المتحمسون للذهب قلقون بشأن الدولار القوي، ولسبب وجيه. ففي أوائل الثمانينيات، حين أصبحت العملة الأمريكية قوية، انخفض الذهب بنسبة 60 في المائة من ذروة بلغت 850 دولارا. في المقابل، في عام 2001 بدأ الذهب مسيرته التصاعدية الطويلة تماماً عندما بدأ الدولار يضعف.
مع ارتفاع الدولار مرة أخرى، تتساءل السوق إلى أي مدى يجب أن ينخفض الذهب. وبالفعل توج الدولار القوي الاندفاع في كانون الثاني (يناير)، وهو اندفاع كان مدعوماً من حالة لبس بشأن انتخابات في اليونان وبشأن برنامج التسهيل الكمي الأوروبي. وانخفض الذهب بنسبة 39 في المائة منذ آب (أغسطس) 2011 مع ارتفاع مؤشر الدولار بحسب الوزن التجاري النسبي بمعدل 36 في المائة.
ومن المقرر أن يجتمع “الاحتياطي الفيدرالي” هذا الأسبوع وسط توقعات بأن البنك المركزي الأمريكي يمكن أن يسحب تعهده بالبقاء “صبوراً” قبل رفع أسعار الفائدة. ويغلب على أسعار الفائدة المرتفعة أن تخفض جاذبية الذهب، بما أنه لا يُقدّم أي عوائد.
ووفقا لبنك آيه بي إن أمرو، يمكن أن يرتفع الدولار مرة أخرى بنسبة ترواح بين 10 و15 في المائة هذا العام بحسب الوزن التجاري النسبي. ويقول البنك “إن الأسواق المالية تواصل التقليل من أهمية وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة من “الاحتياطي الفيدرالي” هذا العام والعام المقبل ـ وتوقعات التعديلات الصاعدة في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي “عجيب” في أسعار الذهب”.
تقول جورجيت بويل، المحللة في بنك آيه بي إن أمرو، “طالما أن الاقتصاد الأمريكي يبقى قوياً بما فيه الكفاية للتعامل مع تلك الارتفاعات في أسعار الفائدة وطالما أن “الاحتياطي الفيدرالي” سيفعل ذلك تدريجياً، سيكون الذهب تحت الضغط لأن الدولار الأمريكي وأسعار الفائدة على حد سواء يرتفعان. نحن نتوقع مزيدا من التراجع في سعر الذهب هذا العام والعام المقبل”.
وبعد وصول ذروة تاريخية بلغت 1921.17 دولار للأونصة في عام 2011، انخفض الذهب لأن برنامج التسهيل الكمي من البنك المركزي الأمريكي في أعقاب الأزمة المالية لم يُحدِث أي تضخم. وأصبح سعر الذهب ثابتاً بالدولار عند 1152 دولارا يوم الجمعة، وهو أدنى مستوياته في تثبيت نهاية الأسبوع منذ نيسان (أبريل) 2010.
وفي الأسبوع تراجعت مراكز الذهب الدائنة بنسبة 26 في المائة، وهو الأسبوع السادس الذي يشهد تراجعها. ووفقاً لبيانات من هيئة تداول العقود الآجلة للسلع في الولايات المتحدة كان معدل التراجع هو الأسرع منذ تشرين الثاني (نوفمبر).
لكن مقارنة بالفترات السابقة من قوة الدولار، صمد الذهب فعلياً “بشكل كبير جداً”، بحسب “كابيتال إيكونوميكس”. ففي أوائل الثمانينيات انخفض أكثر من 60 في المائة مع ارتفاع مؤشر الدولار بنسبة 93 في المائة. والدولار الآن لا يزال أدنى من ذروته التي وصل إليها بعد الارتفاع في أواخر التسعينيات.
مشتريات الصين والهند يمكن أن تزيد أيضاً في حال تراجعت الأسعار. ويتوقع بنك إتش إس بي سي أن الصين ستبقى أكبر مستهلك ومستورد للذهب وأي انخفاض كبير في السعر إلى 1120 دولارا للأونصة يمكن أن يعزز مشتريات الحلي، والنقود الذهبية، والسبائك في الأسواق الناشئة. كذلك الأسعار المنخفضة ستعمل على إبعاد الذهب المشغول (المستعمل) من دخول الأسواق.
ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، من المرجح أن تستقر إمدادات الذهب في الأعوام القليلة المقبلة. وقال المجلس في تقريره لعام 2014 “إن منتجي الذهب كانوا أقل قدرة على الاستثمار في تطوير مشاريع جديدة بسبب الأسعار المنخفضة وضغوط التكلفة”. وأضاف أن “إنتاج المناجم ارتفع بنسبة 2 في المائة فقط العام الماضي”.
لكن على المدى القريب، من المرجح أن تعتمد أسعار الذهب على اللهجة التي ستأتي من “الاحتياطي الفيدرالي”. وتشعر سوق الذهب بثقة متزايدة أن “الاحتياطي الفيدرالي” سيرفع أسعار الفائدة هذا العام. وبعيدا عن دورة الصعود في الفترة 2004-2006، فإن أسعار الذهب ـ بحسب “باركليز” ـ تميل إلى الانخفاض بنسبة 2 في المائة في الأشهر الثلاثة التي تسبق رفع أسعار الفائدة.
ويلاحظ لأوجو لانشيوني، مدير محفظة في “نيوبيرجر بيرمان”، أن الدولار انخفض بشكل عام بعد بداية تشديد أسعار الفائدة خلال الأعوام الـ 30 الماضية. ووفقاً لبحث أجراه، فإن الجزء الأكبر من ارتفاع قيمة العملة كان تحسباً لرفع أسعار الفائدة.
من ناحية أخرى، يمكن أن يستفيد الذهب من الاضطرابات العالمية المرجح أن تنتج عن قوة الدولار المتطرفة، خاصة إذا اجتمع ذلك مع نوبة أخرى من عدم اليقين على الصعيد الجيوسياسي. والذهب والدولار يملكان لحظات مؤثرة حين يتحركان معاً، مثلما حدث خلال الأزمة المالية العالمية، ومرة أخرى في كانون الثاني (يناير) وسط مخاوف بشأن منطقة اليورو.
يقول جيمس ستيل، المحلل في بنك إتش إس بي سي، “تماماً مثلما شهدنا الذهب والدولار يرتفعان معا خلال أزمة المخاطر السيادية الأوروبية، بإمكاني أن أتصور سيناريو يصبح فيه الأمر ذا نتائج عكسية بالنسبة للاقتصاد العالمي، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى شراء الملاذ الآمن من الذهب. فالذهب يتغذى على عدم اليقين”.