كعادتها كل صباح، كانت لميا شموري ترشّ القمح للعصافير لتقتات، عندما ناداها ابنها مغادرا المنزل ليستقل الباص الى مدرسته، منبهّا اياها الى وجود اغراض متروكة على شرفة منزلهما الارضي الكائن على الطريق العام في بلدة المرج- البقاع الغربي.
ظنت لميا في بادىء الامر ان عابر سبيل قد يكون ترك حاجياته وسيعود ويحضرها، لكن ما وجدته ملفوفا في جلد غنم، كان حياة تصارع من اجل البقاء. طفلة حديثة الولادة، تركها احدهم هناك عمدا ليجدها اهل البيت او احد المارة. لم تر منها لميا بداية سوى يديها الصغيرتين. تقول: “كانت تحركهما كأنها تمدهما نحوي لانتشلها” على ما تقول. هزت الصدمة لميا، فاستعانت بشاب كان ينتظر على الطريق سيارة،فحمل الطفلة الى داخل المنزل وسبقته هي لتوقد مزيد من النار للتدفئة. المولودة كانت ترتجف بردا، وجهها يميل الى الازرقاق، كانت ملفوفة بكنزة بيضاء وحرام ازرق ومن ثم بجلد غنم عتيق، وكانت آثار الرحم الذي حملها 9 اشهر لا تزال عليها، حبل سرتها مربوطا بخيوط نايلون،وبدا مما تعلق بها وكأنها ولدت في حظيرة.
نادت لميا جارتها راغدة التي نادت بدورها جارتهما…، “انعجقت” النسوة بالطفلة، احضرن لها ثيابا لكسائها وحليبا لاطعامها من جارتهن التي انجبت حديثا. قمن بغسلها، والمياه التي انسابت ساخنة، كدفء الحنان الذي احيطت به، جعل المولودة تطمئن وتغفو.
اتصلت العائلة بالقوى الامنية التي حضرت الى المكان وفتحت تحقيقا بالحادث، وخابرت النيابة العامة الاستئنافية في البقاع، التي امرت بنقل الطفلة الى مستشفى الياس هراوي الحكومي بزحلة. والى المستشفى، رافقها زوج لميا عبدالله شحاده محمود وابنتهما، حيث تقبع هناك منذ يوم امس في حاضنة، بعناية الفريق الطبي والتمريضي لقسم الاطفال في المستشفى. طفلة صحيحة معافاة على ما تبين من كشف طبيب الاطفال في المستشفى والطبيب الشرعي عليها. فيما تقبع لميا في منزلها ينتابها شعور بالفراغ بعد قوة التجربة الانسانية التي عاشتها، مع من من اسمتها هبة، “لكونها “هبة من الله”.
لم تلتقط كاميرات المراقبة في محيط منزل آل محمود عملية ايداع الطفلة. فقد تكشف الايام من هم اهلها والاسباب التي حدتهم الى التخلي عنها، وقد تكبر من دون ان تعرف من وهبها الحياة. لكن منذ الآن بات عندها عائلة، بل حيّ باكمله، يقلق لمصيرها، ويوّد لو تتحقق امنية جارهم، الذي لم يمنّ الله عليه باولاد، فيتبناها ابنة له، وتكبر في الحيّ وسطهم.
وعندما تكبر لن يكون لديها صور سوى لكونها طفلة ثمينة جدا، جديرة بالمحبة والاهتمام والعناية. فاحد ممن انقذها واعتنى بها واعطاها فرصة جديدة للحياة، لم يشهر هاتفه الذكي ويلتقط للطفلة صورة وهي في محنتها، لم يلتقطوا لها صورا الا بعد ان نظفوها والبسوها ثيابا جميلة، على الصورة التي هي عليها “هبة من الله”.