مناخ الإستثمار هو من المواضيع الإقتصادية الهامة والمرتبطة بالقدرة التنافسية في جذب الإستثمارات المباشرة كمصدر أساسي لتمويل القطاعات الإقتصادية الإنتاجية والخدماتية في ظل ندرة الموارد المحلية وتأثيرها المباشر في امتصاص البطالة وتقليص نسبة الفقر في المجتمع ورفع مستوى المعيشة للمواطن وزيادة الإنتاج المحلي في ظل سياسة تنوع قاعدة الإنتاج وزيادة الواردات، والتوسع في حجم الصادرات بهدف تحقيق فائض إقتصادي في الموازين الإقتصادية الكلية، ومن ثم تحقيق زيادة في معدل النمو الإقتصادي.
لذلك لا بد من التنويه إلى أن هناك حداً أدنى من الشروط الواجب توفرها لدخول الإستثمارات إلى أي بلد، أي أن اتخاذ القرارات الإقتصادية مرهون بضمان سلامة المشروع والتخطيط الواضح الذي يحمي البرامج الإنمائية ويعظم الربح في ظل الفرص البديلة. ويتوقف هذا الأمر على العديد من المقومات التي يجب توافرها ولعل أهمها يتمثل في الموارد الطبيعية والإستقرار السياسي والأمني، والقانوني، والإقتصادي، والنقدي، والمالي المتزامن مع توافر البيانات المالية السليمة والمنتظمة وتوفر البنية الأساسية المادية والموارد البشرية المؤهلة فضلاً عن سعة السوق الداخلية المقرونة بالقوة الشرائية للمواطن. ولا بد أن معظم تلك البنود تغيب عن السياسة الإستثمارية في لبنان.
ويتضح من نتائج التحليل أن التخطيط لأي بلد في جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة يعتمد على المقومات المطلوبة والتي تشكل في مجموعها قوة جاذبة للإستثمارات وبموجبها تصنف مختلف بلدان العالم وفقاً لمعايير محددة وعلى أساسها يتم ترتيب قدرة كل بلد في المنافسة رقمياً مقارنة بغيره من البلدان، ويلاحظ أن هناك علاقة ارتباط مباشرة بين ترتيب التنافسية وحجم تدفقات الإستثمار. كما تتجلى الأهمية الإقتصادية للإستثمار وعلاقته بالمتغيرات الإقتصادية من خلال الدور الذي يلعبه في مسار النشاط الإقتصادي وتطوره ولاسيما وأنه وثيق الإرتباط والصلة بصورة مباشرة وغير مباشرة، بمتغيرات الإدخار والدخل والإستهلاك، ومستوى التشغيل والبطالة، ومعدل النمو، والتنمية الإقتصادية. كما أن ضعف الإستقرار السياسي يؤدي إلى تدني معدل الإدخار، وتزايد معدلات هروب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية, لذلك فإنه من المطلوب إتباع الدولة أسساً للرفع من عوامل الإستثمار ومن أهمها ما يلي:
– النظام السياسي ومدى الإلتزام بتطبيق الديمقراطية.
– تواجد منظمات المجتمع المدني ومدى تمتعها بالديمقراطية.
– تطور وعي الأحزاب السياسية ودرجة الحرية التي تتمتع بها.
1- التداول السلمي للسلطة، ودرجة الإستقرار السياسي في السلطة.
كما أن العنصر الإقتصادي لا بد أن يتفاعل مع العناصر السابقة ويتمخض عنها المناخ الإستثماري في الدولة المضيفة ويتشكل المناخ الإقتصادي من العناصر الآتية:
– توفر الموارد الطبيعية.
– صلاحية البنية الأساسية.
– إتساع السوق الداخلية للدولة مقترنة بالقوة الشرائية التي تتوقف على الناتج المحلي وعدد السكان وعدالة توزيع الثروة بين أبناء المجتمع.
– كفاءة السياسات الإقتصادية (المالية، النقدية، التجارية) ومدى مرونتها واستغلالها.
– درجة الحماية التي تقدمها الدولة لمنتجاتها المحلية.
– توفر العمالة الماهرة ومستوى الأجور السائدة في الدولة.
– قدرة المؤسسات الإنتاجية المحلية ودرجة المنافسة بينها.
– تطور سوق المال على الصعيد التشريعي والتنظيمي.
كما أن هناك اختلالات في العديد من المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية في لبنان والتي تمثل عوامل كبح لجذب الإستثمارات ووجود إختلالات في التشريع والقضاء والأنظمة الإدارية والمالية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية وممارسة المركزية وتعقيد الإجراء، حيث تشير الكثير من المعلومات والدراسات إلى تدني النمو في الناتج القومي الإجمالي، وضعف البنية الأساسية، وهبوط مستوى الإنتاجية، وانخفاض مستوى دخل الفرد، وارتفاع معدل النمو السكاني بمعدل يفوق معدل النمو الإقتصادي، ونمو معدل الإستهلاك بمعدلات تتجاوز معدل نمو الإنتاج، وتراجع نسبة الإكتفاء الذاتي من الغذاء وتصاعد العجز في الميزانية العامة، وفي الميزان التجاري وميزان المدفوعات، والإعتماد الكبير على الموارد الخارجية، وزيادة العرض النقدي، وارتفاع معدل التضخم، وانخفاض مستوى البنية الأساسية، وتراجع في جودة التعليم وتزايد نسبة الأمية وارتفاع معدل البطالة، واتساع قاعدة الفقر وتدهور مستوى معيشة المواطن، واستشراء ظاهرة الفساد المالي والإداري، والتباين الكبير في مراحل التنمية في ما بين المحافظات.
كما يعتبر القضاء من أهم الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الإقتصادية في أي بلد، أي أنه يمثل الخطوة الأولى لعملية الإستقرار الأمني من خلال تطبيق مبدأ سيادة القانون والذي يتوقف عليه منح الثقة والإطمئنان للمستثمرين وهي حالة ما تزال بعيدة نسبياً في القضاء اللبناني أي أن القضاء حتى الآن يمثل عقبة في وجه التنمية بشكل عام والإستثمار بوجه خاص فالمحاكم تستخدم أسلوب تطويل المرافعات لفترات زمنية تتجاوز في بعض الأحيان العمر الإفتراضي للمشاريع وكذلك البطء في تنفيذ الأحكام مما يؤثر سلبياً على حماية مصالح المستثمر واستقرار وضعه والذي يولد عنده الشعور بعدم الثقة والإطمئنان على رأس ماله وهي حالة تعتبر طاردة لأي إستثمار.
لما كان الإقتصاد هو عصب الحياه لأي مجتمع فلقد باتت تهيئة المناخ العام الجاذب للإستثمار الأجنبي والمحفز للإستثمار الوطني ملحة في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن لذا على الحكومة توفير هذا المناخ الداعم للإستثمار من خلال التخطيط الواعد وبممارسة معالجة المشاكل التي تواجه المستثمرين ورجال المال أمام المحاكم ووضع الحلول العملية لها من خلال الوقوف على متطلبات المستثمر في دعواه وتوفير الضمانات الكفيلة باطمئنانه إلى القضاء الوطني من خلال تفعيل دور المحاكم في هذا الشأن. ولربما عامل إنشاء محاكم خاصة إقتصادية قد تكون نقطة البداية والإنطلاق للنظرة الإصلاحية لمنظومة إجراءات التقاضي في الدعاوى الإقتصادية ومنها إلى باقي أنواع المنازعات وصولا للعدالة الناجزة المنشودة وذلك بإدخال بعض التعديلات التي تلبي كافة احتياجات الحياة الإقتصادية التي لا تعرف السكون والجمود وإنما من سماتها التجدد المستمر والتحول السريع الذي ينبغي أن يقابله تطوير وتحديث في الإجراءات للتوافق مع متطلبات المشاكل الأكثر سخونة وعرضاً أمام المحاكم ومنها الإفلاس والتمويل العقاري والملكية الفكرية والوساطة والتحكيم والتقاضي الإلكتروني التي لو تمت تساهم في دعم خطط الإستثمار وتكون وحدها كفيلة في دعم مرحلة الإنماء والإعمار والعمل على تهيئة رافعة الإقتصاد الوطني.