IMLebanon

من المسؤول عن دفع مئات الآلاف الى ساحة الشهداء في 14 اذار 2005؟

march 14 2015

ليس سهلاً استعادة رواية 14 آذار بعد عشر سنين على أضخم تظاهرة في تاريخ لبنان والشرق الاوسط ربما. كثر من القادة الذين صنعوا الحدث أصبحوا تحت التراب عقاباً لهم ربما على تلك الصورة المشهدية الملحمية، بينما فضل آخرون الانسحاب من دائرة الضوء بعدما ضاعت البوصلة وديست أحلام اللبنانيين وأمانيهم وسط صراعات السياسيين المتنافسين على الحصص والاحجام والأوزان الطائفية والمذهبية.

ليل 8-9 آذار، بعد التظاهرة الضخمة التي نظمها “حزب الله” وحلفاؤه في وسط بيروت، سادت أجواء احباط لدى غالبية قيادات 14 آذار، وكان سفيرا فرنسا والولايات المتحدة الاكثر تشاؤماً بفعل تقديرهما للاثر المعنوي الذي ستخلفه تظاهرة 8 آذار في مطلب انسحاب الجيش السوري من لبنان الذي كانت ترفعه المعارضة. وسط هذه الاجواء تتالت اجتماعات المعارضين جميعاً ومن ضمنهم “التيار الوطني” والحزب التقدمي الاشتراكي تحت عباءة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير، وتركز البحث على سبل تأمين الحشد لذكرى شهر على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لم يكن يدور في ذهن اي أحد حجم التعبئة التي تعتمر في نفوس الرأي العام وخصوصاً بعد تظاهرة 8 آذار والخطاب السياسي الذي أطلق خلالها. عن ذلك اليوم يقول الدكتور فارس سعيد “إن الناس لم تكن في حاجة الى تعبئة، ورد الفعل على تحدي 8 آذار كان قد فعل فعله، المسيحيون والدروز كانوا مستنفرين واجراس الكنائس قرعت في كل القرى والمدن والبلدات والمدن، والسنّة تحركوا عن بكرة ابيهم، ونزل كثر من الشيعة وشاركوا في المشهد المليوني”.

لم تكن تظاهرة 14 آذار الاولى بعد حشد التشييع، بل درجت العادة من يوم اغتيال الحريري على تنظيم تظاهرة مركزية كل اثنين، تشارك فيها الاحزاب كافة، وكانت الاعداد تزداد مرة بعد اخرى، ومرة يشارك الاطباء ومرة أخرى المحامون والهيئات النقابية. لكن تظاهرة 14 آذار كانت الاكبر، ولا أحد يعرف كيف اندفع مئات الألوف عفوياً الى وسط بيروت في مشهدية عارمة لا أول لها ولا آخر. تقول الناشطة اسما أندراوس، أن الاحزاب ارسلت بعض الحافلات لنقل الجماهير لكن تحرك آلاف الجماهير كان عفوياً والتنظيم البسيط الذي حاوله المنظمون انهار ولم يستوعب الحشود، واعتباراً من الساعة العاشرة صباحاً كانت الساحة تختنق بناسها.

ليل 13-14 لم تنم غالبية اللبنانيين في المنازل، وساهمت التعبئة التي تولتها الكنائس والحزب التقدمي الاشتراكي والشارع السني وتحرك وسائل الاعلام والاحزاب المعارضة كافة في دفع الاستنفار الشعبي الى اعلى درجاته. وبدأت أولى الموجات البشرية السادسة صباحاً بالوصول الى ساحة الشهداء حيث كان الجيش يمنع الدخول شكلياً. وعند العاشرة بدا واضحاً أن الساحة لن تستطيع استيعاب مئات الآلاف من العائلات والاولاد الذين كانوا يتقاطرون على وسط بيروت بأعلامهم ولافتاتهم البدائية في ظل اقفال تام لكل الطرق المؤدية الى وسط بيروت من الجنوب والشمال والبقاع. اكتمل المشهد منتصف النهار مع مرور مروحية للجيش فوق ساحة الشهداء تقل البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير في طريقه الى المطار ومنه الى الولايات المتحدة الاميركية ليستقبل كرئيس دولة ويلتقي الرئيس الاميركي، متحدثاً باسم جميع اللبنانيين الذين احتلت صور تظاهرتهم المليونية شاشات أقنية التلفزيون.

لا يستطيع أي حزب ادعاء أنه المسؤول عن دفع مئات الآلاف الى ساحة الشهداء. الاصح أن اللبنانيين توجهوا اليها من تلقاء ذواتهم، بعدما بلغ احتقان الرأي العام من تصرفات الاحتلال السوري درجة كبيرة وغير مسبوقة، وكان واضحاً في التفسير النفسي لتصرفات هذا الجمهور الهائل، أن الناس ارادت التعبير مرة واحدة وقاطعة عن رفضها ما يجري ومحاولة طمس ارادتها وأمانيها، وعن مطالبتها باستقلال لبنان وسيادته والعيش بكرامة بعد طول مهانة واذلال على يد النظام السوري ومواليه في لبنان.