لوسي بارسخيان
في 15 اذار الجاري تبلغ صرخة اسقاط النظام في سوريا عامها الرابع، ومعها ايضاً أزمة لجوء السوريين الى دول الجوار. غير ان الرقم أربعة ليس وحده ما يثير القلق المتزايد من أزمة اللجوء، خصوصاً الى لبنان، حيث اقترن هذا اللجوء بمعضلة المخيمات العشوائية التي انتشرت على اراضيه. وإنما تضاف اليها أرقام أخرى تعرضها لـ “المدن”، منسقة العلاقات الخارجية في المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCRليزا ابو خالد، بالتزامن مع الذكرى الثالثة لإنشاء مكاتب المفوضية في البقاع، حيث أكبر تجمع للاجئين السوريين الى لبنان.
حتى 11 اذار الجاري بلغ عدد اللاجئين السوريين الذين جرى تسجيلهم لدى المفوضية العليا للاجئين في البقاع 412 الف نسمة من اصل مليون و178 الف لاجئ على صعيد لبنان، في نموذج تصاعدي للجوء غير المتوقف الى لبنان، والذي طال آخره هروب أشوريي الحسكة. أيضاً، هناك 45 ألف طفل سوري ولدوا في مستشفيات لبنان، ولكن 30% من هؤلاء فقط سجلوا في الدوائر الرسمية السورية، 70% من غير المسجلين وصفوا بمكتومي القيد، بسبب افتقاد ذويهم للأوراق القانونية المطلوبة.
يبلغ عدد الأطفال الذين هم في سن الدراسة 400 الف، لم تتمكن المفوضية من تحقيق هدفها بتأمين العلم لـ 100 الف منهم، من بين الطلاب نحو 100 الف يقيمون في البقاع، ولا يتوفر العلم سوى لـ 19 الف منهم، بسبب الميزانيات المتقشفة المخصصة لتعليم الأولاد، وغياب البنية التحتيتة الكافية لإستيعاب أعداد الطلاب السوريين في المدارس الرسمية البقاعية.
من جهة أخرى، فإن القيود التي فرضتها الدولة اللبنانية على حدودها قبل نحو ستة اشهر خفضت نسبة المتقدمين يومياً للتسجيل لدى المفوضية بنسبة 80%، بحسب ابو خالد، بمقابل شطب نحو 101 الف لاجئ سوري من سجلاتها بينهم حوالى 42 الف فقدوا صفة اللاجئ في البقاع، ومع ذلك بقي هناك نحو 200 لاجئاً جديداً يسجلون يومياً لدى المفوضية هناك، برغم صعوبات إستيعابهم.
حتى الارض في البقاع لم تعد قادرة على استيعاب اكثر من 850 مخيماً عشوائياً، يأوي مجموعهاً نحو 140 الف لاجئاً، اي حوالى 30% من اللاجئين المقيمين في البقاع، ونحو ثلثي عدد اللاجئين المقيمين في مخيمات لبنان، والذين يبلغ عددهم الاجمالي 200 الف. فيما الباقون يتوزعون بأماكن ليست افضل بكثير، بين الابنية غير المنجزة والمحلات وغرف تحت الارض، حيث تتجمع اكثر من عائلة في غرفة واحدة.
أمام زيادة الأزمة، تشكو الهيئات الداعمة من تراجع الحماس العالمي لدعم الملف الانساني للاجئين، لينعكس الأمر فقراً اضافياً عند اللاجئين، الذين تشكل النساء والأطفال 80% منهم. والتراجع بالمفوضية الى تقديم مساعداتها الى “الأكثر حاجة، بعدما اضطرت الى التقشف بموازنتها”. وفي شهر تشرين الاول من العام 2014 اضطر برنامج التغذية العالمي WFPالى تأخير صرف البطاقة الغذائية نحو 15 يوماً، بإنتظار وصول الأموال لتغطية النفقات. وتلت ذلك حملة أظهرت للعالم الحاجات التي لم يعد هناك امكانية مالية لتوفيرها. لينتظم برنامج الـ WFP مجدداً من بعدها، وانما مع تغطية فقط لـ 75% من اللاجئين المسجلين، والذين لا يمكنهم فعلا تأمين حاجتهم الدنيا من التغذية اليومية، وذلك بعد ان خفضت ايضاً قيمة البطاقة الغذائية المخصصة لكل فرد من 30 الى 19 دولاراً.
والى الهم الغذائي الأول بالنسبة للاجئين المقيمين في المخيمات او في المساكن العشوائية، تضاف فاتورة التدفئة التي هي الأعلى في البقاع. حيث بلغت كلفة برنامج مساعدات فصل الشتاء لهذا العام، بحسب ابو خالد، 65 مليون دولار على مستوى لبنان، معظمها أُنفق في البقاع، أكثر المناطق برداً. لتبقى المعضلة الأكبر خلال السنوات الاربع الماضية، في إيواء اعداد السوريين المتقاطرة الى الاراضي اللبنانية. فقياساً الى عدد سكانه، إستضاف لبنان النسبة الأكبر من اللاجئين، ومعظم هؤلاء سكنوا عشوائياً في اماكن لا يمكن ان تصلح لإقامة البشر. تطلب ذلك جهداً أكبر من الجهات الداعمة لتأهيلها. فيما يتسبب غياب الرؤيا المسبقة لمستقبل المخيمات العشوائية وتأثيرها على محيطها، بهدر اموال طائلة في مواقع أُلزم اللاجؤون على إخلائها بعد فترة من تأهيلها.
تبعا للظروف التي فرضها الواقع الأمني الطارئ، سواء في محيط مراكز الجيش، او على تخوم السلسلة الشرقية الملاصقة للحدود، هناك حالياً في البقاع حوالى 10 آلاف لاجئ سوري تحت خطر التشرد مجدداً، وفق ابو خالد، وهؤلاء لا يعرفون فعلا الى أين سيتوجهون، في وقت لا تملك المخيمات الجماعية المؤهلة من قبل الجهات الداعمة إمكانية لإستقبال سوى أعداد ضئيلة من الأكثر حاجة بينهم.
في مواكبة هذا العبء الانساني الكبير، تطلق UNHCR كل ستة اشهر نداءً لتمويل جديد. وفي نهاية عام 2014 طلبت مليار و970 الف دولار، من اجل تغطية نفقات الاحتياجات الأساسية للاجئين، ولم يصلها حتى شهر اذار الجاري سوى نسبة 5% من طلبها. ولكن حتى منذ بداية تسلمها ملف اللاجئين السوريين، لم يسبق ان وصل الهيئات الداعمة المبلغ الذي تحتاجه تحديداً لتأمين كافة المتطلبات، وقد لجأت في المرات السابقة الى إعادة النظر في موازنتها، لتخفيض النفقات وتكييفها بحسب التمويل المتوفر. وتضيف ابو خالد ان التقشف يكون على حساب المساعدات الإيوائية التي لم تعد تتوفر سوى للأكثر حاجة، وكذلك الحاجات الغذائية، وعلى حساب البنى التحتية اللازمة لبعض المخيمات، اي على حساب اساسيات الحياة للناس الذين اضطروا لترك بيوتهم.
والتقشف يضع الجهات الداعمة امام قرارات صعبة تحديداً في الموضوع الصحي، وهذا ما يجب ان تدركه الجهات المانحة. فعلى رغم معرفتها بأن معالجة مرضى السرطان فيه إنقاذ لحياتهم، فهي تضطر لرفض هذه الحالات، كون “علاج فرد واحد سيحرم مئة طفل من اللقاح”. علماً ان المفوضية والهيئات الأخرى الشريكة، لم يتمكنوا حتى الآن من توفير المداخيل الكافية لتأمين الإستشفاء الكامل للنازحين، وهي لا تغطي سوى 75% من قيمة الإستشفاء، فيما فحوص الدم والتصوير الطبقي لا تتوفر سوى للأطفال ما دون 5 سنوات، والمتقدمين في السن.
أما الحل؟ فيتمنى السوريون ان يكون تسوية سياسية تعيدهم الى بلادهم. والى حينها، تبقى عينهم على مدى رغبة المجتمع الدولي بالمشاركة في الملف الإيوائي. ووفقاً لأبو خالد، وضعت المفوضية هدفاً بتأمين اعادة سكن نحو9 الاف لاجئ في لبنان حتى نهاية عام 2015 عبر تأمين استضافتهم في احدى بلدان الغرب. وقد رحبت بعض البلدان بإستضافة نحو3 الاف لاجئ، بإنتظار فتح الباب امام 6 الاف آخرين.