IMLebanon

أسعار النفط: سوق حرة، أم غايات أخرى !؟

OilPrices3
غسان قلعاوي
خلال فترة وجيزة بدأت في الصيف الماضي انهارت أسعار النفط فتدنت بأكثر من 60% من الأسعار التي سادت طوال أعوام (حسب وكالة الطاقة الدولية فإن الأسعار تراجعت من 115 دولاراً للبرميل في يونيو/حزيران 2014 إلى أدنى مستوى في نحو ست سنوات عندما بلغت نحو 45 دولاراً في يناير/كانون الثاني 2015) .
التبرير المعلن لهذا الانهيار في أسعار النفط يشير إلى زيادة المعروض من النفط الأمريكي الصخري مؤيداً بإصرار بعض المنتجين على عدم خفض الإنتاج وبالانكماش أو التراجع في الاقتصاد العالمي وفي اقتصادات الدول الناشئة بالذات الذي أثر في الطلب ليقال، بناء على ذلك، إنها عوامل العرض والطلب في السوق . .! ويضاف أحياناَ إثر هروب بعض صناديق الاستثمار ببيعها عقود النفط لديها خشية تدني الأسعار (قُدِّر ذلك بنحو 5 ملايين برميل تمثل محافظ مضاربة لدى صناديق التحوط . .) .
ومع كامل الاحترام والتقدير للتحليل الذي يحاول التبرير بأن ما حل بأسعار النفط إنما هو نتيجة العرض المغإلى فيه مع استمرار زيادة المعروض من منتجات النفط الصخري من جهة والطلب المنكمش نتيجة الركود الاقتصادي في الاقتصادات الناشئة بالذات من جهة أخرى فإن متابعة قصة أسعار النفط قد تدعو المتابع لطرح العديد من التساؤلات حول هذه القصة وهي تساؤلات رغم ما يبدو من عفويتها ستلقى من يعذرها أو يجد ما يبررها .
أول التساؤلات يتعلق بحكاية العرض والطلب بالذات فهل حكاية العرض والطلب يمكن أن تبرر ذلك الانهيار في أسعار النفط (أكثر من 60% من أسعاره) خلال تلك الفترة الوجيزة . .؟
إن سوق النفط سوق تفتقد بالأصل ملامح المنافسة التي تعد شرطاً أساسياً من شروط جريتها كما هو معلوم فالسوق محكومة، سياسياً قبل أن يحكمها الاقتصاد، بمآرب أربابها من عمالقة شركات النفط الذين كانوا وراء كثير من الأحداث التي ألمت بالعالم خلال أكثر من نصف قرن من الزمن وحتى ظاهرة الانهيار في أسعار النفط مؤخراً الذي من المرجح أنه كان نتيجة إغراق مقصود .
أما التساؤل الآخر فيتعلق بحكاية أثر العرض المفرط لفائض النفط الأمريكي الصخري الذي تتجاوز تكلفة استخراجه ال 70 دولاراً حيث يقال (إن النفط الصخري للولايات المتحدة قد لا يكون مجدياً اقتصادياً عند مستويات تقل عن 80 دولاراً للبرميل، على أساس التكنولوجيا الحالية على الأقل) . فهل من المعقول أن يكون النفط المستخرج من الصخور والذي يكلف فوق ال 70 دولاراً للبرميل، حتى وإن صدقنا إنتاجه وطرحه بكميات تؤثر هذا التأثير في الأسعار والإخلال بالعرض والطلب، هو المسؤول عن هذا التدني السريع والكبير في الأسعار . .؟ أي هل من المعقول أن يطرح النفط في الأسواق بأسعار تقل على نحو واضح عن تكلفة استخراجه . .؟ أم أن النفط المطروح بالأسعار الحالية في الأسواق هو مخزون نفط تم الحصول عليه، خلال تلك الفوضى الخلاقة وذاك الربيع العربي بتكلفة تقل كثيراً عن أسعار النفط الحالية أي الأسعار بعد الانهيار مثلاً . .؟
أم أن المعروض الذي أحدث هذا الانهيار في الأسعار يأخذ صفة الإغراق الذي نتج عن تخلي المستثمرين (صناديق التحوط أو صناديق الفرص أو أياً ما كان مسماها وما شابهها) من المضاربين عن عقودهم بحجة توقع انهيار الأسعار . . .؟
التساؤل الأخير هو هل ما حدث ويحدث في سوق النفط هو تصحيح لأسعار كانت مغإلى فيها أم أنها الأسعار أداة من أدوات الحرب “الاقتصاسية” نسبة إلى الاقتصاد والسياسة معاً بما في تلك الحرب من غايات أخرى . .؟
هل هو تصحيح لأسعار طفرة غالت في أسعار النفط إبان احتلال العراق ليكون هذا التراجع السريع في الأسعار تراجعاً مبرراً لطفرة لم تكن مبررة إلا بتلك الغايات في حينها . .؟
وهل يعقل أن يكون من تلك الغايات في الوقت الحالي إخراج مسعى التوجه الحثيث نحو الاستدامة وطاقاتها النظيفة من دائرة الجدوى . .؟
التساؤلات يلح في طرحها ذكريات قصة النفط وهي قصة طويلة قد تشير من بعيد إلى ما خفي ما قد يخفى من تلك الغايات مغلفاً بستار العرض والطلب .