Site icon IMLebanon

“مافيات” النقل العام.. العمل بلا خطوط حمراء

TransportVan
رولا فرحات
قد لا نجد خيطاً يدلنا على التاريخ الذي بدأت فيه ظاهرة "مافيات" النقل العام بإحتكار خطوط النقل في لبنان، إلا أنه من المؤكد أنّ العثور على خيوط تشير إلى الممارسات الفاضحة التي تحصل على تلك الخطوط، والتي قسمّت مسار سير وعمل آليات النقل العام، أسهل بكثير.
يتميَّز كل خط نقل برقم خاص به، وأصبح ذلك عرفاً لدى المواطنين والسائقين. ولأن أعداد سيارات النقل كبيرة، ابتكر السائقون آليات للعمل بعيداً عن رقابة الدولة، فعمدوا الى تحويل مساحات في أكثر من منطقة من بيروت، إلى مواقف ومحطات لباصاتهم. ولا يظنن أحد أن أعمال "البلطجة" التي نشاهدها في المسلسلات والأفلام لا تمت إلى الواقع بصلة، فهي مجسدة في حياة السائقين وأماكن عملهم، حيث "لا مكان للضعيف في موقف الأقوياء" الذين يفرضون سلطتهم في إدارة هذا الموقف أو ذاك، بإستعمال القوة بغطاء من الأحزاب والسياسيين. وهؤلاء يدعون بـ"السماسرة"، وقد تحولوا إلى مافيات، تستعمل شتى الوسائل للحفاظ على مصالحها.
في السنوات الأخيرة، ومع اشتداد الأزمات في لبنان، وتراجع التنظيم المديني وعدم التشدد في تطبيق قانون السير، عمدت شركات خاصة وأشخاص محسوبون على أحزاب وسياسيين إلى إحتلال الخطوط ومواقف الباصات من دون إذن من أحد، وأحياناً بالاتفاق مع البلديات مقابل مبلغ مالي زهيد.
اليوم، وبسبب الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، غابت الشركات الكبيرة للنقل البري لتحلّ محلها الفانات والباصات الخاصة، بأحجامها المختلفة. إذ أصبح "جحش الدولة" من الماضي. وتبعاً لهذا الانتشار، لم تواكب الدولة اللبنانية عمل مواقف الفانات بقوانين ترعى تطبيق نظام محدد لها. وفي لغة السائقين، ليس القوي من يتمكّن من الاستيلاء على "الخط"، بل من يحافظ عليه في وجه الطامعين بإحتلاله، طمعاً بمردوده. أما عن كيفية الحفاظ عليه، فذلك يكون بتطبيق "قوانين" أشبه بشريعة الغاب، تتم بفضل تغطيات تسمح بإختلاق مشاكل للاستيلاء على موقف معين، كما حصل عند إطلاق النار على مالكي أحد المواقف من آل ناصر الدين عندما حاول الاستيلاء على موقف غيره في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ويدعّي موظفون سابقون في "شركة الصاوي زنتوت" لنقل الركاب، أنّ الأخيرة كانت قد أنشأت فريقاً أمنياً لحماية باصاتها عند ممارسة عملها، وفق ما يزعم ع.ج.، أحد أعضاء هذا الفريق المزعوم لـ"المدن". وأبرز أعضاء هذا الفريق هم إضافة إلى ع.ج، ح.ع وف.م.، وهؤلاء كانوا يمارسون "أساليب غير قانونية" لعدم السماح للباصات الصغيرة بالمضاربة على الشركة، وفق ج.، وكان بعض هؤلاء الذين صرفوا من العمل أخيراً قد عمد إلى إطلاق النار في 28 شباط الماضي، في منطقة برج البراجنة، بعد منعهم من العمل على خط رقم 12، والذي تعمل عليه "الزنتوت". وسبق ذلك تعرض أحد هؤلاء للضرب وقد كُسر الزجاج الأمامي لباصه، فنزل ع.ج.، ورفاقه إلى الشارع وإطلقوا الرصاص غضباً، وطردوا باصات "الزنتوت" من موقفها، قبل ان تعود "بعد سلسلة اتصالات". ويقول ع.ج. إنه "بعد طردنا من شركة الزنتوت، أصبحنا بلا عمل، بالإضافة الى أن سمعتنا أصبحت سيئة بعد أن قمنا بشتى أنواع الترهيب على الناس والسائقين. وبالتالي لم يعد أحد يرغب بنا. لذا قمنا بشراء باصات كبيرة قانونية ومكيفة، وحصلنا على الإذن من رئيس بلدية برج البراجنة للعمل على الخط رقم- 12، الذي ينطلق من برج البراجنة ليصل الى مار الياس والحمرا. وهو الخط نفسه التي تعمل عليه باصات الزنتوت". ويشير ع.ج. أن "شركة الزنتوت اعتبرت ذلك مضاربة على باصاتها. فتواصلت مع جهات سياسية وحزبية للضغط من أجل ايقاف عملنا. ما أدّى الى منعنا من العمل في الضاحية الجنوبية بأكملها. مع العلم أن القانون يسمح لنا بالعمل والمنافسة الحرة". ويروي ع.ج، أنه قام برفقة زملائه بـ"أبشع الأعمال لحماية باصات الزنتوت. كنا نفرض الخوّات ونهدّد أصحاب الباصات الجدد ولا نسمح لهم بالعمل، وحرمنا كثيرين من لقمة عيشهم. وإذا بها اليوم تطردنا وتمارس الضغوط لمنعنا بدورنا من تأمين لقمة عيشنا". لكنّ المدير في "شركة الزنتوت" محمد الخطيب نفى في اتصال مع "المدن" ان تكون الشركة قد أنشأت مثل هذا الفريق الأمني، مؤكداً أن "ع.ج. وزملاءه عملوا في الشركة كمشرفين على عمل الباصات، أما المدعو ع.ج فهو كان يعمل منظماً لعمل الباصات"، جازماً بعدم لجوء الشركة الى مثل هذه الأفعال لحماية باصاتها.
أما أبرز الخطوط والمواقف التي تخضع لسلطة أفراد من عشائر محددة فهي على الشكل الآتي: خط رقم 1: ينطلق من منطقة الرحاب (الغبيري) الى الشويفات ثم خلدة، وقد تمكنت الباصات الصغيرة من السيطرة عليه بدلاً من شركة الصاوي زنتوت. خط رقم 2: من الحمرا الى انطلياس تابع لـ غ.ر. وح.م. وف.م، وتسير عليه باصات نقل صغيرة. خط رقم 3: من حي السلم الى منطقة الحمرا، تابع لشركة الصاوي زنتوت. خط رقم 4: يديره أشخاص من آل زعيتر وع.ح. ويتقاضون من الباص 10 آلاف ليرة يومياً، ويعمل على هذا الخط 400 باص، ويحصّل يومياً نحو 4 ملايين ليرة، بحسب أحد أصحاب الفانات. وله أكثر من موقف، في الكفاءات و"حي الجامعة اللبنانية". خط رقم 5: التيرو- الكولا الى الروشة، وتسير عليه باصات الصاوي زنتوت وعددها خمسة، وهذا الخط راكد. خط رقم 6: كولا- جبيل (شركة الزنتوت). خط رقم 7: الرحاب- نهر الموت (أفراد من عائلة ن.، ج.، ز.). خط رقم 8: الفنار الى الحمرا، يسيطر عليه ب.ق (سوري الجنسية) وح.ي. خط رقم 9: نهر الموت- فرن الشباك- البربير يديره ب.ق (سوري الجنسية). خط رقم 12: من برج البراجنة الى مار الياس والحمرا يعمل عليه الصاوي زنتوت. خط رقم 13: كولا - القماطية يسيطر عليه أفراد من آل ن. والمدعو ع.ع. خط رقم 14: كولا- عاليه يسيطر عليه ش.ص.، خط رقم 15: نهر الموت - كولا- الروشة، يسيطر عليه م.ع. وأشخاص من آل ر، خط رقم 24: من المتحف الى الحمرا يديره م.ع. خط كولا- طرابلس تعمل عليه مجموعة فانات مشتركة.
ويقول رئيس اتحاد نقابات النقل في لبنان بسام طليس في حديث لـ "المدن" إنّ "هذه الخطوط القائمة ليست خطوط نقل رسمية. إذ أن النقابات بادرت مع السائقين لتنظيم هذه الخطوط وطريقة العمل فيها. وانتدبت أشخاصاً من قبلها للإنابة عن النقابة في تنظيم عمل الفانات والسائقين". ويؤكد طليس أن النقابة تراقب وتسهر على عمل تلك المواقف، الا أنها أيضاً لا تملك شرطياً وآليات لحجز السيارات والأشخاص الذين يخالفون. كما إنها لا تملك قوى ضاربة، ولا تعمل مكان القوى الأمنية لحلحلة المشاكل والتعديات التي تحصل على هذه الخطوط".
ويرى طليس أن خطة النقل الوطنية التي كان من المفترض بدء العمل بها قد تساهم في إنهاء الحالات الشاذّة، لكنه للأسف حتى اليوم لم "تضرب فيها ضربة مسمار واحدة".

بدوره، يقول رئيس اتحاد النقل البري في بيروت عبد الأمير نجدي لـ "المدن" "أن هذه الخطوط ليست مراقبة والدولة هي المسؤولة عنها. فتلك الفانات تعمل كيفما يحلو لها، حتى أن هناك سائقين من غير الجنسية اللبنانية يعملون بشكل غير قانوني. أما السماسرة الذين يفرضون أنفسهم كمالكين لتلك المواقف فوزارة الداخلية لا تتحرّك لضبطهم. فـ "مثلاً هناك 150 فاناً وسيارة عمومية في موقف الكولا، يدفعون مقابل اشتراكهم مبلغاً يتراوح بين 25 و79 ألف ليرة شهرياً. تلك الفانات تسير وفق مسار محدد: الكولا - صيدا، الكولا- بعلبك وعرسال، كولا- عرمون وبشامون، ولا يُسمح بحصول تعديات عليه"، وفق نجدي.

المافيات التي تسيطر على خطوط النقل البري في أكثر من منطقة، لم تأتِ من فراغ، وإنما نتيجة تغطية من قِبل متنفذين في الشارع والدولة، يستفيدون بشكل مباشر من هذه المافيات. وفي إطار غياب السلطة الرقابية الحقيقية، تتزايد "البلطجات" على حساب الشعب الذي لا حول له ولا قوة، إلا إذا قرّر أن يعترض على واقعه بصوت مرتفع.
- See more at: http://www.almodon.com/economy/bfb5ceda-eabb-44a8-aabc-dbd247052241#sthash.9BQu9SIt.dpuf