عبدالله بن ربيعان
في أواخر العام الماضي، حُكم على تاجر صناديق التحوط والمدير السابق لمحافظ «ساك» SAC Capital الأميركي ماثيو مارتوما Mathew Martoma بالسجن تسعة أعوام نتيجة متاجرته بناء على معلومات داخلية خاصة Inside Information في العام 2008، إذ تاجر في أسهم شركتين تعملان في صناعة الدواء وحقق للشركة أرباحاً مقدارها 275 مليون دولار، وحصل شخصياً على مكافأة مقدارها 9.3 مليون دولار (حكم عليه بردها فيما بعد).
قضية مارتوما التي وصفها ممثلو الادعاء بالقضية الأكثر ربحاً على الإطلاق بين قضايا التداول باستغلال معلومات داخلية، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة في السوق الأميركية. وبحسب تقرير لـ«رويتر فإن أحكام القضاة بالسجن في أميركا في قضايا التداول بناء على معلومات داخلية جاوزت 257 قضية بنهاية 2013، كما أن أحكام السجن في أميركا تكون لفترات أطول مقارنة بغيرها من البلدان، وهو الأمر الذي يعزوه قانونيون إلى «ارتفاع الأرباح التي يجنيها المتورطون من هذا التداول غير القانوني».
بالتأكيد يتذكر الجميع قضية سيدة الديكور والمطبخ – كما يطلق عليها – الأميركية مارثا ستيوارت التي سجنت لخمسة أشهر نتيجة استفادتها من معلومات غير متاحة للعامة Non-public information، سُربت لها من عاملين في الشركة التي تخلصت من أسهمها فيها.
والقضية تعود إلى 2001، حينما باعت ستيوارت 3,928 سهماً في شركة «أمكلون» ImClone Systems، بناء على معلومات داخلية تسربت لها، وهو ما جنبها خسارة تزيد على 45 ألف دولار، إذ انخفض سعر السهم بعد خروجها بيوم واحد بما يصل إلى 18 في المئة.
في السعودية، تثار هذه الأيام قضية بيع بعض كبار المساهمين (المؤسسين) لأسهم شركاتهم فيما يُعتقد أنه هرب باكر واستباق لخسارة الأسهم التي هربوا منها لنسب عالية جداً من قيمتها بعد خروجهم منها.
وعلى سبيل المثال، باع رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات الكبيرة في السوق حوالى 10 ملايين سهم بقيمة تقترب من بليون ريال في 2014 قبل أن يكشف بعدها بوقت قصير عن وقوع الشركة في فضيحة مالية محاسبية كلفت مالكي أسهمها كثيراً من الخسائر حتى اليوم، وما زالت.
شركة أخرى تعمل في القطاع العقاري، تخارج أعضاء مجلس إدارتها ببيع أكثر من 115 مليون سهم بنهاية عام 2014، ولا داعي للتسمية فالأمور واضحة ومعروفة، وينتظر الجميع نتائج التحقيقات التي بدأتها هيئة سوق المال. كما ينتظر الجميع حتماً نتائج التحقيقات مع أعضاء مجلس إدارة شركة المعجل، إذ أعلنت وزارة التجارة والصناعة هذا الأسبوع إحالة عدد منهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لاتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم، وإن كانت قضية الشركة تختلف، إلا أنها ما زالت في سياق القضايا نفسها التي ضاع فيها حق صغار المساهمين.
ولأن موضوع البيع بناء على معلومات داخلية، أو الاشتباه في ذلك على الأقل، أصبح قضية رأي عام، فإن على هيئة السوق المالية وجهات التحقيق الأخرى، أن تكون شفافة وصريحة في تحقيقاتها وإعلان نتائجها، فيما يخص هذه القضايا.
كما أن دور الهيئة في حماية حقوق صغار المساهمين ما زال شبه غائب، وهي قضية أخرى كتب فيها ياسر المعارك مقالاً وحيداً هذا الأسبوع، ولكنها يجب أن تثار على نطاق واسع، كما أثيرت من قبل في الشقيقة الكويت، وأن تصبح بدورها أيضاً قضية رأي عام، وإن يجتمع القانونيون مع الاقتصاديين لسن أنظمة ولوائح تحفظ حقوق صغار المساهمين، وتعلي صوتهم في الجمعيات العمومية للشركات.
يبقى أيضاً أن السوق السعودية التي تستعد لاستقبال الاستثمار الأجنبي المباشر في النصف الثاني من هذا العام ينقصها قوانين ولوائح كثيرة، ولعل قانون إفلاس الشركات يأتي على قائمة الأولويات.
فالحاجة لقانون إفلاس يشبه «الفصلين 7 و11»، أو «Chapters 7 and 11» الشهيرين في أميركا، أصبحت ماسة، فالهزات المالية التي تتعرض لها شركات السوق محتملة ومتوقعة في أي وقت، ولكن أن لا يوجد تنظيم ولوائح محددة للتعامل مع مثل هذه الحالات فهو المشكلة. والجميع يتذكر أن شركة «بيشة» على سبيل المثال موقوفة منذ ما يزيد على 8 سنوات من دون تصفية أو إعادة للتداول، والضحية هم صغار المساهمين، وبالمثل في حالة «المتكاملة»، فلولا تدخل الملك عبدالله رحمة الله، وإنقاذ المساهمين فيها لبقيت معلقة بلا حلول، وغيرهما كثير.
والخلاصة أن بعض شركات السوق المالية تمر حالياً بمرحلة اضطراب، وما ظهر من مشكلاتها هو رأس جبل الجليد، وعلى هيئة السوق ووزارة التجارة أن تستعجلا في إصدار النظام الجديد للشركات المساهمة، وأن تضعا الضوابط التي تحمي الصغار، وتوقف العبث، وتعاقب من يخل بشروط النزاهة والمنافسة العادلة في السوق.