ما حدَث في محيط كلّية الإعلام في الجامعة اللبنانية، لم يكن تصوير فيديو كليب ولا مشهداً بوليسياً، إنّما تجسيدٌ لقِمّة الوقاحة التي بلغَها المخِلّون بالأمن، الخارجون على القانون، المُستقوون بالسلاح.. وآخرُ فصول هؤلاء الشبّيحة إطلاقُ الرصاص مِن على درّاجة ناريّة مِن محيط كلّية العلوم على طول الخط في اتّجاه كلّية الإعلام ومدرسة الكَرمليت.
هلعٌ، إرتباكٌ وخوف. كلماتٌ تختصر المشهد الأمني الذي خيَّمَ على منطقة الفنار، أطراف الزعيترية. حتى الساعة الأولى بعد الظهر بدا المشهد روتينياً، أمام الكرمليت، الأهالي ينتظرون في سياراتهم انتهاءَ الدوام، لملاقاة صِغارهم. في محيط كلّية الإعلام بدَت الحركة هامدة، الطلاب يستمعون إلى محاضرة يُلقيها وزير العمل سجعان قزّي، أمّا نزولاً في اتّجاه العلوم، فسائقون يتفيَّؤون ظلالَ شجرة معمّرة، عينٌ على باصاتهم وأخرى على الركّاب.
ماذا حصل؟
حانَ وقت ذهابهما إلى العمل، فاستأذنَت الطالبة راشيل أبي عاد (سنة ثالثة إعلام) وزميلتها للخروج، توجَّهتا نحو سيارتهما المركونة على مقربةٍ من الكلّية، وما إنْ همَّت بالانطلاق، حتى ارتعبَت من لعلعَة الرصاص. تروي راشيل لـ”الجمهورية”، ما حصل: “وصلتُ إلى المستديرة أمام الكرمليت، وإذ بصوتِ الرصاص يقترب تباعاً.
للوهلة الأولى رأيت شاباً أسمر يركب درّاجة نارية، طويل الشاربين يطلق النار عشوائياً، غيرَ مبالٍ بالمارّة الذين حاولوا الاختباءَ من رصاصه، أمّا الأهالي في السيارات فأحنَوا رؤوسَهم خوفاً”. وتضيف: “الخوف تمَلّكني، إلّا أنّني لم أتمكّن من الفرار بعدما رأيتُ في المرآة زميلتي جويل تُهرول نزولاً، والرصاص يصوَّب في اتّجاهها، قدرةٌ إلهية منحَتني القوّة لأقودَ وأفتح لها الباب لتصعدَ معنا”.
وجود راشيل في سيارتها أحاطَها بشيء من الأمان وخفّفَ من حدّة زخّات الرصاص، على عكس الطالبة جويل (سنة أولى علاقات عامة)، التي رأت الموتَ في عينيها، وتقول لـ”الجمهورية”: “قرّرتُ العودة إلى المنزل في جبيل، فتركتُ الجامعة، وتوجّهت نحو “العلوم” حيث الباصات مركونة، وإذا بشابٍّ أشبَه بالمجنون يرمي الرصاص يميناً وشمالاً، في الهواء، غير مبالٍ بوجود أرواح بشَرية، إلى أن رمى الرصاصَ باتّجاهي… لا شكّ في أنّني ارتعَبت، ولكن أشكر الله، أنّه صودِف مرور طالبة في سيارتها فركبتُ معها، فيما «الأزعر» أكملَ طريقه باتّجاه حي الزعيترية”.
ألا تستأهل أرواحُنا؟
طفحَ كيلُ طلّاب الإعلام، نفِد صبرُهم، ما عادَت أعصابُهم تحملهم، فما حدثَ بالأمس، لم يكن الحادثة الأولى التي تشهدها الكلّية خلال هذا العام الجامعي، إذ سبقَ أن شهرَ أحدُ شبّان الزعيترية سلاحَه على الطالبَين سينتيا ومازن… وغير ذلك مِن مظاهر التفلّت المرافقة لهروب الشبّيحة من مداهمات أمنية. وأكثرُ ما يحزّ في نفوس الطلّاب تمادي المخِلّين بالأمن، وعدمُ تهيُّبِهم مِن وجود ثكنة عسكرية على بُعد بضعة أمتار من الكلّية.
في هذا الإطار، يَرفع الطالب الياس شدياق رئيسُ خليّة “القوات اللبنانية” في الجامعة، مطالبَ الطلّاب الملِحّة لـ”الجمهورية”، قائلاً: “نرفض حِرمانَنا من العِلم، ونرفض كذلك منطقَ حَمل السلاح ومظاهرَ التسلّح الحاصل، ولكن في الوقت عينه نُطالب الدولة بأن تتحمّل كاملَ مسؤوليتها في تأمين محيط آمنٍ للطلّاب، بُحَّت حناجرُنا ونحن ننادي بتثبيتِ حاجز أمام الجامعة.
ألا تستأهل أرواحُنا؟ هل المطلوب أن يسقط طالبٌ شهيداً لنتّعِظَ ونترحّم؟”. ويضيف: “رغبةٌ كبيرة تجتاح الطلّاب في نقلِ المبنى من الفنار، خصوصاً أنّه غير متين، والمطر يرشَح من جدرانه”.
ومساءً، أصدرَت الهيئة الطالبية بيانَ استنكار، أبرزُ ما جاءَ فيه: “نؤكّد مرّةً أخرى أنّنا طلّاب عِلم لا طلّاب سلاح، لن يمكنَ لأحدٍ منعُنا من بناء مسقبلِنا… وإزاءَ ما حصلَ لن نقفَ مكتوفي الأيدي، إذ يبدو أنّ الدولة غير آبهة بمصير أكثر من 500 تلميذ في كلّية الإعلام، بالإضافة إلى المئات من الطلّاب في المدرسَتين المجاورتين”.
وأعلنَت الهيئة تعليقَ الدروس اليوم، داعيةً الطلّاب والمَعنيين إلى الاعتصام أمام مبنى الكلّية عند العاشرة من صباح غدٍ الخميس تحت شعار: “مِن حقّنا أن نتعلّم، ومِن واجبات الدولة أن تحميَنا”.