تمكن الجيش اللبناني في المعارك الاخيرة لا سيما في جرود عرسال ورأس بعلبك من تحويل هذه الجرود الى خطوط مواجهة مع الجماعات الارهابية بدل ان تكون خطوطا دفاعية كما كان يحصل في السابق. وبمعنى اخر صار هو صاحب المبادرة ان كان على صعيد ضرب تحركات المسلحين او اقفال المعابر والتضييق عليهم بالنار، او بتحقيق ضربات قوية استباقية وتوسيع رقعة تمركزه في المرتفعات وغير ذلك.
ومما لا شك فيه ان هذه الانجازات وهذا التحول الميداني يساهم عمليا في تعزيز عناصر الاطمئنان للوضع في المنطقة، وان كان مناخ الامان مقرون اولا واخيرا بالقضاء على هذا الخطر نهائيا وسحق ودحر مسلحي “داعش” و”النصرة” ومحلقاتهما.
ووفقا للمعلومات فان هذا النجاح حظي باهتمام وتقدير السفراء الاجانب الذين يتكلمون مع مسؤولين لبنانيين عن هذا الموضوع في غير مناسبة. ويعتبرون ان ما جرى ويجري في جرود عرسال ورأس بعلبك يعزز الرهان على الجيش وقدرته في معركته ضد الارهاب.
والمهم، بنظر مصدر لبناني بارز ان هذا التطور الميداني في الجرود الشرقية لصالح الجيش في وجه الارهاب يشكل ايضا احد العناصر الاساسية للاستقرار الامني النسبي الذي ينعم به لبنان في محيطه المتفجر، يضاف اليه بطبيعة الحال الانجازات الكبيرة التي حققتها مخابرات الجيش والاجهزة الامنية الاخرى في ملاحقة وتوقيف الكثير من الشبكات والعناصر والقيادات الارهابية.
ويقول المصدر البارز “صحيح ان لبنان ليس جزيرة وهو يتأثر بمحيطه، لكن الصحيح ايضا ان الوضع الامني في لبنان يبقى الافضل وعلى مسافة كبيرة من الاوضاع المتفجرة في المحيط اكان في سوريا او العراق او اليمن او غيرها. فما هي اسباب هذا الاستقرار النسبي؟
برأي المصدر نفسه ان هناك عوامل واسباب عديدة وراء ذلك وهي تتطور حتى الان ايجابا وليس سلبا، ولعل ابرزها بالاضافة الى العمل المباشر الذي قام ويقوم به الجيش والقوى الامنية ما يلي:
1- وجود واستمرار قرار دولي واقليمي بالحفاظ على “الحد الممكن” من الاستقرار بدليل ان ما سجل فيه من تفجيرات وتوترات ومخاطر لم يؤد الى اشتعال الساحة اللبنانية بل بقيت تحت سقف من هذا النوع في الاستقرار.
ويشار في هذا المجال الى ان سفراء دول فاعلة كانوا ابلغوا المسؤولين مرارا بهذا القرار غير المعلن، واعربوا عن عزم بلدانهم على ان يبقى الوضع في لبنان “أندر كونترول”
2- ترجمة هذه الدول سياسة ضبط الوضع في لبنان قدر الامكان، بالمبادرة الى المساعدة ودعم تعزيز الجيش بالمعدات والسلاح، رغم الوتيرة الضعيفة والبطيئة لهذا التسليح قياسا للمخاطر التي يشكلها الارهاب على لبنان.
ويشار هنا الى الهبة السعودية المالية الكبيرة (اربعة مليارات دولار)، والى “وجبات” الاسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة الاميركية وآخرها المدافع الثقيلة للجيش اللبناني، واستعداد عدد من الدول الاوروبية وفي مقدمها فرنسا على تقديم السلاح والتدريب للمؤسسة العسكرية. وفي المعسكر الاخر، يبرز الموقف الايراني المتكرر بالاستعداد لتقديم كل الدعم والسلاح للجيش مع العلم ان الحكومة اللبنانية هي التي تتريث حتى الآن في تلقف المبادرات الايرانية رغم الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الى طهران، والرسائل المتكررة التي نقلها مسؤولون ايرانيون للبنان في هذا الصدد.
كما يبرز الموقف الروسي الذي عبرت عنه القيادة الروسية مراراً باستعدادها لتزويد الجيش اللبناني بالسلاح والطائرات المروحية العسكرية التي تلعب دوراً مهماً في المعركة ضد المسلحين الارهابيين في الجرود الشرقية وفي اي مكان.
وفي خلاصة هذا الامر ان هناك ما يمكن وصفه بالتوافق المبدئي بين القوى الدولية والاقليمية المؤثرة على دعم وتعزيز قدرات الجيش اللبناني، وهذا يشكل وجهاً من وجوه ترجمة الرغبة بابقاء لبنان في جو من الاستقرار النسبي.
3- يبرز ايضاً من هذه العناصر المساعدة على الاستقرار، الحوار الدائر بين حزب الله وتيار المستقبل برعاية الرئيس بري، والذي حظي ويحظى بدعم داخلي وخارجي واسعين.
وقد لعب هذا الحوار حتى الان دوراً مهماً في تنقية الاجواء الداخلية على صعيد تخفيف الاحتقان والتشنج لا سيما بين السنّة والشيعة، اضافة الى الخطوات والاجراءات الامنية الناجحة التي نفذت حتى الان كثمرة لحوار عين التينة.
وفي اعتقاد المصدر البارز ان هذه العناصر الداخلية والخارجية هي بمثابة “زيادة مناعة وخفض حرارة الجسم المريض الى 38 درجة بدل ان تصل الى اربعين او اكثر كما هو الحال بالنسبة للمحيط المتفجر”.
ومما لا شك فيه، يضيف المصدر، ان الحوار يلعب دور تبريد الجسم اللبناني في ظل العجز الراهن عن اطفاء كل الحرارة الزائدة التي يعاني منها، مع العلم ان هناك خطوات واجراءات اخرى يمكن متابعتها من اجل تعزيز هذا المنحى الذي يساهم مساهمة اساسية في تحصين الوضع الامني اللبناني بوجه الارهاب وخطر الارهابيين.