ذكاء مخلص الخالدي
لا ترقى جهود الحكومة العراقية التنموية إلى مستوى الحاجات الملحّة للتنمية في العراق. فمن جهة، هناك شحّ في كمية الأموال المخصصة للمشاريع الاستثمارية عدا النفط. ففي 2013، مثلاً، بلغ مجموع المبالغ المخصصة للاستثمار في التعليم والصحة والبيئة والثقافة والشباب والماء والصرف الصحي، 6.5 تريليون دينار عراقي (5.6 بليون دولار) أي 50 في المئة من مجموع الإنفاق على قطاع الطاقة. ومن جهة ثانية، تثير نسبة تنفيذ الموازنة الاستثمارية قلقاً، خصوصاً في القطاعات المذكورة آنفاً. ولا تتجاوز نسبة التنفيذ في أحسن أحوالها 50 في المئة، بينما تنفّذ 80 – 90 في المئة من الموازنة التشغيلية.
لا شك في أن الاستثمار في القطاع النفطي، ضروري لرفاه العراق وزيادة موارده المالية، لكنه يجب أن يتناسب مع الاستثمار في القطاعات الأخرى الخالقة لفرص العمل، خصوصاً الصناعة التحويلية والزراعة والخدمات المتطوّرة القائمة على اقتصاد المعرفة. فنسبة صغار السن عالية في العراق، ما يوجب خلق فرص عمل في شكل مستمر لاستيعاب الوافدين سنوياً إلى سوق العمل، بينما لا يساهم القطاع النفطي الذي يكوِّن 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، إلا بواحد في المئة فقط من فرص التوظيف بسبب اعتماد الصناعة النفطية على كثافة رأس المال.
ويجب أن يتناسب الاستثمار في القطاع النفطي مع الاستثمار في البنى التحتية والإسكان والخدمات الأساسية، كي يشعر المواطن العادي بنعمة الرخاء النفطي. ويُعتبر ترشيد نفقات الموازنة الاعتيادية التي يذهب 60 في المئة منها إلى رواتب ومنافع اجتماعية، خصوصاً لأبرز موظفي الدولة، ضرورياً لزيادة الإنفاق الاستثماري وتطبيق مزيد من المحاسبة في تنفيذ المشاريع الاستثمارية.
تسبّب انخفاض حجم الإنفاق التنموي والتراخي في تنفيذ المشاريع الاستثمارية، في استمرار صعوبة حياة العراقيين اليومية، إذ أظهر مسح لموازنة الأسرة في 2011، أن 60 في المئة من الأسر العراقية تعاني نقصاً في واحدة على الأقل من الحاجات الأساسية التالية: المياه الصالحة للشرب، خدمات الصرف الصحي، الكهرباء، والغذاء. وأظهر المسح أن 15 في المئة من الشباب (15 – 29 سنة) أميون، وترتفع النسبة إلى 20 في المئة بين الإناث، فيما تبلغ نسبة البطالة بين الذكور 18 في المئة وبين الإناث 30 في المئة.
وتظهر نتائج نشرت في 2012 عن التقدّم الحاصل في تنفيذ العراق أهداف التنمية للألفية التي تبنتها الأمم المتحدة في 2000 وطالبت الدول بتنفيذها بحلول 2015، أن 12 في المئة من السكان يعيشون على أقل من 2.5 دولار يومياً، وثمانية في المئة من الأطفال دون الخامسة يعانون من نقص في الوزن، و37 بالألف هي نسبة وفيات الأطفال دون الخامسة، وستة في المئة هي نسبة العراقيين الذين لا يحصلون على كفاية من الغذاء. وتبلغ نسبة الأميّة 23 في المئة، ونسبة الذين لا يحصلون على مياه نظيفة للشرب 32 في المئة. وتسعى الحكومة إلى تمويل عجز الموازنة البالغ 16 بليون دولار، من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي والسحب من صندوق التنمية العراقي، والاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين. إلا أن حجم العجز وطبيعته، لا يستدعيان الاقتراض من المؤسسات الدولية وارتهان الاقتصاد العراقي لشروطها القاسية التي تفرضها على الدول المدينة مقابل إقراضها. فموارد النفط الكبيرة التي استلمها العراق منذ رفع الحصار عنه قبل 12 سنة، أوجدت طبقة غنية من الموظفين والسياسيين البارزين. ويمكن لهذه الطبقة أن تقرض الحكومة مبلغ العجز من خلال شراء سندات خزينة تصدرها وزارة المال.