً لـ «صندوق النقد الدولي»، عندما تولى السيسي منصبه في حزيران/ يونيو 2014، كان أكثر من ربع الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر.
لذا، سعى السيسي إلى مكافحة الفساد ووضع إصلاحات تهدف إلى تخفيف الدعم تدريجياً عن المواد الغذائية والطاقة. ومن الأمثلة الناجحة على ذلك نظام البطاقة الذكية الجديدة الذي قلص نسبة الفساد وشجع على المساءلة والكفاءة. وفي هذا الصدد كتبت وكالة “رويترز”: “بموجب النظام الجديد، تحصل الأسر على بطاقات بلاستيكية تسمح لها بشراء خمسة أرغفة من الخبز لكل فرد من أفراد الأسرة يومياً، ولم يعد يتوجب على المشترين الانتظار في الصف. إذ يُدفع للمخابز ثمن الخبز المدعوم الذي تبيعه بدلاً من أن تُعطى لها كمية محددة من الدقيق الرخيص، ما يجعل من الصعب سحب الدعم”. وتؤكد الآراء المباشرة للمصريين والخبراء الذين يسافرون إلى المنطقة على هذا التقييم.
في عام 2014، أدرجت منظمة “الشفافية الدولية” مصر في المرتبة 94 من بين 175 دولة، ما يشير إلى تحسن عن العام السابق، حين احتلت مصر المرتبة 114 من بين 175 دولة، على الرغم من أن النتيجة الأحدث لا تزال تُظهر أن أمام مصر طريقاً طويلاً للتقدم. وبالمثل، في عام 2015، وفي تقريره حول ممارسة أنشطة الأعمال للعام 2015، صنف “البنك الدولي” مصر في المرتبة 112 من بين 189 دولة، وهو تحسن بنقطة واحدة عن العام 2014، لكن مع ذلك لا تزال هذه المرتبة تعكس تحديات كبيرة.
ومن جهته، ينظر «صندوق النقد الدولي» بإيجابية إلى الإصلاحات الاقتصادية للحكومة المصرية. وقد جاء في تقرير أصدره مؤخراً أن “سياسات السلطات لتحقيق النمو الشامل وخلق فرص العمل تركز على متابعة الإصلاحات الهيكلية وتشجيع الاستثمار، وحماية الفقراء … والتدابير التي تم تطبيقها حتى الآن، إلى جانب استرداد الثقة إلى حد ما، بدأت تؤدي إلى عملية تحول”. بيد أن «صندوق النقد الدولي» أضاف في تقريره “ولكن نجاح السلطات في تحقيق أهدافها سيعتمد على جهودها الثابتة، واستعدادها لاتخاذ إجراءات إضافية حسب الحاجة، فضلاً عن الدعم الخارجي المستمر”.
ووفقاً لرأي العديد، يشعر المصريون بالتفاؤل في الوقت الحالي تجاه السيسي. فأولوياتهم الآن تصب على التحسينات الاقتصادية قبل أي أمر آخر. وهم يرون أن السيسي يعمل من أجل بلوغ إصلاح اقتصادي حقيقي، وحتى إنهم على استعداد لتحمل المصاعب على المدى القصير مثل نقص الطاقة المؤقت، إذا كان ذلك سيؤدي إلى تحسينات طويلة الأمد.
وفي ظل أسعار الطاقة المنخفضة في الوقت الحالي والمساعدات التي تتلقاها مصر من الخليج العربي، تصب السوق في مصلحة مصر. أما السؤال الذي يطرح نفسه هنا فهو إلى متى سيصبر المصريون، وإلى أي مدى ستكون إصلاحات السيسي ناجحة؟ بالنسبة إلى روك “الاستراتيجية تكون جيدة بقدر جودة قاعدة الموارد التي تدعمها… فلنرى ما سنصل إليه بعد عامين أو ثلاثة أعوام. لا بد من ظهور أدلة بارزة تشير إلى أن نظام السيسي يوفي بوعوده الاقتصادية”.
أما في ما يتخطى إصلاح الدعم، فإن الاقتصاد المصري يحتاج إلى تحقيق ما هو أكثر تحدياً بكثير، وهو توليد فرص عمل حقيقية ذات رواتب جيدة وخاصة لشبابه، الأمر الذي يطرح تحدياً هائلاً بالنسبة إلى بلد فيه ثلثي السكان تحت سن 35 وفقاً لإذاعة “دويتشه فيله” الألمانية. وإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، تكافح مصر في وجه المعارضة المحلية العنيفة والتهديدات الإرهابية.
وفي هذا السياق، تبرز أسباب للتفاؤل الحذر. إذ يبدو أن حكومة السيسي ملتزمة بالقيام بإصلاح اقتصادي حقيقي. ومع ذلك، وكما أشار «صندوق النقد الدولي»، فإن نجاحها يعتمد جزئياً على درجة الدعم الخارجي المقدم لها. ومن الضروري أن تقوم الحكومة الأمريكية بتوفير [مثل] هذا الدعم للرئيس السيسي. وللأسف، قامت الولايات المتحدة بإبعاد القاهرة كحليف لها منذ الإطاحة بمرسي.
وفي حين أن تردي المستوى الديمقراطي للرئيس السيسي يستحق الانتقاد، فإن جماعة «الإخوان المسلمين» أسوأ من السيسي. وفي الواقع، حظيت الإطاحة بمرسي بتأييد شعبي. وفي سياق الأحاديث الخاصة، فإنه ليس من غير المألوف بالنسبة إلى المصريين القول بأن «الإخوان المسلمين» قد “اختطفوا” انتفاضة «الربيع العربي» في مصر في «ميدان التحرير» في كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير 2011.
وفي النهاية لا بد من الإشارة إلى أن تأثير مصر الإقليمي هام للغاية فيما يتعلق بالاستقرار في الشرق الأوسط. إن سحب الدعم الأمريكي لمصر لا يؤثر بتاتاً على تعزيز أجندة حقوق الإنسان ويضر بمصالح الولايات المتحدة الأمنية من خلال دفع مصر بصورة أكثر نحو الأطراف المعادية للغرب.