IMLebanon

عرض متواصل لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية

InterestRates2

جيليان تيت

جميع الأنظار موجهة الآن إلى العلاقة بين اليورو والدولار. ولا عجب في ذلك. قبل سنة، كانت منطقة اليورو تعمل وفق سياسة نقدية أكثر تشددا من الولايات المتحدة.

لكن الأسبوع الماضي شرع البنك المركزي الأوروبي في جولة جديدة ضخمة من التسهيل الكمي، حتى في الوقت الذي يعطي فيه مسؤولو السياسة النقدية في الولايات المتحدة، مثل جيمس بولارد، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، إشارات إلى أنهم يريدون أن يرفعوا أسعار الفائدة الأمريكية قريبا.

بالتالي لم يكن من قبيل المفاجأة أن الفرق بين أسعار الفائدة على الدولار ومنطقة اليورو أخذ يتوسع مع ارتفاع قيمة الدولار. جادل بِن بلين، وهو محلل لدى مينت بارتنرز في لندن بأن “الأمر كله الآن يدور حول الدولار واليورو”، ولاحَظ أن “الاستطلاعات تشير إلى أن أكثر من 50 في المائة من المشاركين في السوق يرون أن اليورو سوف يصل إلى معادِل الدولار قبل عيد الفصح”.

المستثمرون الذين يراقبون بهوس السعر بين اليورو والدولار يخاطرون بتفويت تحول آخر، مهم بالقدر نفسه، يجري حاليا في الأسواق – هذه المرة بين أسعار الفائدة على الين واليورو.

على مدى العقد الماضي، كان التداول في أسعار الفائدة في منطقة اليورو أعلى بنسبة لا بأس بها فوق أسعار الفائدة في اليابان. مثلا، في آذار (مارس) 2004، كانت أسعار المبادلة الآجلة لـ 15 عاما بين اليورو والين (التي تبين الفرق النسبي في العوائد) بحدود 300 نقطة أساس، وقبل أربع سنوات كانت الفجوة لا تزال بحدود 150 نقطة أساس. وهذا كان يعد (بوضوح) علامة على حقيقة أن اليابان كانت غارقة في الانكماش، والجمود الاقتصادي، وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية منذ أكثر من عقد.

لكن هذه الصورة انقلبت بصورة مفاجئة – وعجيبة – في الوقت الذي هبط في العائد على سندات منطقة اليورو إلى معدل أدنى من سندات الين. مثلا، تنطوي أسعار المبادلة الآجلة لـ 15 عاما بين اليورو والين على أن أسعار منطقة اليورو هي أدنى بمقدار 77 نقطة أساس عن الأسعار في اليابان. في هذه الأثناء، العائد الحالي على السندات الألمانية لأجل عشر سنوات يبلغ فقط 22 نقطة أساس، مقارنة بـ 41 نقطة أساس في اليابان، وبالنسبة للسندات لأجل 30 عاما، فإن العوائد هي 71 نقطة أساس و149 نقطة أساس على التوالي. بعبارة أخرى، وباعتبار ذلك برهانا على النظرية الاقتصادية على طريقة “أليس في بلاد العجائب”، فإن اليابان لم تعد المثال الأوحد (أو الأفضل). يبدو النمط في منطقة اليورو حتى أكثر تطرفا من حيث أسعار الفائدة المنخفضة للغاية.

في مذكرة إلى العملاء، ذكر بنك يو بي إس، أن “أسعار الفائدة تُستخدَم منذ فترة طويلة مؤشرا مرجعيا على المدى المنخفض الذي يمكن أن تصل إليه أسعار الفائدة في منطقة اليورو، والمدى الذي أصبحت فيه عبارة “مثل اليابان” تُستخدَم بصورة فضفاضة للدلالة على التقارب بين الاقتصاد الياباني واقتصاد منطقة اليورو إلى جانب أسعار الفائدة”. ويمضي التقرير ليشير إلى “أنه يجدر بنا على الأرجح أن نتحول الآن إلى مصطلح جديد، وهو ’مثل أوروبا‘”.

من الممكن أن يكون الوضع المشابه لأوروبا مجرد ظاهرة مؤقتة. أحد الأسباب وراء أن أسعار الفائدة في منطقة اليورو تعرضت لتقلبات عنيفة هذا الشهر هو أن إطلاق برنامج التسهيل الكمي من قبل البنك المركزي الأوروبي يجعل البنك يعاني نقصا في الأصول التي يمكن شراؤها، ما يدفع سعر السندات السيادية إلى أعلى، الأمر الذي يترتب عليه أن تتراجع العوائد.

لكن من الممكن أن نتخيل أيضا سيناريو تظل فيه العوائد في منطقة اليورو منخفضة للغاية لفترة من الزمن. لاحظ أن منطقة اليورو (مثل اليابان قبلها) تحوم بالقرب من الانكماش، لأنها تتأثر بنقص شديد في الطلب، والهياكل السياسية المجزأة التي تبدو عاجزة عن تشجيع الإصلاحات الهيكلية السريعة.

إذا أصبحت “مثل أوروبا” هي العبارة الجديدة الرائجة، هناك على الأقل ثلاث نقاط يجدر بالمستثمرين أن يفكروا فيها. الأولى، وأكثرها بداهة، أن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية تتسم بميزة نكِدة، وهي أنها قادرة على تشويه الأسواق بمختلف الطرق غير المتوقعة، في جميع أنحاء العالم. وحتى نفهم السبب في أن المستثمرين يتدافعون إلى الصناديق النشطة في الولايات المتحدة، أو قبول المال من المستثمرين الأثرياء، أو القفز في سوق الفن، مثلا، فإن المكان المناسب الذي يجدر بنا النظر إليه هو أسعار الفائدة المنخفضة للغاية.

الثانية، هي أن أسعار الفائدة التي من هذا القبيل لديها عادة تشجيع التهكم حول إشارات وآليات السوق بمعنى أرحب. أو على حد تعبير الراحل، ماسارو هايامي، وهو محافظ سابق لبنك اليابان، المشكلة الأساسية مع أسعار الفائدة الصفرية هي أنها توجد عقلية “الزومبي”، بمعنى أنها تلغي قدرة على التمييز لدى السوق. (إحدى الطرق التي يمكن من خلالها أن نفهم الاندفاع الأخير في الاستثمار في صناديق المؤشرات هو أنه استجابة لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية).

النقطة المهمة الثالثة هي أنه حين تتجذر أسعار الفائدة المنخفضة في نفسية المستهلكين والشركات، يصبح من الصعب بصورة متزايدة على صناع السياسة أن يرفعوا هذه الأسعار. من الممكن أن تتجاوز الولايات المتحدة هذا الاتجاه، والسبب الذي يدفع أناسا مثل بولارد إلى الضغط في الوقت الحاضر على الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ إجراء هو بالضبط أن تتجنب الولايات المتحدة مصيرا تصبح فيه مثل اليابان.

لكن بالنسبة للوقت الحاضر يواجَه المستثمرون في الأسواق العالمية عالما من أسعار الفائدة المنخفضة من النوع الذي يبدو غريبا بصورة متزايدة. وهو عالم ينطوي على تقلبات عنيفة، إذا حلت ـ أو حين تحل ـ نهاية عصر السير على منوال اليابان ثم على منوال أوروبا.