ذكرت صحيفة “الديار” انه ليس جديداً على المسيحيين ما يتعرّضون له من اضطهاد ديني من قبل الذين يكرهون الصليب، فقد عانوا منه خلال عصور ماضية، ويعود حالياً وبعد أكثر من ألفي سنة على صلب وقيامة يسوع المسيح، وإن بأساليب ووسائل مختلفة. لكنّ الأخطر من “داعش” و”جبهة النصرة” وسواهما من التنظيمات التكفيرية، هو الاضطهاد الداخلي الذي، إذا ما استمرّ، قد يصل بالوجود المسيحي في أنحاء العالم الى حدّ كارثي.
حتى أنّ هذا الإضطهاد الداخلي قد شهدت الديانة المسيحية مثيلاً له في التاريخ، على ما يقول مصدر كنسي، في عهد الإصلاح البروتستانتي خلال القرن السادس عشر، عندما قام عدد من الطوائف المسيحية باضطهاد مسيحيين آخرين بتهمة “الهرطقة”. وما يحصل اليوم هو أنّ البعض عن جهل أو عن عدم معرفة يحاول تحويل الدين المسيحي الى دين بديل، أو على شاكلة الأديان الأخرى الموجودة، غير أنّ ذلك لا يجوز. فالدين المسيحي مختلف، لأنّ السيد المسيح بقيامته يُبشّرنا في كلّ وقت بأنّ “الملكوت قد اقترب”. وفي الأوقات العصيبة التي مرّ بها المسيحيون، من اضطهاد ونفي، جاء من يبشّرهم بهذا الأمر، لكي يتسلّحوا بإيمانهم، ويثبتوا في المسيح، ويقبلوا مشيئة الربّ في حياتهم بفرح.
بدأ اضطهاد المسيحيين في وقت مبكر لإيمانهم على يدّ اليهود، يوم لم تكن ديانتهم قد اتخذت بعد إسم المسيحية، ثمّ من قبل الامبراطورية الرومانية، ثمّ توقّف الإضطهاد في القرن الرابع بفضل الأمبراطور قسطنطين الذي اعتنق المسيحية، ما جعل الناس يتهافتون على اعتناق المسيحية ليس حبّاً بيسوع المسيح وتعاليمه، على حدّ قول المصدر، بل طمعاً بالمناصب التي قد يحصلون عليها بعد أن أصبحت ديانتهم مرتبطة بالامبراطور نفسه. وصحيح أنّ هذا الأمر جعل عدد المسيحيين يتكاثر في العالم، غير أنّه أتى على حساب النوعية، إذ أصبح عدد كبير من الأشخاص مسيحيين في السجلات فقط، ولعلّ هذا ما أضعف الكنيسة بدلاً من أن يقوّيها، إذ ضمّت أشخاصاً عدّة لا يستميتون في سبيل يسوع المسيح.
كما واجهت البعثات التبشيرية المسيحية فضلاً عن المؤمنين المسيحيين صعوبات واضطهادات من قبل بعض الخلفاء والولاة المسلمين في العصور يضيف المصدر الكنسي، التي ضعفت فيها هيبة وسلطان الدولة الإسلامية، لدرجة أنّ بعضهم قد استشهد بسبب إيمانهم الشديد، إلاّ أنّهم لم يتنكّروا لديانتهم لا سيما أنّ يسوع المسيح سبق وأن أعلمهم: “سوف تضطهدون من أجل إسمي”. ولعلّ هذا ما يجعل المسيحيين مؤمنين مختلفين لأنّهم لا يتخلّون عن إيمانهم حتى لدى مواجهة الموت، قتلاً أو شنقاً أو رجماً أو صلباً وغير ذلك.
وصحيح أنّ المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط مثل العراق وسوريا ولبنان ومصر يتعرّضون اليوم للإضطهاد مجدّداً على أيدي التكفيريين من خلال الوسائل التعذيبية التي يظنّون أنّهم يبتدعونها لدى احتجازهم الرهائن الأبرياء، رغم أنّها موجودة منذ التاريخ، ومنذ أن وُجد الشر، مثل الذبح والحرق والقتل بالرصاص. فضلاً عن قيامهم باحتلال الأراضي وتهجير الشعوب وتدمير المقدّسات الدينية والمعالم التراثية والثقافية في محاولة لإلغاء الديانة المسيحية والحضارات المرتبطة بها. غير أنّ المسيحيين يعانون أيضاً في دول أخرى من العالم، ويُقدّر هؤلاء، بحسب المعلومات، بنحو 100 مليون مسيحي يواجهون الإضطهاد لا سيما في الدول الشيوعية والعديد من الدول الإسلامية والهند وأفغانستان وباكستان، كما في كوريا الشمالية، والصين والسعودية وإيران. لكن الأخطر من محاربة بعض الأنظمة للدين المسيحي، يقول المصدر، هو أنّ دولاً أوروبية عدّة مثل فرنسا وإيطاليا، فضلاً عن بلجيكا وهولندا وسويسرا، وغالبية دول الإتحاد الأوروبي، قد تخلّت عن الصليب، وتنكّرت له، رغم أنّها دول مسيحية، أو حاضنة للكنيسة الكاثوليكية في العالم مثل روما، وذلك من أجل تأمين مصالحها وتطوير اقتصادها. وهذه هي الكارثة “الداعشية” الفعلية التي يعانيها الدين المسيحي اليوم، أكثر من معاناته من التكفيريين الذين يكرهون الصليب لأسباب دينية في الإطار الأول.
وإذ نرى أنّه غالباً ما يستشهد المسيحيون، جماعات وأفراداً، بسبب الإضطهادات الدينية، إلاّ أنّهم يبقون بأكثريتهم متمسّكين بإيمانهم، كونهم على يقين من أنّ خلاصهم سوف يتحقّق على يدّ يسوع المسيح الذي افتداهم بدمه، وكان أول شهيد وشاهد على الديانة المسيحية، وأول القائمين من بين الأموات.
وأفادت دراسة حديثة، واستُشهد بها في الفاتيكان أنّ 75 شخصاً من بين 100 قُتلوا على مرّ التاريخ بسبب الكراهية كانوا مسيحيين. ويُقدّر بعض المسيحيين بأنّه في ألفي عام من المسيحية، قد عانى من الإضطهاد نحو 70 مليون من المؤمنين وقد قٌتل 45.5 مليون منهم (أي ما نسبته نحو 65 % منهم) في القرن العشرين وفقاً للإضطهاد الجديد.
ولكن رغم ذلك يبقى المسيحيون متمسكين بديانتهم، لأنّه على ما قال البابا فرنسيس فإنّ “جسد المسيح هو الذي ما زال اليوم يتعرّض للإذلال والضرب والجروح”، مؤكّداً أنّه “لا توجد أي أسباب دينية وسياسية وإقتصادية تبرّر الإضطهاد اليومي الحاصل حالياً لمئات آلاف الرجال والنساء والأطفال والأبرياء”. وإذ دعا الى وضع حدّ لاضطهاد المسيحيين، أعلن البابا السنة المقبلة “سنة الرحمة” التي عليها يعتمد المؤمنون لينالوا الخلاص والملكوت.