شدد النائب أحمد فتفت لـصحيفة “السفير” على ان بداية المقاومة المدنية للنظام السوري في لبنان بدأها نواب المجلس النيابي الذين رفضوا التمديد للرئيس اميل لحود والذين بلغ عددهم 29 نائبا. “كانت تلك اللبنة الأولى.. وتلاها تأسيس لقاءات البريستول” التي وقف وراءها لقاء “قرنة شهوان” ووليد جنبلاط، والتي بلغت ثلاثة لقاءات قبل جريمة اغتيال الحريري في 14 شباط 2005.
في ذلك النهار، واثر اغتيال هز البلاد والمنطقة، تجمع معارضو النظام القائم حينذاك في قريطم، وخرجوا ببيان، اثر نقاش طويل، شكل أساس التحركات الشعبية، ذات الطابع الشبابي، التي انطلقت في ساحة الشهداء والتي كانت تتعاظم رويدا رويدا.
حمّل المعارضون حينها “النظام الأمني اللبناني السوري” مسؤولية اغتيال الحريري، وطالبوا بتحقيق دولي وبمحكمة دولية..
ويستذكر القيادي الآذاري أن اختلافا وبعض الضياع شابا مطالبات المعارضة بين أصوات طالبت بانسحاب الجيش السوري الى البقاع، وأخرى دعت الى انسحاب كامل من لبنان، وما لبث الرأي الثاني ان طغى على المشهد.
حققت المعارضة حينها “إنجازات على الأرض”، كان ذلك بعد أيام من اغتيال الحريري. ويقول فتفت: كان أول الإنجازات في 21 شباط، وتمثل في الاعتصام النيابي، اذ طالب نحو 30 نائبا بعقد جلسة مناقشة عامة للحكومة. ويشير الى ان سقف المطالب كان يرتفع تدريجيا، مع تدفق الجموع الى اعتصام ساحة الشهداء، ومن بينهم نواب في المجلس. ويلفت النظر الى ان الإنجاز الثاني الهام للمعارضة سجل في 28 شباط مع استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي.
استمر حراك المعارضة بالتصاعد، واتخذ من تظاهرة “لقاء الأحزاب” في 8 آذار دفعا الى الامام لتسجيل “إنجاز لا سقف له” مع دعوة “تيار المستقبل” الى التظاهر في ساحة الشهداء في ذكرى مرور شهر على اغتيال الحريري، حسب فتفت.
ومن يستذكر تلك المحطة، يسجل بان الرأي الطاغي على الحراك لم يكن معاداة “حزب الله” والمقاومة، كما انه لم يقطع مع سوريا والعروبة والقضية الفلسطينية. وحملت كلمة بهية الحريري دلالات بالغة الأهمية اذ “لن نقول وداعا سوريا او شكرا سوريا، بل إلى اللقاء دوما مع الشقيقة سوريا”.
يعدد فتفت الإنجازات التي خرج بها الحراك الشعبي في ذلك الحين، والتي امتدت برأيه لسنوات، وصولا الى إسقاط الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني من العام 2011.
يقول: في الأشهر الأولى تمثلت الإنجازات في إجراء التحقيق الدولي في جريمة 14 شباط. إسقاط حكومة كرامي. النزول بذلك الحشد في 14 آذار. انسحاب الجيش السوري في نيسان. إجراء الانتخابات النيابية. تكليف الرئيس فؤاد السنيورة تشكيل حكومة جامعة (لا يعتبر فتفت تشكيل الحكومة الانتقالية للرئيس نجيب ميقاتي في اطار الإنجازات). ويشير الى ان حكومة السنيورة جاءت تحت عنوانين رئيسيين: التحقيق الدولي وتأمين نمو اقتصادي للبلاد الواقعة تحت أزمة سياسية كبيرة “وهو أمر تحقق، وخاصة اقتصاديا مع بلوغ النمو الاقتصادي نحو 8 في المئة.. إضافة الى عقد مؤتمر باريس 3..”.
ويلفت فتفت النظر الى تقدم قوى “14 آذار” في انتخابات العامين 2005 و2009، وحصولها على 72 نائبا في البرلمان وتراجع قوى “8 آذار” الى موقع الدفاع.
ويضيف “إنجاز” نهر البارد العام 2007 على قائمة ما تحقق “خاصة اثر ما قاله السيد حسن نصر الله من ان دخول المخيم هو خط أحمر”. كما يشير الى إنجازات أخرى من بينها الإنتاجية في عمل حكومة السنيورة برغم ظروف البلاد والخلاف داخل الحكومة.
ومن “إنجازات الثورة”، يشير فتفت الى انتخاب الرئيس ميشال سليمان رئيسا للجمهورية في أيار العام 2008. ويشير الى ان فكرة ترشيح سليمان كانت من قبل قوى “14 آذار”، علما ان انتخاب سليمان جاء توافقيا، واثر احداث أيار التي فرض فيها “حزب الله” واقعه العسكري على جزء من البلاد، وهو ما يسميه فتفت بـ “غزوة بيروت”.
ويضيف فتفت الى تلك “الإنجازات” ما يعتبره “حماية النظام الديموقراطي وموقفنا بمنع الفتنة والحرب الأهلية”.
يقر فتفت بجملة إخفاقات ويقول أن أهمها كان: عدم السير قدما لإسقاط لحود. عقد الحلف الرباعي (“حزب الله”، “أمل”، “المستقبل” و “الإشتراكي”) وهو الأمر الذي أخرج ميشال عون من المعادلة في ظل اعتبار وليد جنبلاط ان التحالف مع عون سيضر بالحلفاء المسيحيين وسيستفز المكون الشيعي، شكل الإخفاق الثاني حسب القيادي في “14 آذار” الذي يضيف ان بعض القوى في “14 آذار” شعرت حينها ان عون يريد الاستئثار بزعامة الحركة الشعبية، وان لا يكون ندا للآخرين، كما ان تلك القوى توجست من صفقة بين عون وقوى السلطة قبيل 14 آذار “وحتى قبيل 14 شباط”.
لكن فتفت يشعر بخطأ اقصاء عون عبر الحلف الرباعي، كما انه يشير الى ان هذا الحلف قد أودى نهائيا بحليف شيعي يتوالد من رحم التطورات، على تواضع الآمال حول تشكل حلف شيعي على مسافة أو بمعارضة لـ “حزب الله” و “أمل”.
وبينما يلفت القيادي في “14 آذار”، النظر الى ان زيارة الحريري لدمشق بعد ترؤسه الحكومة، شكلت خطأ كبيرا وخللا كبيرا في العلاقة مع مكونات أساسية في “14 آذار”، يقول فتفت ان الـ “س – س” التي جاءت لتحاول التأسيس لحدود جديدة على المسرح السياسي اللبناني، وزيارة الحريري لدمشق بعد نيله الثقة في المجلس النيابي، كانتا مبادرتين ضروريتين نظرا لأن سوريا هي الرئة التي يتنفس منها لبنان “في ظل التزامنا بالعداء لإسرائيل على حدودنا الجنوبية”. ويشبه فتفت زيارة الحريري بتلك التي قام بها السنيورة الى دمشق العام 2005 بعد نيله ثقة الحكومة، ويسأل عن سبب عدم إثارة زيارة السنيورة ضجة كتلك التي اثارتها زيارة الحريري؟
على ان القيادي في “14 آذار” يشير الى ضربتين كبيرتين تلقتهما تلك الحركة: أولاهما تموضع جنبلاط اثر انتخابات العام 2009 وافتقاد الحركة للقيادة، وثانيتهما التخبط لدى تيار “المستقبل”، من زيارة الحريري لدمشق خارج إجماع “14 آذار”، ومن ثم اصطفاف “المستقبل” وتورطه بدعم “الثورة” السورية بوجه النظام السوري.
لكن فتفت يقابل الأمر بأن “المستقبل” قدم مساندة سياسية وإعلامية للثورة السورية وحصر تدخله بالنطاق الذي يفرضه “التزامنا بإعلان بعبدا”.
وبينما يشير فتفت الى وثيقة سياسية حضرتها “14 آذار” تحدد المخاطر وتلحظها على لبنان، يغلب التشاؤم على رؤية قوى “14 آذار” على صعيد المشهد الأكبر. ويعتبر فتفت “اننا دخلنا حرب الـ 100 عام في المنطقة في ظل ثلاث استراتيجيات دينية: إسرائيلية وايرانية وسنية متشددة”.
“ستظل 14 آذار قائمة في ظل مشروعين في البلاد: الأول إيراني، بوجهه الثاني وهو مشروع الدولة الذي تلتف حوله الأكثرية الصامتة تحت شعارات 14 آذار التي تتجاوز اليوم الأحزاب وباتت تشكل رافعة لتقدم البلد”، حسب فتفت.