ديفيد بيلينج
بالنسبة للمتشككين، بالتأكيد لا بد أنه يبدو كذلك. تعثّر نمو اليابان. وقد أظهر التعديل إلى الأدنى هذا الأسبوع أن الاقتصاد قد توسّع بمعدل سنوي يبلغ 1.5 في المائة في الربع الرابع.
هذا قد لا يبدو سيئاً جداً بالنسبة لاقتصاد ناضج لم يقدم أداء مذهلا في الأعوام الأخيرة. مع ذلك، هذا يأتي بعد ربعين من الانكماش الحاد. الناتج قد تقلّص بالفعل في عام 2014، وإن كان بنسبة ضئيلة تبلغ 0.03 في المائة. النمو السلبي، رغم صغر حجمه، بالكاد يعتبر “سرعة الإفلات” التي يقول مختصو الاقتصاد “إن اليابان تحتاج إليها للتخلّص من 20 عاماً من الانكماش”.
إبعاد الانكماش كان من المفترض أن يكون أساس برنامج آبي الاقتصادي، الذي قدّمه رئيس الوزراء شينزو آبي في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2012. هنا مرة أخرى، الأخبار تبدو سيئة.
لقد تعهد هارهيكو كورودا، محافظ البنك المركزي، بالوصول إلى تضخم بنسبة 2 في المائة في غضون “نحو عامين” من نيسان (أبريل) من عام 2013. إلا أنه الآن يتنصّل من الوعد.
على ما يبدو، أنه بلغة مُحافظي البنوك المركزية، فإن “نحو عامين” يمكن أن تعني ثلاثة أعوام أو أكثر. وهكذا لم يعد هناك مجال للحديث عن الشفافية. التضخم الأساسي، الذي يتضمن الطاقة، يبلغ 0.2 في المائة فقط. ما لم تُقدّم أسعار النفط انتعاشاً مفاجئاً، يمكن أن تجد اليابان نفسها تعود إلى الانكماش. برنامج آبي الاقتصادي بدون تضخم هو مثل هاملت بدون شبح.
التضخم الضعيف يمارس الضغط على بنك اليابان للشروع في تنفيذ مزيد من برنامج التسهيل الكمي، بعد انطلاقه الثاني المفاجئ في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. إذا لم يتصرف، قد يفقد مصداقيته سواء مع الأسواق أو مع الشعب الذي يحتاج إلى إقناعه بأن التضخم موجود ولن يختفي.
التضخم المنخفض ينبع جزئياً من خطأ في السياسة: الارتفاع الأخير في العام الماضي بنسبة 3 في المائة في ضريبة الاستهلاك، جاء تماماً في الوقت الذي طُلب فيه من المستهلكين أن ينفقوا. بدلاً من ذلك، فقد أحجموا عن الإنفاق.
كل هذا يجعل من الصعب القول إن الأمور تجري حسب المُخطط. مع ذلك، الصورة هي أكثر إيجابية مما تبدو. السبب الأكبر لانخفاض التضخم هو أسعار النفط المنخفضة. هذا قد يضع بنك اليابان في مأزق – لكن بالنسبة للاقتصاد بشكل عام هذه أخبار ممتازة. اليابان مستوردة للطاقة بكميات هائلة، وزادت الكمية منذ إغلاق مفاعلاتها النووية، بعد أن ضرب إعصار تسونامي محطة فوكوشيما قبل أربعة أعوام.
النفط الرخيص ينبغي أن يفعل العجائب بالنسبة للطلب. كما ينبغي له أيضاً تهدئة المخاوف بشأن عجز الحساب الجاري. هذا العام، ينبغي أن يبلغ فائض اليابان نسبة قوية تبلغ 3 في المائة.
بشكل حاسم، انخفاض التضخم على خلفية تراجع أسعار الطاقة، قد يكون تمهيداً لـ “تضخم” مدفوع بالطلب.
كيف يمكن أن ينجح هذا؟ بعد إطلاق برنامج آبي الاقتصادي، ارتفع التضخم بسرعة إلى نحو 1.5 في المائة على خلفية أسعار النفط المرتفعة والين الضعيف.
في الوقت الذي احتفل فيه مختصو الاقتصاد، كان المستهلكون قد تساءلوا أين ذهبت قوة إنفاقهم. هذا العام، العكس ينبغي أن يحدث بالضبط. أرباح الشركات لم تكُن بمثل هذا الارتفاع. والصادرات قوية. حتى الصناعات التي اختفت مثل بناء السفن بدأت تعود. نتيجة لذلك، قد ترفع الشركات – تحت ضغط كثيف من حكومة آبي – الأجور الضئيلة ضمن محادثات الرواتب السنوية هذا الشهر، بنسبة تصل إلى 2 في المائة. حتى قبل جولة الرواتب السنوية في كانون الثاني (يناير)، ارتفع الراتب الأساسي – بدون المكافآت – بنسبة 0.8 في المائة عن العام السابق، وهو الارتفاع الأكبر منذ 15 عاماً.
المزيج الذي يجمع بين الأسعار الثابتة أو المنخفضة وبين الأجور العالية قد يؤدي إلى طفرة استهلاكية مُصغّرة.
كذلك هذا ليس من المحتمل أن يكون سيناريو وردياً تماماً بسبب النفط الرخيص. سوق العمل كانت شحيحة منذ أعوام. وهذا جزئياً لأنه على الرغم من الربعين الضعيفين العام الماضي، إلا أن الناتج كان يرتفع أعلى من معدل الاتجاه لأكثر من عامين.
التركيبة السكانية أيضاً تلعب دوراً. مع تقلّص القوة العاملة، بنحو 300 ألف كل عام، الأعمال من شركات البناء إلى دور الرعاية تجد نفسها تعاني نقص الموظفين.
منذ بدء برنامج آبي الاقتصادي، نحو مليون امرأة انضمت إلى القوة العاملة. معظمهن اتخذن أعمالاً ذات أجر منخفض لكن حتى هذا قد يكون آخذا في التغير.
يقول جيسبر كول، مدير الأبحاث في “جيه بي مورجان”، “إن هناك بوادر أن الشركات قد بدأت تضع العاملين بالعقود في وظائف بدوام كامل ذات أجر أفضل”. ويُضيف أن “اليابان قد تكون الدولة الغنية الوحيدة التي يزيد بالفعل حجم الطبقة المتوسطة فيها”.
لا يعني أي من هذا أن آبي يستطيع التنفس بسهولة. لا تزال هناك مشكلة ديون تلوح في الأفق، حتى إذا، إلى حد كبير بفضل إيرادات الضرائب المزدهرة، تم تخفيض إصدار السندات إلى أقل من 40 تريليون ين للمرة الأولى منذ عام 2009.
حتى إذا كانت القوة العاملة المتقلّصة توفر دفعة قصيرة المدى، إلا أنه على المدى المتوسط سيكون على اليابان التعامل مع كيفية تمويل احتياجات السكان الذين يتقدمون في السن. أولئك الذين يضعون ثقتهم في الإصلاحات الهيكلية، يشتكون أيضاً من أن “السهم الثالث” من برنامج آبي الاقتصادي، لم يُغادر جعبته حتى الآن.
مع ذلك، ورغم جميع هذه المخاوف، قد يتحدى الاقتصاد بالفعل المتشائمين هذا العام والعام المقبل. بالتأكيد من السابق لأوانه إعلان النصر، لكن كذلك برنامج آبي الاقتصادي لم يمُت بعد، ناهيك عن أن يُدفن.