رائد الخطيب
فشلت حملة «لا للمرأب»، في ساحة التل في العاصمة الثانية، وفشِلتْ معها البروباغندا السياسية المناهضة للمشروع والتي تزعمها الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي، الذي حاول استمالة جزء من المجتمع المدنيْ، في معركة اعتبرها نوعاً من «شد الكباش». إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل بعد قرار المجلس البلدي الموافقة على المشروع، والذي تعرض لتضليل بداية ثم تراجعَ عن الخطأ بفعلِ إعادة تصويبِ الأمور، ووضعها في مسارها الصحيح، ومن يقرأ تصريحات ميقاتي يعلم مدى التخبط الذي وقعَ فيه تارةً ضد المشروع وتارةً ضده. على أيِّ حال، فإن المشروع ماضٍ وفقاً لمعادلة ترضي كل الأطراف، أي أن يكون مشروع المرأب للسيارات الخاصة، وأن يكون من ضمن مخطط توجيهي عام يعمل مجلس الانماء والاعمار على دراسته بالتنسيق مع نقابة المهندسين في طرابلس. وهذه الأخيرة شكلت لجنة تنسيق تضم خبراء للتواصل مع الجهات المعنية، وايصال الملاحظات والتعديلات المقترحة الى الانماء والاعمار. حملةُ التضليل بدأت عندما تبين أن الهبة التركية والتي قيل ان قيمتها 50 مليون دولار، لانشاء السرايا القديمة هي في الحقيقة «وهمية»، سوّقها عضو المجلس البلدي خالد تدمري بمحاولة اقناع الاتراك بانشاء السرايا القديمة بدلاً من المرأب. كذلك، فان المرأب ليس محطة تسفير كما حاولت أوساط ميقاتي تشييع الامر. وثالث حملات التضليل أنَّ الاعتراض جاء بناءً لحملة سياسية مبرمجة يقودها فريق ميقاتي وتهدفُ الى منعِ المشاريع التنموية عن طرابلس. ورابع هذه الاضاليل أن المبلغ المرصود للمرأب هو 24 مليون دولار فيما الحقيقة انه يبلغ 19 مليونا.
وكان مجلس الوزراء أقر في حكومة ميقاتي 100 مليون دولار لطرابلس، لم يتصرف سوى 15 مليون دولار منها، إلا أنه، وفي ظل المناكفات السياسية تم وقف هذا القرار ورفع المبلغ الى 500 مليون دولار لكل المحافظات عملاً بالـ6 و6 مكرر.
ومع حكومة الرئيس تمام سلام وقبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، تم الطلب لاقرار مشاريع لطرابلس بالمبلغ المتبقي. وطبعاً، طرح وقتها وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس مشاريع ثلاثة تهم طرابلس، وهي المنطقة الاقتصادية ومشروع سكك الحديد، والمشروع الأخير انشاء مرأب لمنطقة التل، حيث أن هذا المشروع كان مطلباً للبلديات المتعاقبة في طرابلس أي قبل 20 سنة، وصولاً الى البلدية الحالية برئاسة نادر غزال. وقد وقع سليمان على هذا المبلغ وخصص للمرأب 19 مليون دولار، وتمَّ تكليف مجلس الانماء الاعمار بوضع دفتر الشروط للمشروع المذكور.
وتقول عضو نقابة المهندسين ورئيسة لجنة متابعة الانماء لمدنية طرابلس الدكتورة ربى دالاتي، «إنَّ تقدم المشروع المذكور على المشروعين الأخيرين جاء نتيجة للمناكفات التي تحصل في مجلس الوزراء، خصوصاً وأنَّ الدراسات متوافرة عن هذا المشروع. كما أن مجلس الانماء والاعمار كلف المكتب الهندسي للأخوين نعيم وغابي خرياطي، بدراسة المشروع. وبعد ان قام الأخير بما طُلبَ منه، تمت مراسلة غزال من قبل مجلس الانماء والاعمار الذي تمنى عليه أن يتواصل مع مكتب خرياطي. وخلال هذه الفترة، كان العضو خالد تدمري يتواصل مع الاتراك عبر السفير التركي في لبنان، حيث تمت مناقشة الغاء المرأب لصالح انشاء السرايا القديمة، وكان أن أنشأ تدمري لوبيا ضاغطا لالغاء المرأب، حيث أقنعهم أن الحصول على الهبة الموهومة (الـ50 مليون دولار)، لن ياتي طالما أن مشروع المرأب قائم. ولم يكن لدى المجلس البلدي علم عن مراسلات الانماء والاعمار ولا عن مراسلات مكتب خرياطي. وحين عقدت الجلسة الاولى المخصصة للمرأب، رفض المشروع وأعطى تدمري صورة مختلفة عن الهبة التركية، واعتبر اعضاء المجلس البلدي أن تعاطي مجلس الانماء والاعماء بضم عقارين عبارة عن 24 متراً مربعاً هو تعاطي فوقي، وهو ما أجج الموضوع وبالتالي رفض المشروع.
وفي لقاء جمع الرئيس سعد الحريري وغزال، سأله الرئيس الحريري عن سبب رفض المشروع خصوصاً وأنَ كل المجالس البلدية كانت قد طالبت فيه، أعلمه غزال أنه لم يعلم بمراسلات الانماء والاعمار وأعلمه عن الهبة التركية، وطبعاً تواصل الرئيس الحريري مع السفير التركي الذي نفى وجود هبة تركية.
وبعد هذا اللقاء، تشير دالاتي، الى أن اعضاءالمجلس البلدي طلب موعداً من الرئيس الحريري، وشعروا بانهم تعرضوا لخديعة. وبعد عودتهم، عقدوا جلسة في الاسبوع نفسه ووافقوا على مشروع المرأب، بشرط تحويله من مرأب للسيارات العمومية الى مرأب للسيارات الخاصة.
وتقول دالاتي التي ترأس قسم الهندسة المدنية في الجامعة اللبنانية في طرابلس، إنه فور الموافقة على المشروع تم انشاء لجنة اسمها لجنة متابعة الانماء في طرابلس، مؤلفة من 40 شخصاً معظمهم من المهندسين وأخصائيي التنميةومن هيئات المجتمع المدني. واقيمت ندوة عن التنمية الاستراتيجية بالشراكة مع صندوق التنمية الاقتصادية لهذا الغرض. كما أقيمت برامج تدريب ولا سيما للأشخاص في مراكز القرار بطريقة علمية، حيث تم تجميع المعلومات عن كل مشاريع طرابلس ومواضيع التنمية اللازمة وتم رفع توصيات الى مجلس الانماء والاعمار بشأن المشروع الذي تبين من خلال المعطيات أن ايجابياته أكثر من سلبياته، وبالتالي ينبغي أن يكون من ضمن مخطط توجيهي للمنطقة أي التل. وكانت التوصيات والملاحظات على المشروع سرية، لئلا يتأجج الشارع، خصوصاً وأنَّ حملة سياسية منظمة كانت تستهدف هذا المشروع وغيره من المشاريع، ونجحت في الضغط على المجلس البلدي في مرحلة أولى إلا أنها انكفأت بعدما تبينت عمليات التضليل. وتم التواصل بين نقابة المهندسين في طرابلس ومجلس الانماء والاعمار، لتلعب دور الوسيط. كما تم تشكيل لجنة أعطت توصيات موثقة الى مجلس الانماء والاعمار. وتم التجاوب معها ولا تزال اللقاءات مستمرة بين الطرفين.
وتؤكد دالاتي أن مجلس الانماء والاعمار «أخذ بضرورة انشاء مخطط توجيهي، وذلك بناء على الاحصاءات وربط مشروع المرأب بالتنمية، حيث تبين أن الموضوع المهم هو ليس الوقوف على المعطيات ومن ضمنها التدخل لوضع حد للفقر وايجاد فرص عمل وذلك من خلال مشاريع تنموية، ولا سيما في منطقة التل التي تتطلب مخططاً توجيهي يحييها، ومهما كانت الاولويات فلا يمكن الغاء مشروع تنموي للمدينة خصوصاً وان المبلغ المرصود قد يذهب، وبالتالي علينا الاستفادة من هذه الفرصة، وطبعاً مع الاخذ بالاعتبار أن هناك مخطط توجيهي سيكون موجوداً ولا سيما بما يتعلق بانشاء محطتي تسفير شمالية وجنوبية لطرابلس».
ولا تختلف نظرة عضو المجلس البلدي خالد صبح عن نظرة دالاتي، والذي قال «لا يظنن أحد أن مشروع المرأب سيحدث الانتعاش في الدورة الاقتصادية للمدينة أو يفعل الحركة التجارية فيها من دون مخطط توجيهي لمنطقة التل، خصوصاً وان ذلك سيحول المنطقة الى منطقة حية في ما لو تم ترميم نحو 40 في المئة من واجهات المباني التركية المحيطة، وهو ما يشكل حافزاً للسياحة والتسوق في هذه المنطقة التي تموت يوماً بعد بعد يوم». وإذ طالب بالانماء المتوازن، رأى صبح أن المؤتمر الانمائي الوحيد الذي خصص لطرابلس كان في العام 2002 في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي خصَّ طرابلس بنحو 80 مشروعاً، نفذ بعضها وبعضها لم ينفذ، «لذا على المجتمع المدني أن يكون متوحداً خلف مطالب المدينة».
وقال إن المشروع تمت مناقشته مع الرئيس الحريري الذي أيد فكرة أن يكون مشروع المراب من ضمن مخطط توجيهي، لافتاً الى اهمية أن تتم متابعة المشروع لجهة التنفيذ وهذا ما أدى بالبعض الى الاعتراض، وأيضاً على المجلس البلدية والمجتمع المدني أن يتحولا الى سلطات رقابية من اجل نجاح المشاريع المنفذة. ونوه بدور الرئيس الحريري الذي تواصل مع مجلس الانماء والاعمار، للأخذ بالملاحظات حول المرأب، وللأسف فإن اللجنة الهندسية في البلدية الى الان لم تتواصل مع مجلس الانماء والاعمار. وطالب صبح بعدم رفض المشاريع التي لديها جدوى اقتصادية للمدينة خصوصاً وأن الحروب أنهكتها، سيما وأنَّ طرابلس لها ثقلها السياسي والاقتصادي.
في غضون ذلك، قالت مصادر معنية بموضوع المرأب، إنَّ مبلغ الـ19 مليون دولار، سيمكن من بناء المرأب وترميم الأبنية المحيطة، موضحة أن البناء سيتزامن مع بناء محطة التسفير الشمالية ومع تفعيل خطة سير يابانية وضعت قديماً (GIA) يتم الآن العمل على تحديثها.
ولفتت هذه المصادر الى أن هناك استياءً سياسياً من حملة ميقاتي التي لا تستهدف فقط مشروع المرأب، بل تلك المشاريع التي يتم الآن تخصيص طرابلس، لافتةً الى أن كلام الميقاتي عن طلبه من رئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر، بعضاً من المشاريع لطرابلس هو غير دقيق.
وعلى أيِّ حال، فإنَّ الحملة السياسية التي يقودها ميقاتي ومعه قوى 8 آذار، يتمُّ الردُّ عليها علمياً، وأن قطار التنمية الذي سيسلكُ سكتهُ الى طرابلس.