بعد مرور أربع سنوات على انطلاقها، تحوّلت الثورة السورية على نطاق واسع إلى حرب أهلية وإلى نزاع اقليمي بالوكالة، كما تدهورت حال الاقتصاد والمجتمع السوري بصورة مريعة. وفي هذا الصدد، صدر تقرير حديث عن “المركز السوري لأبحاث السياسات” (مقره دمشق)، بدعم من “برنامج الأمم المتحدة للتنمية- UNDP”، حول الوضع الاقتصادي في سوريا.
وأشار التقرير إلى خسارة الاقتصاد السوري أكثر من 200 مليار دولار خلال السنوات الأربع الأخيرة، أي ما يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الاجمالي لعام 2010، أي العام الذي سبق اندلاع الثورة السورية. حيث تقدر نسبة البطالة في سوريا اليوم بأكثر من 57%، مقارنة بنسبة 11% العام 2010، كما يعيش الآن أربعة من بين كل خمسة سورييين تحت خط الفقر، في حين انخفض متوسط العمر المتوقع للفرد من 75 الى 55 عاما!
وتعرضت بعض القطاعات كالسياحة والنفط إلى دمار شبه كامل. بينما لحق بقطاع الصناعات التحويلية خراب هائل، وقد تعرض لأعمال سرقة ونهب واسعة بحيث لم يعد يشكل سوى خمس قيمته قبل الثورة. ومن بين القطاعات الأخرى التي تعرضت لمعاناة هائلة نذكر قطاعي النقل والتجارة الداخلية. ومن الجدير بالذكر أن الدمار الذي تعرض له اقتصاد البلاد قد ترافق مع تغيرات عميقة ضربت المجتمع السوري، بما في ذلك الهجرة الجماعية لرؤوس الاموال والموارد البشرية الى خارج البلاد، وكذلك التحولات الديموغرافية وتفتت المجتمعات والروابط الاجتماعية، بالاضافة الى ارتفاع معدلات الجريمة والشعور العميق بفقدان الكرامة.
وفي الإمكان مشاهدة الآثار البعيدة المدى لدمار الاقتصاد والمجتمع السوري في كل مكان. إذ تبدو الحكومة السورية، وبدرجة كبيرة، غير قادرة لتمويل نفسها. فهي تراكم، بشكل متزايد، ديوناً كبيرة على كاهلها بهدف تمويل مستوردات النفط والمواد الغذائية ولدفع رواتب موظفيها المدنيين، ولكن بشكل رئيسي لتمويل مجهودها الحربي، ومن سيتحمل عبء تسديد هذه الديون هو الشعب السوري بالطبع.
واذا أخذنا في الاعتبار النقص في التمويل وهروب رؤوس الاموال، فإنه سيكون بمقدورنا القول إن إعادة بناء الأصول المادية المدمرة، بما فيها المعامل والمعدات والآلات والأبنية السكنية، سيتطلب وقتاً طويلاً. فقد غادر كثير من رجال الاعمال البارزين البلاد، وسيكون من الصعب عليهم العودة إليها بعد انتهاء الحرب. كما ان اختفاء الطبقة الوسطى سيحرم البلاد من خبرة المدراء، الاكاديميين، الاطباء، المهندسين والمهنيين من سائر الاختصاصات.
وهناك ايضا عبء مستقبلي بانتظار المجتمع السوري يتمثل في صعوبة التخلي عن الكثير من الأنشطة والشبكات التي افرزتها الحرب والتي تلعب دورا متزايدا في الدورة الاقتصادية، إذ أن مصالح كبرى قد نشأت قي ظل اقتصاد الحرب وسيكون من الصعب السيطرة عليها.
وأخيراً، يتجذر التفتت الجغرافي والسياسي بشكل متصاعد. وقد تحوّل الكثير مما كان يعتبر مؤقتاً، مثل الخطوط الأمامية للجبهات، إلى شبه حدود بين مناطق مختلفة في البلاد، ما حطّم الشبكات الاقتصادية والتجارية التقليدية. وتقسيم مدينة حلب منذ صيف عام 2012 بين جزء غربي يخضع لسيطرة النظام وآخر شرقي تسيطر عليه المعارضة يمثل أحد أبرز الأمثلة على ذلك.
ونظرا لحجم الكارثة السورية، يبدو أنه من الصعب رؤية ضوء في نهاية النفق السوري الطويل، وكذلك من الصعب تقديم أي نصيحة تتعلق بالسياسات تتجاوز المطالبة بوقف فوري للقتال، وهو ما يبدو غير ممكن في المستقبل القريب.
كانت الثورة السورية الى درجة كبيرة تمرداً قامت به أكثر فئات الشعب هشاشة، حرماناً وفقراً، وبعد أربع سنوات من انطلاق الصرخات المطالبة بالتغيير كانت هذه الفئات بالذات هي التي دفعت أبهظ الأثمان في هذه الحرب، وأصبحت أكثر فقراً وهشاشة وأسى. وبالتأكيد لن يكون في 15 آذار 2015 سوى القليل مما يستحق الاحتفال به، ولسوء الحظ القليل أيضاً مما يمكن عقد الآمال عليه. – See more at: http://www.almodon.com/economy/8b11379f-3a0c-4665-a658-fce9cc444dcc#sthash.vBPhtwVL.dpuf