سلوى بعلبكي
عندما يطرح مصطلح “الطاقة الكهرومائية” يخال المرء أن المقصود منه السد المائي العميق لتشغيل توربينات مائية عملاقة. ولكن مع التطور المتنامي في الهندسة الكهرومائية، لا سيما المشاريع الصغيرة لتوليد الكهرباء بواسطة المياه المنخفضة (Low-head Water) او المياه الجارية (Flowing Water) في الأنهر والجداول وقنوات الري، اصبح لهذا المصطلح مفهوم أشمل، مما سيعزز قدرات لبنان الكهرومائية.
بما أن لبنان يعاني أزمة كهرباء مزمنة، في موازة امتلاكه ثروة مائية ومجاري أنهر كثيرة، فإنه يمكن تنفيذ مشاريع كهرومائية يفيد منها اللبنانيون كافة ويشرح المهندس الاستشاري في مجال الكهرباء أحمد حبلي أنه يمكن ترجمة هذه المشاريع عبر تركيب “توربين” حديث على منخفض أو مسار مائي جارٍ كي توفر ضغطاً كافياً لتوليد الطاقة الكهرومائية، قد تصل إلى 100 كيلوواط من كل مجموعة توليد كهرومائي. ويمكن لهذه المنشآت الكهرومائية الصغيرة توفير الطاقة إلى منزل معزول أو مجتمع صغير، ويمكن ربطها أحياناً مع شبكات الطاقة الشمسية حتى تكون متممة لبعضها البعض. وللتوضيح، فإنه عندما يكون تدفق المياه في حده الأعلى في فصل الشتاء تكون الطاقة الشمسية في حدها الأدنى، والعكس صحيح. من هنا كان ضرورياً عندما تم البدء بمشروع الحقل الشمسي فوق نهر بيروت أن يتزامن معه تركيب عجلات كهرومائية على مسار تدفق مياه النهر أسفل الألواح الشمسية ليتم عملها، كما أسلفنا.
ما هي الأنماط الفنية المتاحة في لبنان للمولدات الكهرومائية الصغيرة؟ وفق الحبلي فإن لبنان يمتلك مسارات وشبكات مائية مختلفة على كامل أراضيه كالأنهر والجداول وشبكات الري، مما يجعل منه بيئة مناسبة لإنشاء هذا النوع من مشاريع انتاج الطاقة النظيفة وبكلفة متدنية وبالأنماط الثلاثة الرئيسة الآتية:
1 – إنشاء بركة (على شكل سد صغير)، في أعلى إنحدار مائي بسيط، تمد منه أنابيب لمسافة عشرات من الأمتار ووصلها بموقع مولد صغير للكهرباء (50-100) كيلوواط. ويمكن تكرار هذه المنشآت مرات عدة خلال المسار المائي الواحد.
2 – تركيب مولد كهرومائي (رأسي) عبر وضع قائم على مسار المياه الجارية لتوليد الكهرباء بطاقة مناسبة. ويمكن تركيب مولدات عدة على المسار المائي عينه لإنتاج 1000 كيلوواط او اكثر لتغذية نحو 500 منزل مجاور.
3 – استبدال صمام التحكم بالضغط لانابيب ضخ المياه الرئيسية بعجلة مولد مائي لانتاج الكهرباء تلقائياً عند ضخ المياه في شبكة مياه الشفة او الري او تكرير المجاري. وكذلك، يمكن استخدام هذا النمط في المصانع المختلفة أو معامل انتاج الطاقة أو معالجة المياه الصلبة التي تحتوي على شبكات غسيل أو تبريد بالمياه لزوم عمليات التشغيل.
النموذجان الأول والثاني يمكن تخصيصهما لمدينة صيدا، وهما برسم الفعاليات النيابية والبلدية الصيداوية. أما النموذج الثالث فيمكن أن يفيد منه المزارع اللبناني، وهو برسم وزير الزراعة، مبديا استعداده الكامل للمساعدة الفنية لتنفيذ المشاريع في حال طلب منه ذلك.
لماذا صيدا؟
لماذا تخصيص مدينة صيدا بالنموذج الاول والثاني من دون سواها من المناطق اللبنانية؟ يشير الحبلي الى أن أحد المعنيين في بلدية صيدا، شكا منذ فترة غير بعيدة أن المياه متوافرة بكثرة في خزانات محطة الضخ في المدينة، ولكن لا تصخ بالكميات اللازمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي والنقص المستمر في وقود المولدات الإحتياطية. وتاليا، يعاني الصيداويون من نقص المياه بين الحين والآخر، مشيرا في هذا السياق الى أن مجلة (Beyond-Magazine) وهي تعنى بالبيئة والمشاريع الخضراء نشرت في عددها الصادر في كانون الثاني – 2013 مقابلة مع مدير المشروعات الكهرومائية في وزارة الطاقة حسان حراجلي بأن الـ UNDP ستمول مشاريع كهرومائية عدة ومن بينها توربينات مائية لإنتاج 200 كيلوواط في محطة ضخ مياه صيدا، والتي تكفي لتشغيل المضخات وتغذية المدينة بالمياه مع الاستغناء عن المولدات الاحتياطية. من هنا يؤكد حبلي “بما ان هذه الاعمال وتمويلها ملحوظان من وزارة الطاقة منذ أكثر من عامين، يمكن حلحلة الأمور الإدارية العالقة لتنفيذ هذا المشروع كي لا تعطش صيدا مجدداً”.
أما بالنسبة للمشروع الثاني، فيشير الحبلي الى انه، بما ان بلدية صيدا بدأت بمشروعات تطوير البنى التحتية في المدينة، فإن إيجاد مصدر كهربائي يعول عليه ونظيف لتغذية منظومة إنارة الشوارع الرئيسية والتجارية للمدينة بات أمراً ضرورياً، مقترحا تركيب مولدات كهرومائية على مسار نهر الأولي لإنتاج الطاقة اللازمة لذلك، ونقلها عبر كابلات أرضية ضمن شبكات البنى التحتية الجديدة. وبذلك تتم تغذية أنظمة إنارة الشوارع الرئيسية من الطاقة المولدة ليلاً، على أن تضخ نهاراً في شبكة الكهرباء على نظام (net metering). ويوضح حبلي أن المشروع يمكن تعميمه على مختلف المناطق التي تتوافر فيها المياه.
المشروع الثالث: كي نزرع أكثر
وفي حديثه عن النموذج الثالث المخصص للمزارعين، يشير الحبلي الى إن الأعباء المالية على المزارع كثيرة، ومنها كلفة وقود المضخات وتأمين الكهرباء لزوم الري. لذلك، ينصح وزارة الزراعة بإنشاء مشاريع كهرومائية صغيرة نموذجية في الاراضي الزراعية بمحاذاة الانهار، كالليطاني والعاصي أو الجدوال وقنوات الري، كما في سهل البقاع، على أمل ان يروج لها مستقبلاً في مختلف الاراضي الزراعية في لبنان. وفي موازاة ذلك، يقترح حبلي العمل مع مصرف لبنان ومنظومات الإتحاد الأوروبي على تقديم قروض ميسرة وطويلة الأجل للمزارع للاستثمار في الطاقة الكهرومائية، كما هي الحال في قروض الإستثمار في مشاريع الالواح الشمسية التي تحتاج الى بطاريات تخزين عادة وهي عبء مالي إضافي على المستثمر, في حين أنه لا حاجة لها غالباً في تطبيقات الطاقة الكهرومائية.