IMLebanon

الدولار الصاعد عالمياً بلا توقف يترك وراءه مخاطر كبيرة

DollarUp
جون أوثرز

يتمتع الدولار الأمريكي بقوة هائلة. وهو قوي الآن مقابل عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين، مثلما كان في الفترة التي سبقت غزو العراق في أوائل عام 2003.

في الأثناء، تعرضت للضعف كل عملة أخرى تقريبا، أبرزها اليورو. الاستثناء الكبير الوحيد هو الجنيه الاسترليني الذي يتصرف مثل الأخ الصغير للدولار.

لماذا يحدث هذا وما العواقب؟ لقد اتجه الدولار صعودا وبلا توقف منذ بدأت الأزمة المالية في عام 2008، لكن اندفاعه بدأ حقا في النصف الأخير من العام الماضي. ووفقا لمؤشر الوزن التجاري النسبي الذي تحتفظ به بورصة آي سي إي، اكتسب الدولار 7.7 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي، و5 في المائة في الربع الأخير، ومن ثم سجل نسبة مدهشة بلغت 10.4 في المائة منذ بداية الربع الحالي حتى الآن. وحاليا، يعتبر في سبيله إلى بلوغ الربع الأقوى منذ خريف عام 1992.

العنصر الذي أشعل فتيل ارتفاع الدولار في العام الماضي هو هبوط أسعار النفط، لأن معاملات النفط مقومة بالدولار، والانخفاضات في النفط تكون مرتبطة بطبيعة الحال بارتفاعات في قيمة الدولار.

لكن هذا الربع مختلف، إذ انخفض سعر النفط الخام فقط بنسبة 1.3 في المائة منذ بداية العام. أما بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة، فإنه ليس قويا بصورة كبيرة للغاية. وقد ظهرت آثار فصل الشتاء السيئ في تراجع المزاج العام لدى المديرين والمستهلكين.

بدلا من ذلك، السبب في المستوى المرتفع الأخير للدولار هو الفروق في السياسات النقدية وأسعار الفائدة. فقد لجأ البنك المركزي الأوروبي إلى شراء سندات ضمن برنامج التسهيل الكمي، وخفضت المصارف المركزية في جميع أنحاء العالم الناشئ أسعار الفائدة، وأصبحت عائدات السندات في جزء كبير من أوروبا سلبية. في الوقت نفسه، من المتوقع أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا العام، يتبعه بنك إنجلترا بعد فترة وجيزة. وهذا يفسر صعود الدولار.

من ناحية، يعكس هذا رغبة مطلوبة بقوة. فمنطقة اليورو تحتاج إلى يورو أضعف، لجعل صادراتها أكثر تنافسية. أما الولايات المتحدة فهي أقل حساسية للتصدير، وبالتالي من المفترض أن تكون قادرة على الصمود أمام الدولار القوي دون أن يمسها أذى. لذلك ينبغي أن يساعد الدولار القوي الاقتصاد الأمريكي على دفع بقية العالم.

تأتي الآن المحاذير. هنا نجد أن الجميع يخفض قيمة عملته مقابل الدولار في وقت واحد، بينما يبقى النمو في الولايات المتحدة غير قوي. وبالنسبة لكثيرين لا يشكل هذا مساعدة تذكر للصادرات.

لنأخذ كوريا الجنوبية. انخفض الوون بنسبة 11 في المائة مقابل الدولار منذ الصيف الماضي، لكن لأنه اكتسب 9 في المائة مقابل الين الياباني خلال الفترة نفسها، 60 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية، فإن شركات التصدير الكورية لن تستفيد كثيرا.

وهناك السندات. فمنذ أزمات العملات في التسعينيات، اتجهت الدول إلى بناء أكبر أسواق سندات مقومة بعملاتها الخاصة التي سمحت بتعويمها بحرية. ونحن لا نحتاج إلى إعادة تكرار كارثة أعباء الديون التي تتضاعف عندما يخفض بلد معين قيمة عملته بشكل مفاجئ.

لكن لا يزال ذلك يعتبر مشكلة. فريدريك نُويمان، من بنك إتش إس بي سي، يشير إلى أن المستثمرين المعتمدين على الدولار سيرغبون في عائدات أعلى مقابل شراء السندات الخارجية، وهذا قد يؤدي إلى زيادة تكلفة السندات. ولا يزال لدى كثيرين ديون مقومة بالدولار إلى حد كبير. وتكلفة خدمة ذلك، كما تشير حسابات نُويمان، قد تشكل أكثر من 0.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل من ماليزيا وإندونيسيا – وذلك ليس أزمة وإنما يعد أمرا غير مرحب به.

هناك أيضا الأثر في الأرباح. وفقا لكابيتال آي كيو ستاندرد آند بورز، تمثل الإيرادات المولدة خارجيا ما نسبته 46 في المائة من مبيعات الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500. والدولار الأقوى يضعف تلك الإيرادات. وقد اتسمت مسيرات الدولار السابقة بهبوط في أرباح الشركات الأمريكية. أما الشركات الأوروبية فهي في وضع يؤهلها للاستفادة من ذلك.

إن الدولار الأقوى يبدأ الآن شق طريقه في توقعات المحللين. فقد تحولت شركات تكنولوجيا المعلومات الأمريكية، الأكثر اعتمادا على الإيرادات الخارجية من أي قطاع آخر، إلى الطريق المعاكس أخيرا وكانت نتائجها فقط في مستوى الشركات الأخرى على مؤشر ستاندرد آند بورز 500.

بصفة عامة، تجد وكالة تومسون رويترز أن نمو الأرباح المقدر لعام 2015 بالنسبة للشركات خارج قطاع الطاقة انخفض من 12 في المائة إلى 8.4 في المائة حتى الآن هذا العام، وهذا قد لا يكون كافيا.

في الوقت نفسه، آفاق الشركات الأوروبية تدعو إلى النشوة. ويتوقع سماسرة تحقيق نمو بنسبة 17.2 في المائة في أرباح عام 2015 (بعد هبوط العام الماضي). تلك التقديرات ارتفعت بصورة حادة في الأسابيع الثلاثة الماضية، بينما كان اليورو يترنح، ما أشعل فتيل ارتفاع شديد في التقييمات على الأسهم الأوروبية.

هل هذه التقديرات دقيقة؟ ربما لا. إن التحرك المفاجئ في معدلات الصرف يطمس التصورات. من حيث القيمة باليورو، ارتفع مؤشر فاينانشيال تايمز يورو فيرست 300 بنسبة 21.6 في المائة على مدى العام الماضي، مقابل زيادة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 11.9 في المائة من حيث القيمة بالدولار. لكن من حيث القيمة بالدولار، انخفض مؤشر يورو فيرست بنسبة 7 في المائة خلال العام وكان في مستوى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لعام 2015. الاندفاع الظاهر مجرد تعديل لتحركات العملات.

لكن التصورات لها عواقب حقيقية على العالم، كالتدفق في الأسهم الأوروبية. ويشير بانك أوف أمريكا ميريل لينتش إلى أن الدولار حفز منذ بداية هذا العام حتى الآن، ما مجموعه 47 مليار دولار من الاستردادات من صناديق الأسهم الأوروبية وما مجموعه 36 مليارا من التدفقات إلى صناديق الأسهم الأوروبية. ومكاسب الدولار المستمرة من شأنها أن تسبب الضرر لهؤلاء المستثمرين بشكل كبير.

يمكن أن يعمل الدولار الأقوى على تخفيف بعض الاختلالات الأساسية في الاقتصاد العالمي، لكن البلبلة التي يسببها اندفاعه تجلب عديدا من المخاطر في أعقابه.