من دمعة الفراق والغربة والخوف من المستقبل والمجهول، الى ابتسامة الفرح والحب والاستقرار… لم تكن مريانا دنحة الشابة العراقية التي وصلت مع عائلتها لبنان وتحديدا بلدة القليعة هربا من الاضطهاد العرقي والطائفي في العراق، تتوقع انّها قد تصبح مواطنة لبنانية وان اقامتها في لبنان ستصبح دائمة.
حملت معها خوفها ودموعها وآمالها، هي الشابة الطموحة التي كانت في صف الثانوي الثالث ومصمّمة على متابعة دراستها الجامعية في الصيدلة، لكن الحب ابتسم لها في البلد الذي كان “الملجأ” ليصبح بلدها الثاني وارتبطت بشاب من البلدة التي استضافت عائلتها كما نحو ستين عائلة عراقية أخرى.
سليم مقلد هو الشاب الذي خفق قلبه لمريانا وهو كان من الأوائل الذين ساهموا باستضافة العائلات العراقية في البلدة بالتعاون مساعد كاهن الرعية الخوري بيار الراعي، وكان قراره الارتباط بها بعدما اخذ موافقة اهلها الذين رحبّوا بالفكرة مطمئنين الى مستقبل ابنتهم، حتى أن اهله رحبّوا ايضا بها ولم يشعروا بأي فارق بالعادات والتقاليد. وهذا ما أكّدت عليه مريانا التي قالت إنّ شعورها تحوّل من خوف عاشته في الاشهر الاولى من قدومها الى لبنان الى شعور اطمئنان وحب كبير لهذا البلد وهذه المنطقة، وتقول أنّها تشعر كأنها بين أهلها وهي سعيدة للإقامة الدائمة في لبنان وتحديدا في القليعة.
وعمّا اذا كان الحب ينسيها وطنها الام، قالت: “الحب ساعدني لتجاوز شعور الغربة والألم، لكنّه لن ينسيني وطني الأم ابدا، واتمنى ان يستعيد العراق الامن والسلام، فنزوره انا وسليم سويا. انا سعيدة بما انا عليه اليوم، وفرحة لأن أهلي مرتاحون ايضا ومطمئنين الى مستقبلي، كنت سابقا اتمنى ان نرحل نهائيا الى اي بلد فيه امان الا انني حاليا اتمنى ان ابقى دوما في لبنان”. مريانا لم تفقد طموحها باكمال دراستها، لكنّها اختارت دراسة الادب العربي لاختلاف المناهج عن العراق. تتحدّث بثقة وتفاؤل عن مستقبلها والعائلة التي ستبينها في القليعة مع زوجها المستقبلي سليم، الذي شعر بقواسم مشتركة كثيرة بينهما وبين المجتمعين اللبناني والعراقي، رغم بعض العادات الأكثر تشدّدا التي لا يزال المجتمع العراقي يعيشها. سعد وايمان والدا مريانا يعتبران ان الله هو المدبّر، وهو الذي رسم هذه الطريق لهم، فقبل ستّة اشهر لم يكن احد منهم يعلم انّهم قد يتركون بيوتهم وارضهم وبلدتهم قرقوش في سهل نينوى ليرحلوا الى لبنان ومن ثم الى جنوبه، وان ابنتهم قد تجد نصيبها في بلدة القليعة. تعبّر ايمان عن فرحتها بسعادة ابنتها، وتقول: “اهالي البلدة اشعرونا بالحنان وبأننا جزءا منهم لدرجة اننا بتنا نشعر اننا من البلدة، لذا لم يكن صعبا عليّ الموافقة على ارتباط ابنتي بشاب من البلدة، فأنا مطمئنة الى مستقبلها مع سليم حتى ولو نحن تركنا لبنان في يوم من الايام”.
في ايلول الماضي، استقبلت بلدة القليعة عشرات العائلات العراقية المسيحية السريانية التي هربت من مدينة قرقوش في سهل نينوى بسبب احتلال “داعش” لها، ويوما بعد يوم ازداد العدد ليصل الى نحو ستين عائلة لقيت ترحيبا واحتضانا لافتا من ابناء البلدة الذين اعتبروهم جزءا من مجتمعهم ومن حياتهم اليومية، حتى جدتها جوزفين تعبّر عن فرحتها بأن هذا هو النصيب. لا يختلف مشهد عائلة مريانا عن مشهد عائلة سليم التي تنظر الى مريانا وكأنّها فرد من العائلة. شقيقة سليم المهندسة الزراعية ملاك، تقول: “كنا اختان، واصبحنا ثلاثة. لا نشعر بفوارق اجتماعية، فهي تشبهنا كثيرا”.
سليم هو الشاب الاول الذي اعلن خطوبته رسميا على فتاة عراقية، وعلى ما يبدو ليس الأخير، فهناك شابان آخران سيعلنان خطوبتهما قريبا على فتاتين عراقيتين ايضا.