رولان خاطر
لم تهدأ حملة “حزب الله” على قوى الحرية والسيادة والاستقلال. فبعد الكلام الحاد والقاسي بحق قوى 14 آذار والرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري على خلفية إنشاء “المجلس الوطني لقوى 14 آذار”، استكمل “حزب الله” هجومه المنظّم، فتحرّكت أدواته الوزارية، وشنّت هجوماً على الرمز الأقوى في “تيار المستقبل” وزير العدل اللواء أشرف ريفي، عبر افتعال سجال معه في مجلس الوزراء، وهو امر إن دلّ على شيء، فعلى ان منطق “حزب الله” الذي بدأ معه منذ العام 2005، وهو استفراد أطراف 14 آذار كل على حدى، أي بـ”المفرّق”، من اجل لعبة المصالح، لم يتغيّر، وهو يؤكد أنه لا يريد 14 آذار جسماً سيادياً موحداً، بل خاضعاً، يستجيب لرغباته السياسية والعقائدية. وما الحديث عن الهمّ الوطني وأولوية الاستقرار والحوار الذي يمكن ان يُستشف من بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” الأخير، ما هو إلا “نوتات مزيفة”، تعيد “أوركسترا المقاومة” تأديتها، ضمن “النغمة المصطنعة” أمام الرأي العام، لكنها تعكس نوايا سيئة، وما هو باطني:
أولاً: تأكد المؤكد، أن “حزب الله” هو الطرف الوحيد الذي يمكن أن يشعل حرباً، وفتنة، وفوضى، ويحدث تشنجاً وتوتراً وعدم استقرار، في ظل قوة السلاح التي يمتلكها من جهة، وميزان القوى الذي يميل لمصلحته من جهة ثانية، على ضوء العملية السياسية والعسكرية التي تقوم بها إيران في المنطقة والعالم. ديبلوماسياً، من التفاوض النووي إلى العمليات العسكرية في سوريا والعراق، وصولا إلى الانقلابات في اليمن.
ثانياً، تأكد ان “حزب الله” يناور ويراوغ في مسألة الحوار مع “تيار المستقبل”. فهو لا يهتم بتنفيس احتقان من هنا، او تخفيف تشنج وتوتر من هناك، لا بل يريد أن يسطو على قرار 14 آذار من خلال فريق أساسي فيه وهو”تيار المستقبل”. وبذلك، يعطّل كل حركة سياسية، او خطاب، او موقف يتناول سياسته وتحركاته الممتدة من لبنان إلى سوريا ودول الاقليم، تحت طائلة “الاتهام المباشر” بتفجير التهدئة والسلم الأهلي في لبنان. ألم يعتبر هاشم صفي الدين ..”إن كانوا جديين (أي بإنشاء المجلس الوطني) فهم بذلك يريدون أن ينعوا الحكومة اللبنانية القائمة التي هم فيها الأغلبية”.
ثالثاً: انكشف أن “حزب الله” يعتمد سياسة “القضم”، فهو، تحت شعار الأخوة والتاريخ والجغرافيا، يطلب الـ”نعم” على كل قراراته وممارساته ومواقفه، ولتصبح هذه الـ”النعم” مطلوبة، ومعمّمة على موقف تلو الآخر، وتصبح التنازلات عنوان المرحلة المقبلة وكل حوار.
رابعاً: تأكد أن “حزب الله” لا يريد سلاماً، بل عنوان سلام، يصادر فيه إرادة اللبنانيين، وقرار الدولة، وعمل المؤسسات، واستراتيجية الأمن اللبناني، والديبلوماسية اللبنانية، وصولاً إلى قصر بعبدا.
يقول رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” ابراهيم أمين السيّد، إن بيان 14 آذار انتهى في 15 منه. فإذا كان يا “سيّد” مفعول حركة 14 آذار بإطلاق “المجلس الوطني” ولد ميتاً، فلماذا اراد محمد رعد أن ينسف الحوار؟. ولماذا اعتبر رئيس المجلس التنفيذي لحزبك أن “في التسمية إيحاء للمجالس الوطنية الفاشلة”؟. فإذا كان فاشلاً، لماذا رعدت بيارق الخوف في سمائكم منه؟ ولماذا اهتزت الأرض تحت أقدامكم؟.
وإذا كان اللبنانيون لم يعرفوا من 14 آذار على مدى كل السنوات الماضية إلا الشعارات، والكلام الأجوف، والمعادلات الواهية، فخير من ان يروا 7 أيار، والتهريب والفساد وتبييض الأموال. وخير من أن يروا فريقاً يرسل أبناءهم ليموتوا على أرض غير لبنانية، ولقضية غير لبنانية، ولقناعات غير لبنانية. خير لهم من أن يروا حزباً، يصادر الهوية اللبنانية، يقيم حفلات الموت، ويرقص على جثث السوريين، ويرتكب المجازر..( مجزرة دير بعلبلة (حمص) نيسان 2012، مجزرة قرية المالكية (ريف حلب) شباط 2013، مجزرة قرية تل شغيب (ريف حلب الشرقي) آذار 2013، مجزرة قرية العدنانية (ريف حلب) آذار 2013، مجزرة قرية أم عامود (ريف حلب) نيسان 2013، مجزرة قرية رسم النفل (ريف حلب) حزيران 2013، مجزرة المزرعة (ريف حلب) حزيران 2013، مجزرة النبك (ريف دمشق) كانون الأول 2013، مجزرة بلدة رتيان 2015. (المصدر: تقرير للمرصد السوري في كانون الثاني 2015).
فيا سيّد، 14 آذار، التي ترفع شعار العبور إلى الدولة، وتتمسك بمبادئ الدولة، والسلاح الشرعي الوحيد الذي يسود السيادة اللبنانية، والنأي بالنفس عن حروب المنطقة، لتحييد لبنان عن تداعيات ازمة المنطقة، لأنه الحلقة الأضعف في هذه البقعة من المنطقة، فلن يكون يوماً “حزب الله” هو الأوكسيجين الوحيد الذي يبقيها على قيد الحياة السياسية. فقوت 14 آذار، هو الشهادة والموت من اجل الحرية، قوت 14 آذار يمتد في عمق التاريخ اللبناني، وقوت 14 آذار هو “لبنان أولاً، وليس القتل والإجرام من أجل مشروع إسلامي من هنا، وولاية فقيه من هناك.
لم تتوقف حملة الحزب عند هذا الحدّ، بل ذهب إلى حدّ تعيير قوى الاستقلال بأنها مرتهنة للخارج، فيقول هاشم صفي الدين..”هذا الفريق قد اعتمد في تاريخه السياسي على قوى من الخارج كانت تعدهم دائما بأنها ستحقق لهم ما لم يحلموا به…، فإذا كانت القوى الخارجية التي هي بالأصل مأزومة سواء كانت إقليمية أو دولية، فمن الطبيعي أن يكون الفرع في لبنان مثلها، وأن لا يكون لديه سوى بضع خطابات بلا جدوى”. فهذا الكلام لا ينطبق عليه إلا المثل القائل: “إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا”. فهويتكم المزورة، موصومة على هياكل بعلبك، وجبال صنين، وأرز الرب.
أماّ الأهم، من ما تجلّى من حملة “حزب الله”، فكان حديث ابراهيم امين السيّد إلى الرئيس فؤاد السنيورة، عن أن “الأميركيين بطلّوا يكونوا عنصرية، ما معك خبر”… ويضيف أمين السيّد: “اللي تحت الطاولة اكتر بكتير من يلي فوق الطاولة بين دول العالم وبين بشار الأسد”.
فهنيئاً أميركا، لقد انتقلتِ من مصاف “الشيطان الأكبر”، إلى مصاف “الحليف الأكبر”.
هنيئاً، فاسمُك، لم يعد على لائحة “عنصرية حزب الله”، وإيران، وسوريا، ودول الممانعة.
هنيئاً، لأنك تفاوضين إيران، وتلتقين محمد جواد ظريف، وترضين مرضية أفخم، وتريدين فتح قنوات التواصل مع بشار الأسد..
هنيئاً للجمهوريين والديموقراطيين، فالجالية الايرانية رُوضّت، ولن تنفذ انقلابها في الانتخابات المقبلة، و”الحلم الأميركي” لن يتحوّل إلى “هلال محنّط”، وإمبراطورية فارسية وهمية.
هنيئاً للشعب الأميركي، فعَلَمُ بلادهم لن يتوسطه شعار “لا إله إلا الله”، وسيبقى “نسر أميركا” محلّقاً في سماء المتوسط، والخليج، والمضيق، وبلاد العالم أجمع.
أما عن “ما هو تحت الطاولة أثر مما هو فوق الطاولة”، فممارسات الأسد الأب وصولا إلى ذاك “الشبل”، مع اسرائيل وغيرها من دول الغرب، لا يمكن وصفها إلا بـ”العمالة”. وتَغنّي “حزب الله” بهذه “العمالة”، يشرح ربما احد أسباب دعم الحزب للنظام السوري، وتمسكه ببشار الأسد كسبيل وحيد للحل السياسي في سوريا، علماً أن قيادات وعناصر وأفراد وشعوب “حزب الله” كلّها مطعمة بعملاء “الموساد” وفق ما تؤكد التقارير والمعلومات.
إذا، مسار “حزب الله”، ومواقفه الأخيرة، لم تظهره شريكاً في الوطن، بل تصرّف كسلطة وصاية، تقمع، وتضطهد، كلَّ رأي وفكر وتجمّع، ولو كان سلمياً، يناهض سياستها، ومشروعها. هدفه الانقضاض على كل ما يمكن ان يحيي فكرة 14 آذار، ويزيح الستار عن مفهوم الحرية والسيادة والاستقلال الحقيقي، ويعيد صور الماضي التي تشكل له أشباحاً تدور في هياكل عقيدته ومشروعه السياسي. “حزب الله” يسير ببطئ، ولكنه يسير، نحو السيطرة الكاملة على “الجمهورية”، لذلك، على 14 آذار ان تدق ناقوس الخطر، والخطوات المطلوبة أكثر من “مجلس استشاري”، المطلوب المواجهة بكل ما تعنيها كلمة مواجهة، للمحافظة على “الجمهورية” ولتحقيق “لبنان الجديد”.