التذمر حول سرعات الإنترنت البطيئة في الصين يعتبر هواية وطنية، لكن قلة كانوا يتوقعون انضمام لي كيكيانج، رئيس الوزراء، لتلك الهواية الأسبوع الماضي. فقد قال في سخط واضح خلال اجتماع للهيئة التشريعية، الاحتفالي إلى حد كبير في البلاد، هذا الشهر “لقد زرت بعض البلدان النامية التي لديها اتصالات إنترنت أسرع من بكين”.
وهي المرة الأولى التي يتم فيها الاعتراف بهذه المشكلة علنا من قبل مسؤول رفيع، وهي تبرز بكل وضوح معضلة تواجه قادة الصين. على النحو الذي يبدأ فيه النمو الاقتصادي في التراجع من أرقام بخانتين إلى ما يسميه لي “الوضع الطبيعي الجديد” – نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع هذا العام يبلغ 7 في المائة – تتحدث الحكومة عن قوة الإنترنت لتحويل الاقتصاد وتجنب التباطؤ الاقتصادي السريع.
في كلمته أمام مؤتمر الشعب الوطني، ذكر لي الإنترنت ما لا يقل عن 12 مرة وأضفى على كلمته مصطلحات مثل renxing، وهو هاشتاق منتشر على وسائل الإعلام الاجتماعية الصينية ويعني “متقلب”. وأشاد باستراتيجية “الإنترنت بلس” الجديدة “لدمج الإنترنت الجوال والحوسبة السحابية والبيانات الكبيرة وإنترنت الأشياء مع التصنيع الحديث، وتشجيع التنمية الصحية للتجارة الإلكترونية”.
وكانت هذه أكثر إشارة رفيعة المستوى حتى الآن تعترف فيها بكين بالإمكانات الاقتصادية لمستخدمي الإنترنت، التي قالت إنهم بلغوا 649 مليون شخص في نهاية العام الماضي. وجاءت الإشارة الأخرى في كانون الثاني (يناير) عندما وضح ما جيان تانج، رئيس المكتب الوطني للإحصاء، بالتفصيل كيف يمكن للتجارة الإلكترونية أن تعوض عن تباطؤ الإنتاج الصناعي.
وقال “الصناعات التقليدية (…) تُواجَه بعديد من التحديات”. وأضاف “ومع ذلك، المنتجات الجديدة والصناعات ونماذج الأعمال والأشكال الناشئة من الإنترنت الجوال آخذة في الازدهار”. ولاحظ أن مبيعات التجزئة على الإنترنت ارتفعت بنسبة 49.7 في المائة في عام 2014 على أساس سنوي، مضيفا “هذا هو المكان الذي يكمن فيه أملنا”.
جدار الحماية
لكن هناك ثمنا مقابل لذلك. حتى في الوقت الذي يحتضن فيه قادة الصين فوائد الإنترنت، فإنهم يضيقون الخناق على الحريات على الشبكة أكثر من أي وقت مضى. في الأسبوع الماضي تم حذف “تحت القبة”، وهو فيلم وثائقي عن تلوث الهواء في الصين، من مواقع الفيديو على الإنترنت في البلاد بعد أن شوهد مئات الملايين من المرات، وأثار جدلا حول نوعية الهواء.
وخلال العام الماضي، طُلِب من كل من “وايبو” Weibo و”وي شات” WeChat، وهما من الشبكات الاجتماعية الرئيسية في الصين، حذف آلاف من الحسابات التي خالفت الحظر المفروض على “التداول في الشائعات” – وهو تعبير يعني المحتوى غير المرغوب فيه – في حين تم اعتقال بعض المستخدمين، على ما يبدو لنشر صور لمظاهرات احتلال هونج كونج العام الماضي.
“جدار الحماية العظيم” في الصين قطع الوصول إلى خدمات جوجل منذ حزيران (يونيو) الماضي – وهي خطوة يقول بعضهم “إنها مدفوعة من قبل النزعة الحمائية فضلا عن المخاوف السياسية”. والمواقع الغربية الأخرى الرائدة، بما في ذلك فيسبوك وتويتر ويوتيوب، لا يمكن الوصول إليها في الصين منذ فترة طويلة. وكثير من الشبكات الخاصة الافتراضية، التي تستخدم للوصول إلى المواقع المحجوبة، تم تعطيلها منذ بداية العام.
ويقول محللون “إن هناك مشكلة البطء المترنح في سرعات الإنترنت، التي هي في حكم المؤكد نتيجة لتدخل من أجهزة الفلترة التابعة للدولة”. ويقول كريس لين، محلل قطاع الاتصالات الصيني في شركة سانفورد بيرنشتاين في هونج كونج “كلما كانت لديك بيانات يجري توجيهها من خلال جدار الحماية للتحقق من الموقع أو محتوى معينا، فإن هذا يؤدي إلى إبطاء الأشياء، إنها بالتأكيد ليست قضية توصيلات”.
ويقول بعض المختصين “إن إصرار الصين على فرض رقابة صارمة على الإنترنت يتعارض بصورة أساسية مع المهمة الجديدة التي يروج لها قادتها”. هل يمكن لبكين أن تتوقع حقا من الإنترنت دفع اقتصادها بينما تقوم بتصفية الحريات المزعجة التي تأتي مصاحبة لذلك؟
تشارلي سميث من موقع Greatfire.org، الذي يراقب فرض الرقابة على الإنترنت في الصين، يقول “يجب على السلطات أن توازن النمو الاقتصادي في مقابل السيطرة على المعلومات”. ويضيف “لا يمكنهم أن يملكوا الأمرين على حد سواء”.
العاملون في الشركات الأجنبية الذين يضيعون ساعات في النقر عبثا، فقط للوصول إلى البريد الإلكتروني الخاص بهم، يشعرون بالغضب من الضوابط الجديدة. يقول تنفيذي أجنبي، يقدر أن الرقابة والإنترنت الذي يعمل بشكل غير متكافئ يتسببان في زيادة تكلفة العمل بنسبة 20 في المائة “كل يوم يتعين علي زيارة موقع تويتر لمعرفة ما يكتب عنا. وهذا يعني الحصول على شبكات افتراضية خاصة، والخروج من برنامج شركتي ومن ثم العودة”.
ونشرت الغرفة التجارية التابعة للاتحاد الأوروبي في الصين نتائج استطلاع الشهر الماضي تبين أن 86 في المائة من المشاركين فيه تحدثوا عن تأثير سلبي في أعمالهم نتيجة لحجب المواقع وأدوات الإنترنت، وتزيد هذه النسبة 15 في المائة عما كانت عليه في حزيران (يونيو) 2014.
مكاسب رغم القيود
مع ذلك، يقول محللون آخرون “إن الصين لا تزال تجني مكافآت اقتصادية من الإنترنت، بغض النظر عن المناخ السياسي والرقابة”. ويشير بعضهم إلى أن شركات الإنترنت الصينية الناشئة تستفيد من غياب المنافسة الأجنبية، وأن الرسملة السوقية المثيرة للإعجاب لأكبر ثلاث شركات إنترنت، وهي بايدو وعلي بابا وتينسنت، تعزى جزئيا إلى جدار الحماية العظيم.
والواقع أن الفوائد الاقتصادية للإنترنت، وفقا لدراسة أجرتها شركة ماكينزي الأمريكية للاستشارات، تتركز بشكل رئيسي في العالم غير السياسي نسبيا للتجارة الإلكترونية، حيث نادرا ما تتطفل الرقابة. وقدرت ماكينزي في العام الماضي أن تطبيقات الإنترنت يمكن أن تحرك ما نسبته 7-22 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي المتزايد في الصين حتى عام 2025. وأسهم اقتصاد الإنترنت بما نسبته 4.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الصيني في عام 2013. ولم تستخدم الدراسة المكونة من 120 صفحة كلمة الرقابة ولا مرة واحدة.
وبحسب تشانج يي، رئيس آي ميديا، وهي شركة لاستشارات التجارة الإلكترونية مقرها جوانجتشو “تحدث الرقابة أساسا في الجانب الإعلامي للإنترنت”. ويضيف “لن يتم منع العمليات التجارية بسب الرقابة على الآراء”.
ويقول أحد التنفيذيين في شركة للتجارة الإلكترونية “نحن لا نبيع قمصان فالون جونج (الحركة الروحية الصينية المحظورة)، وخلاف ذلك الرقابة لا تؤثر حقا فينا”.
لكن القانون التنظيمي يؤثر. ووفقا لمختصين، حتى يتمكن الإنترنت من دفع عجلة النمو، يجب أن يسمح له بتحويل ما هو أكثر من قطاعات التجزئة فقط، مثل الإلكترونيات الاستهلاكية التي تبيع بالفعل المنتجات على الإنترنت بأعداد كبيرة. ويبدو أن برنامج لي يستهدف “التكامل” في كثير من القطاعات الأخرى المتصلة بشبكة الإنترنت – مثلا، استخدام التجارة الإلكترونية لترشيد هيمنة الدولة والصناعات غير الفعالة بشكل كبير كالرعاية الصحية، والخدمات المالية، والزراعة، كما يقول يي. وتقدر ماكينزي أن الاعتماد الأوسع لتطبيقات الإنترنت في مجال الخدمات المالية وحده يمكن أن يسهم بمبلغ 1200 مليار رينمينبي (192 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الصين بحلول عام 2025.
ولدى صناع السياسة آمال كبيرة في أن أمثال شركة التجارة الإلكترونية العملاقة “علي بابا”، ومحرك البحث “بايدو”، والمحرك الضخم لوسائل الإعلام الاجتماعية “تينسنت”، ستساعد على إعادة تنظيم الأسواق وربط العرض بشكل أكثر كفاءة مع الطلب. ولتحقيق ذلك، يبدو أن الحكومة تتبنى جدول أعمال لشركات الإنترنت الكبيرة، كما يتضح من برنامج لى “إنترنت بلس”، الذي يستند إلى مبادرة تقدم بها رئيس تينسنت، بوني ما. وقال ما الأسبوع الماضي “إن الفكرة هي استخدام الإنترنت منبرا، ودمج جميع الصناعات، بما في ذلك الصناعات التقليدية، من خلال تكنولوجيا الإنترنت”.
هذه الرؤية ستغير وجه الاقتصاد إذا ما تم تطويرها، لكنها تطمس أيضا الخطوط الفاصلة بين مصالح بكين وتلك المجموعات الكبيرة للإنترنت، بما أن مزيدا ومزيدا من السياسة قد يكون نتيجة لحل وسط بين ما تحتاج إليه شركات الإنترنت الخاصة الكبيرة وما تسمح به الحكومة.
حل وسط
وفي عدة مجالات كانت الدولة متسامحة بشكل مستغرب – وإن كانت متناقضة – في نهجها لتنظيم التجارة الإلكترونية. وكان المراقبون قد تُركوا في حيرة من أمرهم عندما أعلنت وزارة النقل قواعد جديدة في كانون الثاني (يناير) تمنع السيارات الخاصة من استخدام تطبيقات استدعاء سيارات الأجرة، التي تشبه الأخبار السيئة لهذه الصناعة الوليدة ولأمثال أوبر تكنولوجيز. لكن في البيان نفسه، أقرت الوزارة مثل هذه التطبيقات لسيارات الأجرة لوجود “دور إيجابي” لها وقالت إنها “تشجيع للابتكار”.
وتشير التعليقات إلى أن الحكومة تسعى لحل وسط بين “تعطيل” الاقتصاد الصيني التقليدي، والوضع الراهن. الحادث الغريب الآخر في الشهر نفسه أشار إلى نهج فوضى مماثل في وضع القانون التنظيمي، بعد أن اتهمت إدارة الدولة للصناعة والتجارة “علي بابا” علنا بأنها تقبل بوجود السلع المقلدة في محالها الموجودة على الإنترنت. وبعد يوم، اضطرت إلى سحب هذه الاتهامات من موقعها على الشبكة.
وكان لدى الشركات بعض النجاحات الملحوظة في إحداث اضطراب في صناعات تهيمن عليها الدولة، مثل التمويل – دفعت صناديق أسواق المال على الإنترنت التابعة لـ “علي بابا” و”تينسنت” أسعار الفائدة في السوق وأدت وظيفة مشابهة لحساب الودائع المصرفية. ونجحت هذه العملية بشكل هائل.
لكن هناك مبادرات أخرى أطيح بها دون أي تفسير يذكر. ففي آذار (مارس) الماضي، انتظر البنك المركزي الصيني إلى أن أعلنت كل من “علي بابا” و”تنسينت” عن بطاقات ائتمان على الإنترنت، ليصدر بعدها أمرا بالحظر في اليوم التالي. وكان التفسير السائد لهذا القرار هو أنه نتيجة معارضة من يونيون باي، المؤسسة التي تحتكر بطاقات الائتمان في الصين.
مثل هذا الارتباك في السياسة يمتد إلى الرقابة. فقبل سحب فيلم “تحت القبة”، تلقى الفيلم ثناء واسعا في وسائل الإعلام الرسمية، وحتى من قبل تشين جينينج، وزير البيئة الصيني.
والفيلم هو عنصر آخر يبين الغياب الأساسي لوجود إجماع في الصين بخصوص استراتيجية حول الإنترنت. يقول مصرفي استثماري في هونج كونج “ستستمر شركات الإنترنت الصينية في الابتكار وتوسيع الآفاق، ويعمل المنظمون دائما على اللحاق بها. هذا منهج فريد. أنت تبين ما لديك أولا، ومن ثم ترى ما يفشل، وما يبقى، وما يُرفَض منه”.